نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النور آية 55
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

التفسير الميسر وعد الله بالنصر الذين آمنوا منكم وعملوا الأعمال الصالحة، بأن يورثهم أرض المشركين، ويجعلهم خلفاء فيها، مثلما فعل مع أسلافهم من المؤمنين بالله ورسله، وأن يجعل دينهم الذي ارتضاه لهم- وهو الإسلام- دينًا عزيزًا مكينًا، وأن يبدل حالهم من الخوف إلى الأمن، إذا عبدوا الله وحده، واستقاموا على طاعته، ولم يشركوا معه شيئًا، ومن كفر بعد ذلك الاستخلاف والأمن والتمكين والسلطنة التامة، وجحد نِعَم الله، فأولئك هم الخارجون عن طاعة الله.

تفسير الجلالين
55 - (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) بدلا من الكفار (كما استخلف) بالبناء للفاعل والمفعول (الذين من قبلهم) من بني إسرائيل بدلا من الجبابرة (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) وهو الإسلام بأن يظهره على جميع الأديان ويوسع لهم في البلاد فيملكوها (وليبدلنهم) بالتخفيف والتشديد (من بعد خوفهم) من الكفار (أمنا) وقد أنجز الله وعده لهم بما ذكر وأنثى عليهم بقوله (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) هو مستأنف في حكم التعليل (ومن كفر بعد ذلك) الإنعام منهم به (فأولئك هم الفاسقون) وأول من كفر به قتلة عثمان رضي الله عنه فصاروا يقتتلون بعد أن كانوا إخوانا

تفسير القرطبي
نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ قاله مالك.
وقيل : إن سبب هذه الآية أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكا جهد مكافحة العدو، وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم، وأنهم لا يضعون أسلحتهم؛ فنزلت الآية.
وقال أبو العالية : مكث رسول صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفا هو وأصحابه، يدعون إلى الله سرا وجهرا، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة، وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح.
فقال رجل : يا رسول الله، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال عليه السلام : (لا تلبثون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليس عليه حديدة).
ونزلت هذه الآية، وأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا.
قال النحاس : فكان في هذه الآية دلالة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جل وعز أنجز ذلك الوعد.
قال الضحاك في كتاب النقاش : هذه تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لأنهم أهل الإيمان وعملوا الصالحات.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الخلافة بعدي ثلاثون).
وإلى هذا القول ذهب ابن العربي في أحكامه، واختاره وقال : قال علماؤنا هذه الآية دليل على خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وأن الله استخلفهم ورضي أمانتهم، وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم، لأنهم لم يتقدمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا، فاستقر الأمر لهم، وقاموا بسياسة المسلمين، وذبوا عن حوزة الدين؛ فنفذ الوعد فيهم، وإذا لم يكن هذا الوعد لهم نجز، وفيهم نفذ، وعليهم ورد، ففيمن يكون إذا، وليس بعدهم مثلهم إلى يومنا هذا، ولا يكون فيما بعده.
رضي الله عنهم.
وحكى هذا القول القشيري عن ابن عباس.
واحتجوا بما رواه سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا).
قال سفينة : أمسك عليك خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشرا، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي ستا.
وقال قوم : هذا وعد لجميع الأمة في ملك الأرض كلها تحت كلمة الإسلام؛ كما قال عليه الصلاة والسلام : (زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها).
واختار هذا القول ابن عطية في تفسيره حيث قال : والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور، واستخلافهم هو أن يملكهم البلاد ويجعلهم أهلها؛ كالذي جرى في الشام والعراق وخراسان والمغرب.
قال ابن العربي : قلنا لهم هذا وعد عام في النبوة والخلافة وإقامة الدعوة وعموم الشريعة، فنفذ الوعد في كل أحد بقدره وعلى حاله؛ حتى في المفتين والقضاة والأئمة، وليس للخلافة محل تنفذ فيه الموعدة الكريمة إلا من تقدم من الخلفاء.
ثم ذكر اعتراضا وانفصالا معناه : فإن قيل هذا الأمر لا يصح إلا في أبي بكر وحده، فأما عمر وعثمان فقتلا غيلة، وعلي قد نوزع في الخلافة.
قلنا : ليس في ضمن الأمن السلامة من الموت بأي وجه كان، وأما علي فلم يكن نزاله في الحرب مذهبا للأمن، وليس من شرط الأمن رفع الحرب إنما شرطه ملك الإنسان لنفسه باختياره، لا كما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة.
ثم قال في آخر كلامه : وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين، وكانوا مطلوبين فصاروا طالبين؛ فهذا نهاية الأمن والعز.
قلت : هذه الحال لم تختص بالخلفاء الأربعة رضي الله عنهم حتى يخصوا بها من عموم الآية، بل شاركهم في ذلك جميع المهاجرين بل وغيرهم.
ألا ترى إلى إغزاء قريش المسلمين في أحد وغيرها وخاصة الخندق، حتى أخبر الله تعالى عن جميعهم فقال {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا.
هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}[الأحزاب: 10 : 11] .
ثم إن الله رد الكافرين لم ينالوا خيرا، وأمن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وهو المراد بقوله {ليستخلفنهم في الأرض}.
وقوله {كما استخلف الذين من قبلهم} يعني بني إسرائيل، إذ أهلك الله الجبابرة بمصر، وأورثهم أرضهم وديارهم فقال {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها} [الأعراف: 137] .
وهكذا كان الصحابة مستضعفين خائفين، ثم إن الله تعالى أمنهم ومكنهم وملكهم، فصح أن الآية عامة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غير مخصوصة؛ إذ التخصيص لا يكون إلا بخبر ممن يجب له التسليم، ومن الأصل المعلوم التمسك بالعموم.
وجاء في معنى تبديل خوفهم بالأمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال أصحابه : أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال عليه السلام : (لا تلبثون إلا قليلا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليس عليه حديدة).
وقال صلى الله عليه وسلم : (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
خرجه مسلم في صحيحه؛ فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
فالآية معجزة النبوة؛ لأنها إخبار عما سيكون فكان.
قوله {ليستخلفنهم في الأرض}فيه قولان : أحدهما : يعني أرض مكة؛ لأن المهاجرين سألوا الله تعالى ذلك فوعدوا كما وعدت بنو إسرائيل؛ قال معناه النقاش.
الثاني : بلاد العرب والعجم.
قال ابن العربي : وهو الصحيح؛ لأن أرض مكة محرمة على المهاجرين، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لكن البائس سعد بن خولة).
يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة.
وقال في الصحيح أيضا : (يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا).
واللام في {ليستخلفهم} جواب قسم مضمر؛ لأن الوعد قول، مجازها : قال الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات والله ليستخلفنهم في الأرض فيجعلهم ملوكها وسكانها.
{كما استخلف الذين من قبلهم} يعني بني إسرائيل، أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم.
وقراءة العامة {كما استخلف} بفتح التاء واللام؛ لقوله {وعد}.
وقوله {ليستخلفنهم}.
وقرأ عيسى بن عمر وأبو بكر والمفضل عن عاصم {استخلف} بضم التاء وكسر اللام على الفعل المجهول.
{وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} وهو الإسلام؛ كما قال {ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] وقد تقدم.
وروي سليم بن عامر عن المقداد بن الأسود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ما على ظهر الأرض بيت حجر ولا مدر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل أما بعزهم فيجعلهم من أهلها وأما بذلهم فيدينون بها).
ذكره الماوردي حجة لمن قال : إن المراد بالأرض بلاد العرب والعجم؛ وهو القول الثاني : على ما تقدم آنفا.
{وليبدلنهم} قرأ ابن محيصن وابن كثير ويعقوب وأبو بكر بالتخفيف؛ من أبدل، وهي قراءة الحسن، واختيار أبي حاتم.
الباقون بالتشديد؛ من بدل، وهي اختيار أبي عبيد؛ لأنها أكثر ما في القرآن، قال الله {لا تبديل لكلمات الله } [يونس: 64] .
وقال {وإذا بدلنا آية} [النحل: 101] ونحوه، وهما لغتان.
قال النحاس : وحكى محمد بن الجهم عن الفراء قال : قرأ عاصم والأعمش {وليبدلنهم} مشددة، وهذا غلط على عاصم؛ وقد ذكر بعده غلطا أشد منه، وهو أنه حكى عن سائر الناس التخفيف.
قال النحاس : وزعم أحمد بن يحيى أن بين التثقيل والتخفيف فرقا، وأنه يقال : بدلته أي غيرته، وأبدلته أزلته وجعلت غيره.
قال النحاس : وهذا القول صحيح؛ كما تقول : أبدل لي هذا الدرهم، أي أزله وأعطني غيره.
وتقول : قد بدلت بعدنا، أي غيرت؛ غير أنه قد يستعمل أحدهما موضع الآخر؛ والذي ذكره أكثر.
وقد مضى هذا في - النساء -والحمد لله، وذكرنا في سورة - إبراهيم - الدليل من السنة على أن بدل معناه إزالة العين؛ فتأمله هناك.
وقرئ {عسى ربنا أن يبدلنا} [القلم: 32] مخففا ومثقلا.
{يعبدونني} هو في موضع الحال؛ أي في حال عبادتهم الله بالإخلاص.
ويجوز أن يكون استئنافا على طريق الثناء عليهم.
{لا يشركون بي شيئا} فيه أربعة أقوال : أحدها، لا يعبدون إلها غيري؛ حكاه النقاش.
الثاني، لا يراؤون بعبادتي أحدا.
الثالث، لا يخافون غيري؛ قاله ابن عباس.
الرابع، لا يحبون غيري؛ قال مجاهد.
{ومن كفر بعد ذلك} أي بهذه النعم.
والمراد كفران النعمة؛ لأنه قال {فأولئك هم الفاسقون} والكافر بالله فاسق بعد هذا الإنعام وقبله.

تفسير ابن كثير هذا وعد من اللّه تعالى لرسوله صلوات اللّه وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم، وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة، فإنه صلى اللّه عليه وسلم لم يمت حتى فتح اللّه عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر المقوقس، وملوك عمان، والنجاشي ملك الحبشة، ثم قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق، فبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد رضي اللّه عنه، ففتحوا طرفاً منها، وقتلوا خلقاً من أهلها، وجيشاً آخر صحبه أبو عبيدة رضي اللّه عنه إلى أرض الشام، وثالثاً صحبه عمرو بن العاص رضي اللّه عنه إلى بلاد مصر، ففتح اللّه للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق، وتوفاه اللّه عزَّ وجلَّ واختار له ما عنده من الكرامة، ومنَّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق، فقام بالأمر بعده قياماً تاماً لم يدر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله؛ وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها وأكثر إقليم فارس، وكسر كسرى، وأهانه غاية الهوان، وكسر قيصر وانتزع يده عن بلاد الشام وانحدر إلى القسطنطينية، وأنفق أموالهما في سبيل اللّه، كما أخبر بذلك ووعد به رسول اللّه عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة. ثم لما كانت الدولة العثمانية امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص، وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى، وباد ملكه بالكلية، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز، وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جداً، وخذل اللّه ملكهم الأعظم خاقان، وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن؛ ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن اللّه زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها) فها نحن نتقلب فيما وعدنا اللّه ورسوله، وصدق اللّه ورسوله، فنسأل اللّه الإيمان به وبرسوله، والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا. روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً) ثم تكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم بكلمة خفيت عني، فسألت أبي ماذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقال، قال: (كلهم من قريش)، وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادلاً، وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر، فإن كثيراً من أولئك لم يكن لهم من الأمر شيء؛ فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش يلون فيعدلون، وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدمة، ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعاً ومتفرقاً؛ وقد وجد منهم أربعة على الولاء وهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي اللّه عنهم، ثم كانت بعدهم فترة؛ ثم وجد منهم من شاء اللّه، ثم قد يوجد منهم من بقي في الوقت الذي يعلمه اللّه تعالى؛ ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكنيته كنيته، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، وقد روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً) ""أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي"". وقال أبو العالية في قوله: {وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} الآية، قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بمكة نحواً من عشر سنين يدعون إلى اللّه وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له سراً، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال، حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموها، فأمرهم اللّه بالقتال، فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ما شاء اللّه، ثم إن رجلاً من الصحابة قال: يا رسول اللّه أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لن تصبروا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليست فيه حديدة) وأنزل اللّه هذه الآية، فأظهر اللّه نبيه على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا السلاح، ثم إن اللّه تعالى قبض نبيه صلى اللّه عليه وسلم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه، فأدخل عليهم الخوف، فاتخذوا الحجزة والشرط وغيَّروا فغيَّرَ بهم، وقال البراء بن عازب: نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد، وهذه الآية الكريمة، كقوله تعالى: {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض} الآية، وقوله تعالى: {كما استخلف الذين من قبلهم} كما قال تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض} الآية، وقال تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} الآيتين. وقوله تعالى: {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} الآية، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه: (أتعرف الحيرة؟) قال: لم أعرفها، ولكن قد سمعت بها، قال: (فوالذي نفسي بيده ليتمن اللّه هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز) قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: (نعم كسرى بن هرمز، وليبذلنّ المال حتى لا يقبله أحد) قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد قالها، وقال الإمام أحمد عن أبي بن كعب قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (بشِّرْ هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب)، وقوله تعالى: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا}، وفي الحديث: (يا معاذ بن جبل) قلت: لبيك يا رسول اللّه وسعديك، قال: (هل تدري ما حق اللّه على العباد؟) قلت: اللّه ورسوله أعلم، قال: (حق اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) ""الحديث من رواية الشيخين عن معاذ بن جبل""، وقوله تعالى: {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} أي فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك، فلما خرج عن أمر ربه وكفى بذلك ذنباً عظيماً، فالصحابة رضي اللّه عنهم لما كانوا أقوم الناس بأوامر اللّه عزَّ وجلَّ، وأطوعهم للّه كان نصرهم بحسبهم، أظهروا كلمة اللّه في المشارق والمغارب، وأيدهم تأييداً عظيماً، وحكموا سائر العباد والبلاد، ولما قصّر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهروهم بحسبهم، ولكن قد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة - وفي رواية حتى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك) ""وفي رواية (حتى يقاتلوا الدجال) وفي رواية (حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون) وكلها صحيحة ولا تعارض بينها"".

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি