نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة البقرة آية 27
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

التفسير الميسر الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة، وقد أكَّده بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ويخالفون دين الله كقطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض، أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

تفسير الجلالين
27 - (الذين) نعت (ينقضون عهد الله) ما عهده إليهم في الكتب من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم (من بعد ميثاقه) توكيده عليهم (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) من الإيمان بالنبي والرحم وغير ذلك وأن بدل من ضمير به (ويفسدون في الأرض) بالمعاصي والتعويق عن الإيمان (أولئك) الموصوفون بما ذكر (هم الخاسرون) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم

تفسير القرطبي
فيه سبع مسائل: الأول: قوله تعالى:{الذين} الذين في موضع نصب على النعت للفاسقين، وإن شئت جعلته في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف، أي هم الذين.
وقد تقدم.
الثانية: قوله تعالى: {ينقضون عهد الله} النقض : إفساد ما أبرمته من بناء أو حبل أو عهد.
والنقاضة.
ما نقض من حبل الشعر.
والمناقضة في القول : أن تتكلم بما تناقض معناه.
والنقيضة في الشعر : ما ينقض به.
والنقض : المنقوض.
واختلف الناس في تعيين هذا العهد، فقيل : هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره.
وقيل : هو وصية الله تعالى إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسنة رسله، ونقضهم ذلك ترك العمل به.
وقيل : بل نصب الأدلة على وحدانيته بالسماوات والأرض وسائر الصنعة هو بمنزلة العهد، ونقضهم ترك النظر في ذلك.
وقيل : هو ما عهده إلى من أوتي الكتاب أن يبينوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يكتموا أمره.
فالآية على هذا في أهل الكتاب.
قال أبو إسحاق الزجاج : عهده جل وعز ما أخذه على النبيين ومن اتبعهم ألا يكفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ودليل ذلك {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} [آل عمران: 81 ].
إلى قوله تعالى{وأخذتم على ذلكم إصري} [آل عمران: 81 ].
أي عهدي.
قلت : وظاهر ما قبل وما بعد يدل على أنها في الكفار.
فهذه خمسة أقوال، والقول الثاني يجمعها.
الثالثة: قوله تعالى {من بعد ميثاقه} الميثاق : العهد المؤكد باليمين، مفعال من الوثاقة والمعاهدة، وهي الشدة في العقد والربط ونحوه.
والجمع المواثيق على الأصل، لأن أصل ميثاق موثاق، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها - والمياثق والمياثيق أيضا، وأنشد ابن الأعرابي : حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ** ولا نسأل الأقوام عهد المياثق والموثق : الميثاق.
والمواثقة : المعاهدة، ومنه قوله تعالى{وميثاقه الذي واثقكم به}.
الرابعة : قوله تعالى{ويقطعون} القطع معروف، والمصدر - في الرحم - القطيعة، يقال : قطع رحمه قطيعة فهو رجل قطَع وقطعة، مثال همزة.
وقطعت الحبل قطعا.
وقطعت النهر قطوعا.
وقطعت الطير قُطوعا وقُطاعا وقِطاعا إذا خرجت من بلد إلى بلد.
وأصاب الناس قطعة : إذا قلت مياههم.
ورجل به قطع : أي انبهار.
الخامسة: قوله تعالى {ما أمر الله به أن يوصل} {ما} في موضع نصب بـ {يقطعون}.
و{أن} إن شئت كانت بدلا من {ما} وإن شئت من الهاء في {به} وهو أحسن.
ويجوز أن يكون لئلا يوصل، أي كراهة أن يوصل.
واختلف ما الشيء الذي أمر بوصله؟ فقيل : صلة الأرحام.
وقيل : أمر أن يوصل القول بالعمل، فقطعوا بينهما بأن قالوا ولم يعملوا.
وقيل : أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه، فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب بعضهم.
وقيل : الإشارة إلى دين الله وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه وحفظ حدوده.
فهي عامة في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل.
هذا قول الجمهور، والرحم جزء من هذا.
السادسة: قوله تعالى{ويفسدون في الأرض} أي يعبدون غير الله تعالى ويجورون في الأفعال، إذ هي بحسب شهواتهم، وهذا غاية الفساد.
قوله{أولئك هم الخاسرون} ابتداء وخبر.
و{هم} زائدة، ويجوز أن تكون {هم} ابتداء ثان، {الخاسرون} خبره، والثاني وخبره خبر الأول كما تقدم.
والخاسر : الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز.
والخسران : النقصان، كان في ميزان أو غيره، قال جرير : إن سليطا في الخسار إنه ** أولاد قوم خلقوا أقنّه يعني بالخسار ما ينقص من حظوظهم وشرفهم.
قال الجوهري : وخسرت الشيء (بالفتح) وأخسرته نقصته.
والخسار والخسارة والخيسرى : الضلال والهلاك.
فقيل للهالك : خاسر، لأنه خسر نفسه وأهله يوم القيامة ومنع منزله من الجنة.
السابعة: في هذه الآية دليل على أن الوفاء بالعهد والتزامه وكل عهد جائز ألزمه المرء نفسه فلا يحل له نقضه سواء أكان بين مسلم أم غيره، لذم الله تعالى من نقض عهده.
وقد قال{أوفوا بالعقود} [المائدة: 1 ].
وقد قال لنبيه عليه السلام{وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال: 58 ].
فنهاه عن الغدر وذلك لا يكون إلا بنقض العهد على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.

تفسير ابن كثير قال السدي: لما ضرب اللّه هذين المثلين للمنافقين يعني قوله تعالى {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا}، وقوله: {أو كصيب من السماء} الآيات الثلاث قال المنافقون: اللّه أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل اللّه هذه الآية إلى قوله تعالى: {هم الخاسرون} ""ذكره السدي في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود""وقال قتادة: لما ذكر اللّه تعالى العنكبوت والذباب قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله: {إن اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها} أي أن الله لايستحيي من الحق أن يذكر شيئاً مما قلَّ أو كَثُر، وإن اللّه حين ذكر في كتابه الذباب العنكبوت قال أهل الضلالة: ما أراد اللّه من ذكر هذا؟ فأنزل اللّه: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}. ومعنى الآية أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي أي لا يستنكف، وقيل: لا يخشى أن يضرب مثلا ما، أيَ مثلٍ كان بأي شيء كان صغيرا كان أو كبيراً و ما ههنا للتقليل، وتكون بعوضة منصوبة على البدل، كما تقول: لأضربنَّ ضرباً ما، فيصدق بأدنى شيء أو تكون ما نكرة موصوفة ببعوضة، ويجوز أن تكون بعوضة منصوبة بحذف الجار، وتقدير الكلام: (إن اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بين بعوضة إلى ما فوقها) وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء. وقوله تعالى: {فما فوقها} فيه قولان: أحدهما: فما دونها في الصغر والحقارة، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك - يعني فيما وصفت - وهذا قول أكثر المحققين، وفي الحديث: (لو أن الدنيا تزن عند اللّه جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء) والثاني فما فوقها لما هو أكبر منها لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة وهذا قول قتادة بن دعامة واختيار بن جرير فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة( فأخبر أنه لا يستصغر شيئاً يضرب به مثلاً ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة، فكما لا يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بها، كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} وقال: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} وقال تعالى: {ضرب الله مثلا عبداً مملوكا لا يقدر على شيء} الآية، ثم قال: {ضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه، أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو من يأمر بالعدل}؟ الآية. وقال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالِمون} وفي القرآن أمثال كثيرة. قال بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لأن اللّه قال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالِمون}، قال قتادة: {أما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه من عند الله. وقال أبو العالية: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} يعني هذا المثل، {وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا} كما قال تعالى: {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو}، وكذلك قال ههنا: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين}. قال ابن عباس: يضل به كثيراً يعني به المنافقين ويهدي به كثيراً يعني به المؤمنين فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم، لتكذيبهم بما قد علموه حقاً يقيناً من المثل الذي ضربه اللّه، ويهدي به يعني المثل كثيراً من أهل الإيمان والتصديق فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيماناً إلى إيمانهم، {وما يضل به إلا الفاسقين}، قال أبو العالية: هم أهل النفاق، وقال مجاهد عن ابن عباس {وما يضل به إلا الفاسقين} قال: يعرفه الكافرون فيكفرون به. وقال قتادة {وما يضل به إلا الفاسقين} فسقوا فأضلهم اللّه على فسقهم. والفاسقُ في اللغة: هو الخارج عن الطاعة. تقول العرب: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، ولهذا يقال للفأرة فويسقة لخروجها عن جحرها للفساد. وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغرابُ والحدأةُ والعقرب والفأرة والكلب العقور) فالفاسق يشمل الكافر والعاصي، ولكن فسق الكافر أشد وأفحش، والمراد به من الآية الفاسقُ الكافر والله أعلم، بدليل أنه وصفهم بقوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}، وهذه الصفات صفات الكفار المباينة لصفات المؤمنين، كما قال تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى؟ إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} الآيات، إلى أن قال: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه، فقال بعضهم هو وصية اللّه إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسله، ونقضُهم ذلك هو تركهم العمل به. وقال آخرون: بل هي في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم، وعهد الله الذي نقضوه هو ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها واتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم إذا بعث، والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم، ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته وإنكارهم ذلك، وكتمانهم علم ذلك عن الناس، وهذا اختيار ابن جرير رحمه اللّه وهو قول مقاتل بن حيان. وقال آخرون: بل عنى بهذه الآية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق، وعهدُه جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلة على ربوبيته، وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثله، الشاهد لهم على صدقهم. قالوا: ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق. وروي عن مقاتل بن حيان أيضاً نحو هذا وهو حسن وإليه مال الزمخشري. فإنه قال: فإن قلت فما المراد بعهد اللّه؟ قلت ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحد كأنه أمر وصّاهم به ووثَّقه عليهم، وهو معنى قوله تعالى: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}، إذ أخذ الميثاق عليهم من الكتب المنزلة عليهم كقوله: {أوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم} وقال آخرون: العهد الذي ذكر تعالى هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصف في قوله: {وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا} الآيتين. ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به وهكذا روي عن مقاتل بن حيان أيضاً. حكى هذه الأقوال ابن جرير في تفسيره وقال السدي في تفسيره بإسناده قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} قال: ما عهد إليهم من القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه. وقوله: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} قيل: المراد به صلة الأرحام والقرابات كما فسر قتادة، كقوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} ورجحه ابن جرير. وقيل: المراد أعم من ذلك، فكل ما أمر الله بوصله وفعله فقطعوه وتركوه. وقال مقاتل: {أولئك هم الخاسرون} قال في الآخرة، وهذا كما قال تعالى: {أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} وقال ابن عباس: كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم، مثل خاسر، فإنما يعني به الكفر. وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذنب. وقال ابن جرير في قوله تعالى: {أولئك هم الخاسرون}: الخاسرون جمع خاسر وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته كما يخسر الرجل في تجارته، بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، وكذلك المنافق والكافر خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি