نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الروم آية 20
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ

التفسير الميسر ومن آيات الله الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق أباكم آدم من تراب، ثم أنتم بشر تتناسلون منتشرين في الأرض، تبتغون من فضل الله.

تفسير الجلالين
20 - (ومن آياته) تعالى الدالة على قدرته (أن خلقكم من تراب) أي أصلكم آدم (ثم إذا أنتم بشر) من دم ولحم (تنتشرون) في الأرض

تفسير القرطبي
قوله تعالى: {ومن آياته أن خلقكم من تراب} أي من علامات ربوبيته ووحدانيته أن خلقكم من تراب؛ أي خلق أباكم منه والفرع كالأصل، وقد مضى بيان هذا في "الأنعام".
و{أن} في موضع رفع بالابتداء وكذا {أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا}.
قوله تعالى: {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} ثم أنتم عقلاء ناطقون تتصرفون فيما هو قوام معايشكم، فلم يكن ليخلقكم عبثا؛ ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح.
ومعنى{خلق لكم من أنفسكم أزواجا} أي نساء تسكنون إليها.
{من أنفسكم} أي من نطف الرجال ومن جنسكم.
وقيل : المراد حواء، خلقها من ضلع آدم؛ قاله قتادة.
{وجعل بينكم مودة ورحمة} قال ابن عباس ومجاهد : المودة الجماع، والرحمة الولد؛ وقاله الحسن.
وقيل : المودة والرحمة عطف قلوبهم بعضهم على بعض.
وقال السدي : المودة : المحبة، والرحمة : الشفقة؛ وروي معناه عن ابن عباس قال : المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
ويقال : إن الرجل أصله من الأرض، وفيه قوة الأرض، وفيه الفرج الذي منه بدئ خلقه فيحتاج إلى سكن، وخلقت المرأة سكنا للرجل؛ قال الله تعالى: {ومن آياته أن خلقكم من تراب} الآية.
وقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} فأول ارتفاق الرجل بالمرأة سكونه إليها مما فيه من غليان القوة، وذلك أن الفرج إذا تحمل فيه هيج ماء الصلب إليه، فإليها يسكن وبها يتخلص من الهياج، وللرجال خلق البضع منهن، قال الله تعالى: {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم} الشعراء : 166] فأعلم الله عز وجل الرجال أن ذلك الموضع خلق منهن للرجال، فعليها بذله في كل وقت يدعوها الزوج؛ فإن منعته فهي ظالمة وفي حرج عظيم؛ ويكفيك من ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها).
وفي لفظ آخر : (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح).
{ومن آياته خلق السماوات والأرض} تقدم في "البقرة".
وكانوا يعترفون بأن الله هو الخالق.
{واختلاف ألسنتكم وألوانكم} اللسان في الفم؛ وفيه اختلاف اللغات : من العربية والعجمية والتركية والرومية.
واختلاف الألوان في الصور : من البياض والسواد والحمرة؛ فلا تكاد ترى أحدا إلا وأنت تفرق بينه وبين الآخر.
وليس هذه الأشياء من فعل النطفة ولا من فعل الأبوين؛ فلا بد من فاعل، فعلم أن الفاعل هو الله تعالى؛ فهذا من أدل دليل على المدبر البارئ.
{إن في ذلك لآيات للعالمين} أي للبر والفاجر.
وقرأ حفص{للعالِمين} بكسر اللام جمع عالم.
قوله تعالى: {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله} قيل : في هذه الآية تقديم وتأخير، والمعنى : ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار؛ فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل وعطفه عليه، والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة؛ فجعل النوم بالليل دليلا على الموت، والتصرف بالنهار دليلا على البعث.
{إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} يريد سماع تفهم وتدبر.
وقيل : يسمعون الحق فيتبعونه.
وقيل : يسمعون الوعظ فيخافونه.
وقيل : يسمعون القرآن فيصدقونه؛ والمعنى متقارب.
وقيل : كان منهم من إذا تلي القرآن وهو حاضر سد أذنيه حتى لا يسمع؛ فبين الله عز وجل هذه الدلائل عليه.
{ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا} قيل : المعنى أن يريكم، فحذف {أن} لدلالة الكلام عليه؛ قال طرفة : ألا أيهذا اللائمي أحضُرُ الوغى ** وأن أشهدَ اللذات هل أنت مخلدي وقيل : هو على التقديم والتأخير؛ أي ويريكم البرق من آياته.
وقيل : أي ومن آياته آية يريكم بها البرق؛ كما قال الشاعر : وما الدهر إلا تارتان فمنهما ** أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح وقيل : أي من آياته أنه يريكم البرق خوفا وطمعا من آياته؛ قاله الزجاج، فيكون عطف جملة على جملة.
{خوفا} أي للمسافر.
{وطمعا} للمقيم؛ قاله قتادة.
الضحاك {خوفا} من الصواعق، {وطمعا} في الغيث.
يحيى بن سلام {خوفا} من البرد أن يهلك الزرع، {وطمعا} في المطر أن يحيي الزرع.
ابن بحر {خوفا} أن يكون البرق برقا خُلَّبا لا يمطر، {وطمعا} أن يكون ممطرا؛ وأنشد قول الشاعر : لا يكن برقك برقا خلّبا ** إن خير البرق ما الغيث معه وقال آخر : فقد أرد المياه بغير زاد ** سوى عدي لها برق الغمام والبرق الخلّب : الذي لا غيث فيه كأنه خادع؛ ومنه قيل لمن يعد ولا ينجز : إنما أنت كبرق خلب.
والخلب أيضا : السحاب الذي لا مطر فيه.
ويقال : برق خلب، بالإضافة.
قوله تعالى: {وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} تقدم.
{ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} {أن} في محل رفع كما تقدم؛ أي قيامها واستمساكها بقدرته بلا عمد.
وقيل : بتدبيره وحكمته؛ أي يمسكها بغير عمد لمنافع الخلق.
وقيل: {بأمره} بإذنه؛ والمعنى واحد.
{ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} أي الذي فعل هذه الأشياء قادر على أن يبعثكم من قبوركم؛ والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف ولا تلبث؛ كما يجيب الداعي المطاع مدعوه؛ كما قال القائل : دعوت كليبا باسمه فكأنما ** دعوت برأس الطود أو هو أسرع يريد برأس الطود : الصدى أو الحجر إذا تدهده.
وإنما عطف هذا على قيام السموات والأرض بـ {ثم} لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله، وهو أن يقول : يأهل القبور قوموا؛ فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر؛ كما قال تعالى: {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} الزمر : 68].
{وإذا} الأولى في قوله تعالى: {إذا دعاكم} للشرط، والثانية في قوله تعالى: {إذا أنتم} للمفاجأة، وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط.
وأجمع القراء على فتح التاء هنا في {تخرجون}.
واختلفوا في التي في "الأعراف" فقرأ أهل المدينة {ومنها تخرجون} الأعراف : 25] بضم التاء، وقرأ أهل العراق : بالفتح، وإليه يميل أبو عبيد.
والمعنيان متقاربان، إلا أن أهل المدينة فرقوا بينهما لنسق الكلام، فنسق الكلام في التي في "الأعراف" بالضم أشبه؛ إذ كان الموت ليس من فعلهم، وكذا الإخراج.
والفتح في سورة الروم أشبه بنسق الكلام؛ أي إذا دعاكم خرجتم أي أطعتم؛ فالفعل بهم أشبه.
وهذا الخروج إنما هو عند نفخة إسرافيل النفخة الآخرة؛ على ما تقدم ويأتي.
وقرئ {تخرجون} بضم التاء وفتحها، ذكره الزمخشري ولم يزد على هذا شيئا، ولم يذكر ما ذكرناه من الفرق، والله أعلم.
{وله من في السماوات والأرض} خلقا وملكا وعبدا.
{كل له قانتون} روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كل قنوت في القرآن فهو طاعة).
قال النحاس : مطيعون طاعة انقياد.
وقيل: {قانتون} مقرون بالعبودية، إما قالة وإما دلالة؛ قاله عكرمة وأبو مالك والسدي.
وقال ابن عباس {قانتون} مصلون.
الربيع بن أنس {كل له قانتون} أي قائم يوم القيامة؛ كما قال {يوم يقوم الناس لرب العالمين} المطففين : 6] أي للحساب.
الحسن : كل له قائم بالشهادة أنه عبد له.
سعيد بن جبير {قانتون} مخلصون.

تفسير ابن كثير يقول تعالى: {ومن آياته} الدالة على عظمته وكمال قدرته، أنه خلق أباكم آدم من تراب، {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} فأصلكم من تراب، ثم من ماء مهين، ثم تصور فكان علقة، ثم مضغة، ثم صار عظاماً، شكله على شكل الإنسان ثم كسا اللّه تلك العظام لحماً، ثم نفخ فيه الروح فإذا هو سميع بصير، ثم كلما طال عمره تكاملت قواه وحركاته، حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون، ويدور أقطار الأرض، ويكتسب، ويجمع الأموال، وله فكرة وغور، ودهاء ومكر، ورأي وعلم، واتساع في أمور الدنيا والآخرة كل بحسبه، فسبحان من أقدرهم وسيّرهم وسخّرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب وفاوت بينهم في العلوم والفكر، والحسن والقبح، والغنى والفقر، والسعادة والشقاوة، ولهذا قال تعالى: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}. عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن اللّه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك) ""أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وقال الترمذي: حسن صحيح"". وقوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً} أي خلق لكم من جنسكم إناثاً تكون لكم أزواجاً {لتسكنوا إليها}، كما قال تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} يعني بذلك حواء خلقها اللّه من آدم من ضلعه الأيسر، ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكوراً، وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم، إما من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن {مودة} وهي المحبة {ورحمة} وهي الرأفة {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি