نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة سبأ آية 19
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

التفسير الميسر فبطغيانهم ملُّوا الراحة والأمن ورغد العيش، وقالوا: ربنا اجعل قُرانا متباعدة؛ ليبعد سفرنا بينها، فلا نجد قرى عامرة في طريقنا، وظلموا أنفسهم بكفرهم فأهلكناهم، وجعلناهم عبرًا وأحاديث لمن يأتي بعدهم، وفَرَّقناهم كل تفريق وخربت بلادهم، إن فيما حل "بسبأ" لَعبرة لكل صبَّار على المكاره والشدائد، شكور لنعم الله تعالى.

تفسير الجلالين
19 - (فقالوا ربنا باعد) وفي قراءة باعد (بين أسفارنا) إلى الشام اجعلها مفاوز ليتطاولوا على الفقراء بركوب الرواحل وحمل الزاد والماء فبطروا النعمة (وظلموا أنفسهم) بالكفر (فجعلناهم أحاديث) لمن بعدهم في ذلك (ومزقناهم كل ممزق) فرقناهم في البلاد كل التفريق (إن في ذلك) المذكور (لآيات) عبرا (لكل صبار) عن المعاصي (شكور) على النعم

تفسير القرطبي
قوله تعالى: {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} لما بطروا وطغوا وسئموا الراحة ولم يصبروا على العافية تمنوا طول الأسفار والكدح في المعيشة؛ كقول بني إسرائيل، {فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها} البقرة : 61] الآية.
وكالنضر بن الحارث حين قال: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء}الأنفال : 32] فأجابه الله تبارك وتعالى، وقتل يوم بدر بالسيف صبرا؛ فكذلك هؤلاء تبددوا في الدنيا ومزقوا كل ممزق، وجعل بينهم وبين الشام فلوات ومفاوز يركبون فيها الرواحل ويتزودون الأزواد.
وقراءة العامة "ربنا" بالنصب على أنه نداء مضاف، وهو منصوب لأنه مفعول به، لأن معناه : ناديت ودعوت.
"باعد" سألوا المباعدة في أسفارهم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وهشام عن ابن عامر: "ربنا" كذلك على الدعاء "بعد" من التبعيد.
النحاس : وباعد وبعد واحد في المعنى، كما تقول : قارب وقرب.
وقرأ أبو صالح ومحمد ابن الحنفية وأبو العالية ونصر بن عاصم ويعقوب، ويروى عن ابن عباس: "ربنا" رفعا "باعد" بفتح العين والدال على الخبر، تقديره : لقد باعد ربنا بين أسفارنا، كأن الله تعالى يقول : قربنا لهم أسفارهم فقالوا أشرا وبطرا : لقد بوعدت علينا أسفارنا.
واختار هذه القراءة أبو حاتم قال : لأنهم ما طلبوا التبعيد إنما طلبوا أقرب من ذلك القرب بطرا وعجبا مع كفرهم.
وقراءة يحيى بن يعمر وعيسى بن عمر وتروى عن ابن عباس "ربنا بعد بين أسفارنا" بشد العين من غير ألف، وفسرها ابن عباس قال : شكوا أن ربهم باعد بين أسفارهم.
وقراءة سعيد بن أبي الحسن أخى الحسن البصري: "ربنا بعد بن أسفارنا" "ربنا" نداء مضاف، ثم أخبروا بعد ذلك فقالوا: "بعد بين أسفارنا" ورفع "بين" بالفعل، أي، بعدما يتصل بأسفارنا.
و""روى الفراء وأبو إسحاق قراءة سادسة مثل التي قبلها في ضم العين إلا أنك تنصب "بين" على ظرف، وتقديره في العربية : بعد سيرنا بين أسفارنا.
النحاس : وهذه القراءات إذا اختلفت معانيها لم يجز أن يقال إحداها أجود من الأخرى، كما لا يقال ذلك في أخبار الآحاد إذا اختلفت معانيها، ولكن خبر عنهم أنهم دعوا ربهم أن يبعد بين أسفارهم بطرا وأشرا، وخبر عنهم أنهم لما فعل ذلك بهم خبروا به وشكوا، كما قال ابن عباس.
{وظلموا أنفسهم} أي بكفرهم {فجعلناهم أحاديث} أي يتحدث بأخبارهم، وتقديره في العربية : ذوي أحاديث.
{ومزقناهم كل ممزق} أي لما لحقهم ما لحقهم تفرقوا.
وتمزقوا.
قال الشعبي : فلحقت الأنصار بيثرب، وغسان بالشام، والأسد بعمان، وخزاعة بتهامة، وكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول : تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ، أي مذاهب سبأ وطرقها.
{إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} الصبار الذي يصبر عن المعاصي، وهو تكثير صابر يمدح بهذا الاسم.
فإن أردت أنه صبر عن المعصية لم يستعمل فيه إلا صبار عن كذا.
{شكور} لنعمه؛ وقد مضى هذا المعنى في "البقرة".

تفسير ابن كثير يذكر تعالى ما كانوا فيه من النعمة والغبطة والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمراً، ويقبل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم، ولهذا قال تعالى: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها} قال وهب بن منبه: هي قرى بصنعاء، وقال مجاهد والحسن: هي قرى الشام، يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة، وقال ابن عباس: القرى التي باركنا فيها بيت المقدس، وعنه: هي قرى عربية بين المدينة والشام {قرى ظاهرة} أي بينة واضحة يعرفها المسافرون، يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى، ولهذا قال تعالى: {وقدرنا فيها السير} أي جعلنا بحسب ما يحتاج المسافرون إليه، {سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين} أي الأمن الحاصل لهم في سيرهم ليلاً ونهاراً، {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم} وذلك أنهم بطروا هذه النعمة، وأحبوا مفاوز ومهامه، يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير في المخاوف، كما طلب بنو إسرائيل من موسى أن يخرج اللّه لهم مما تنبت الأرض {من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها} مع أنهم كانوا في عيش رغيد، في مَنَّ وسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس مرتفعة، قال تعالى: {وضرب اللّه مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}، وقال تعالى في حق هؤلاء {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم} أي بكفرهم، {فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق} أي جعلناهم حديثاً للناس، وسمراً يتحدثون به من خبرهم، وكيف مكر اللّه بهم وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء تفرقوا في البلاد ههنا وههنا، ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا: تفرقوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ، وتفرقوا شذر مذر، قال الشعبي: أما غسان فلحقوا بعمان فمزقهم اللّه كل ممزق بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعمان فمزقهم اللّه كل ممزق ""رواه ابن أبي حاتم وابن جرير عن الشعبي"". وقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} أي إن في هذا الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب، وتبديل النعمة وتحويل العافية عقوبة على ما ارتكبوه من الكفر والآثام، لعبرة لكل صبار على المصائب، شكور على النعم، روى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (عجبت من قضاء اللّه تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، يؤجر المؤمن في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى امرأته) ""أخرجه الإمام أحمد ورواه النسائي وهو حديث عزيز من رواية عمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي اللّه عنهما""، وهذا الحديث له شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه: (عجباً للمؤمن لا يقضي اللّه تعالى قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له؛ وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس لذلك لأحد إلا للمؤمن)، قال قتادة {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} كان مطرف يقول: نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি