نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النور آية 8
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ

التفسير الميسر وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزنى، وهي الرجم حتى الموت، ولا يدفع عنها هذه العقوبة إلا أن تشهد في مقابل شهادته أربع شهادات بالله إنه لكاذب في اتهامه لها بالزنى، وتزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسها باستحقاقها غضب الله، إن كان زوجها صادقًا فى اتهامه لها، وفي هذه الحال يفرق بينهما.

تفسير الجلالين
8 - (ويدرأ) يدفع (عنها العذاب) حد الزنا الذي ثبت بشهادته (أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) فيما رماها به من الزنا

تفسير القرطبي
فيه ثلاثون مسألة: الأولى:قوله {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}{أنفسهم}بالرفع على البدل.
ويجوز النصب على الاستثناء، وعلى خبر {يكن}.
{فشهادة أحدهم أربع شهادات}بالرفع قراءة الكوفيين على الابتداء والخبر؛ أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو {أربع}بالنصب؛ لأن معنى {فشهادة}أن يشهد؛ والتقدير : فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فالأمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات؛ ولا خلاف في الثاني أنه منصوب بالشهادة.
{والخامسة}رفع بالابتداء.
والخبر {أن}وصلتها؛ ومعنى المخففة كمعنى المثقلة لأن معناها أنه.
وقرأ أبو عبدالرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص {والخامسة}بالنصب، بمعنى وتشهد الشهادة الخامسة.
الباقون بالرفع على الابتداء، والخبر في {أن لعنة الله عليه}؛ أي والشهادة الخامسة قول لعنة الله عليه.
الثانية: في سبب نزولها، وهو ما رواه أبو داود عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (البينة أو حد في ظهرك) قال : يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (البينة وإلا حد في ظهرك) فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد؛ فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}فقرأ حتى بلغ {من الصادقين }الحديث بكماله.
وقيل : لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الأزواج وغيرهم قال سعد بن معاذ : يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني).
وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة، هذا نحو معناها.
ثم جاء من بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك بن سحماء البلوي على ما ذكرنا، وعزم النبي صلى الله عليه وسلم على ضربه حد القذف؛ فنزلت هذه الآية عند ذلك، فجمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وتلاعنا، فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت وقيل إنها موجبة؛ ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم؛ فالتعنت وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وولدت غلاما كأنه جمل أورق - على النعت المكروه - ثم كان الغلام بعد ذلك أميرا بمصر، وهو لا يعرف لنفسه أبا.
وجاء أيضا عويمر العجلاني فرمى امرأته ولاعن.
والمشهور أن نازلة هلال كانت قبل، وأنها سبب الآية.
وقيل : نازلة عويمر بن أشقر كانت قبل؛ وهو حديث صحيح مشهور خرجه الأئمة قال أبو عبدالله بن أبي صفرة : الصحيح أن القاذف لزوجه عويمر، وهلال بن أمية خطأ.
قال الطبري يستنكر قوله في الحديث هلال بن أمية : وإنما القاذف عويمر بن زيد بن الجد بن العجلاني، شهد أحدا مع النبي صلى الله عليه وسلم، رماها بشريك بن السحماء، والسحماء أمه؛ قيل لها ذلك لسوادها، وهو ابن عبدة بن الجد بن العجلاني؛ كذلك كان يقول أهل الأخبار.
وقيل : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الناس في الخطبة يوم الجمعة {والذين يرمون المحصنات}فقال عاصم بن عدي الأنصاري : جعلني الله فداك لو أن رجلا منا وجد على بطن امرأته رجلا؛ فتكلم فأخبر بما جرى جلد ثمانين، وسماه المسلمون فاسقا فلا تقبل شهادته؛ فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء، وإلى أن يلتمس أربعة شهود فقد فرغ الرجل من حاجته فقال عليه السلام : (كذلك أنزلت يا عاصم بن عدي).
فخرج عاصم سامعا مطيعا؛ فاستقبله هلال بن أمية يسترجع؛ فقال : ما وراءك؟ فقال : شر وجدت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة يزني بها؛ وخولة هذه بنت عاصم بن عدي، كذا في هذا الطريق أن الذي وجد مع امرأته شريكا هو هلال بن أمية، والصحيح خلافه حسبما تقدم بيانه.
قال الكلبي : والأظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكا عويمر العجلاني؛ لكثرة ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته.
واتفقوا على أن هذا الزاني هو شريك بن عبدة وأمه السحماء، وكان عويمر وخولة بنت قيس وشريك بني عم عاصم، وكانت هذه القصة في شعبان سنة تسع من الهجرة، منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة؛ قال الطبري.
و""روى الدارقطني عن عبدالله بن جعفر"" قال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته، مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، وأنكر حملها الذي في بطنها وقال هو لابن السحماء؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هات امرأتك فقد نزل القرآن فيكما)؛ فلاعن بينهما بعد العصر عند المنبر على خمل.
في طريقه الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس قال : سمعت عبدالله بن جعفر يقول.
.
.
.
.
.
فذكره.
الثالثة: قوله {والذين يرمون أزواجهم}عام في كل رمي، سواء قال : زنيت أو يا زانية أو رأيتها تزني، أو هذا الولد ليس مني؛ فإن الآية مشتملة عليه.
ويجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء؛ وهذا قول جمهور العلماء وعامة الفقهاء وجماعة أهل الحديث.
وقد روي عن مالك مثل ذلك.
وكان مالك يقول : لا يلاعن إلا أن يقول : رأيتك تزني؛ أو ينفي حملا أو ولدا منها.
وقول أبي الزناد ويحيى بن سعيد والبتي مثل قول مالك : إن الملاعنة لا تجب بالقذف وإنما تجب بالرؤية أو نفي الحمل مع دعوى الاستبراء؛ هذا هو المشهور عند مالك، وقاله ابن القاسم.
والصحيح.
الأول لعموم قوله {والذين يرمون أزواجهم}.
قال ابن العربي : وظاهر القرآن يكفي لإيجاب اللعان بمجرد القذف من غير رؤية؛ فلتعولوا عليه، لا سيما وفي الحديث الصحيح : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (فاذهب فأت بها) ولم يكلفه ذكر الرؤية.
وأجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته.
ولو كانت الرؤية من شرط اللعان ما لاعن الأعمى؛ قاله ابن عمر رضي الله عنهم.
وقد ذكر ابن القصار عن مالك أن لعان الأعمى لا يصح إلا أن يقول : لمست فرجه في فرجها.
والحجة لمالك ومن اتبعه ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا، فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه؛ فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}الآية؛ وذكر الحديث.
وهو نص على أن الملاعنة التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت في الرؤية، فلا يجب أن يتعدى ذلك.
ومن قذف امرأته ولم يذكر رؤية حد؛ لعموم قوله {والذين يرون المحصنات}.
الرابعة: إذا نفى الحمل فإنه يلتعن؛ لأنه أقوى من الرؤية ولا بد من ذكر عدم الوطء والاستبراء بعده.
واختلف علماؤنا في الاستبراء؛ فقال المغيرة ومالك أحد قوليهما : يجزى في ذلك حيضة.
وقال مالك أيضا : لا ينفيه إلا بثلاث حيض.
والصحيح الأول؛ لأن براءة الرحم من الشغل يقع بها كما في استبراء الأمة، وإنما راعينا الثلاث حيض في العدد لحكم آخر يأتي بيانه في الطلاق إن شاء الله تعالى.
وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة : لا يُنفى الولد بالاستبراء؛ لأن الحيض يأتي على الحمل.
وبه قال أشهب في كتاب ابن المواز، وقاله المغيرة.
وقال : لا ينفى الولد إلا بخمس سنين لأنه أكثر مدة الحمل على ما تقدم.
الخامسة: اللعان عندنا يكون في كل زوجين حرين كانا أو عبدين، مؤمنين أو كافرين، فاسقين أو عدلين.
وبه قال الشافعي.
ولا لعان بين الرجل وأمته، ولا بينه وبين أم ولده.
وقيل : لا ينتفي ولد الأمة عنه إلا بيمين واحدة؛ بخلاف اللعان.
وقد قيل : إنه إذا نفى ولد أم الولد لاعن.
والأول تحصيل مذهب مالك وهو الصواب.
وقال أبو حنيفة : لا يصح اللعان إلا من زوجين حرين مسلمين؛ وذلك لأن اللعان عنده شهادة، وعندنا وعند الشافعي يمين، فكل من صحت يمينه صح قذفه ولعانه.
واتفقوا على أنه لا بد أن يكونا مكلفين.
وفي قوله {وجد مع امرأته رجلا}.
دليل على أن الملاعنة تجب على كل زوجين؛ لأنه لم يخص رجلا من رجل ولا امرأه من امرأة، ونزلت آية اللعان على هذا الجواب فقال {والذين يرمون أزواجهم}ولم يخص زوجا من زوج.
وإلى هذا ذهب مالك وأهل المدينة؛ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور.
وأيضا فإن اللعان يوجب فسخ النكاح فأشبه الطلاق؛ فكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه.
واللعان أيمان لا شهادات؛ قال الله تعالى وهو أصدق القائلين {لشهادتنا أحق من شهادتهما} [النساء: 107] أي أيماننا.
وقال {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله } [المنافقون:1].
ثم قال {اتخذوا أيمانهم جنة}[المجادلة: 16].
وقال عليه السلام : (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن).
وأما ما احتج به الثوري وأبو حنيفة فهي حجج لا تقوم على ساق؛ منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والأمة لعان وليس بين الحرة والعبد لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان وليس بين المسلم والنصرانية لعان).
أخرجه الدارقطني من طرق ضعفها كلها.
وروي عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
واحتجوا من جهة النظر أن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقول{ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}وجب ألا يلاعن إلا من تجوز شهادته.
وأيضا فلو كانت يمينا ما ردت، والحكمة في ترديدها قيامها في الأعداد مقام الشهود في الزنى.
قلنا : هذا يبطل بيمين القسامة فإنها تكرر وليست بشهادة إجماعا؛ والحكمة في تكرارها التغليظ في الفروج والدماء.
قال ابن العربي : والفيصل في أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب، وكيف يجوز لأحد أن يدعي في الشريعة أن شاهدا يشهد لنفسه بما يوجب حكما على غيره هذا بعيد في الأصل معدوم في النظر.
السادسة: واختلف العلماء في ملاعنة الأخرس؛ فقال مالك والشافعي : يلاعن؛ لأنه ممن يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه، إذا فهم ذلك عنه.
وقال أبو حنيفة : لا يلاعن؛ لأنه ليس من أهل الشهادة، ولأنه قد ينطق بلسانه فينكر اللعان، فلا يمكننا إقامة الحد عليه.
وقد تقدم هذا المعنى في سورة [مريم] والدليل عليه، والحمد لله.
السابعة: قال ابن العربي : رأى أبو حنيفة عموم الآية فقال : إن الرجل إذا قذف زوجته بالزنى قبل أن يتزوجها فإنه يلاعن؛ ونسي أن ذلك قد تضمنه قوله {والذين يرمون المحصنات}وهذا رماها محصنة غير زوجة؛ وإنما يكون اللعان في قذف يلحق فيه النسب، وهذا قذف لا يلحق فيه نسب فلا يوجب لعانا، كما لو قذف أجنبية.
الثامنة: إذا قذفها بعد الطلاق نظرت؛ فإن كان هنالك نسب يريد أن ينفيه أو حمل يتبرأ منه لاعن وإلا لم يلاعن.
وقال عثمان البتي : لا يلاعن بحال لأنها ليست بزوجة.
وقال أبو حنيفة : لا يلاعن في الوجهين؛ لأنها ليست بزوجة.
وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفا، بل هذا أولى؛ لأن النكاح قد تقدم وهو يري الانتفاء من النسب وتبرئته من ولد يلحق به فلا بد من اللعان.
وإذا لم يكن هنالك حمل يرجى ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به وكان قذفا مطلقا داخلا تحت عموم قوله {والذين يرمون المحصنات}الآية، فوجب عليه الحد وبطل ما قال البتي لظهور فساده.
التاسعة: لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون الرجل غائبا فتأتي امرأته بولد في مغيبه وهو لا يعلم فيطلقها فتنقضي عدتها، ثم يقدم فينفيه فله أن يلاعنها ها هنا بعد العدة.
وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفي الولد لاعن لنفسه وهي ميتة بعد مدة من العدة، ويرثها لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما.
العاشرة: إذا انتفى من الحمل ووقع ذلك بشرطه لاعن قبل الوضع؛ وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة : لا يلاعن إلا بعد أن تضع، لأنه يحتمل أن يكون ريحا أو داء من الأدواء.
ودليلنا النص الصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن قبل الوضع، وقال : (إن جاءت به كذا فهو لأبيه وإن جاءت به كذا فهو لفلان) فجاءت به على النعت المكروه.
الحادية عشرة: إذا قذف بالوطء في الدبر [لزوجه] لاعن.
وقال أبو حنيفة : لا يلاعن؛ وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد.
وهذا فاسد؛ لأن الرمي به فيه معرة وقد دخل تحت عموم قوله {والذين يرمون أزواجهم}وقد تقدم في الأعراف والمؤمنون أنه يجب به الحد.
الثانية عشرة: قال ابن العربي : من غريب أمر هذا الرجل أنه قال إذا قذف زوجته وأمها بالزنى : إنه إن حد للأم سقط حد البنت، وإن لاعن للبنت لم يسقط حد الأم؛ وهذا لا وجه له، وما رأيت لهم فيه شيئا يحكى، وهذا باطل جدا؛ فإنه خص عموم الآية في البنت وهي زوجة بحد الأم من غير أثر ولا أصل قاسه عليه.
الثالثة عشرة: إذا قذف زوجته ثم زنت قبل التعانه فلا حد ولا لعان.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم.
وقال الثوري والمزني : لا يسقط الحد عن القاذف، وزنى المقذوف بعد أن قذف لا يقدح في حصانته المتقدمة ولا يرفعها؛ لأن الاعتبار الحصانة والعفة في حال القذف لا بعده.
كما لو قذف مسلما فارتد المقذوف بعد القذف وقبل أن يحد القاذف لم يسقط الحد عنه.
وأيضا فإن الحدود كلها معتبرة بوقت الوجوب لا وقت الإقامة.
ودليلنا هو أنه قد ظهر قبل استيفاء اللعان والحد معنى لو كان موجودا في الابتداء منع صحة اللعان ووجوب الحد فكذلك إذا طرأ في الثاني؛ كما إذا شهد شاهدان ظاهرهما العدالة فلم يحكم الحاكم بشهادتهما حتى ظهر فسقهما بأن زنيا أو شربا خمرا فلم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهما تلك.
وأيضا فإن الحكم بالعفة والإحصان يؤخذ من طريق الظاهر لا من حيث القطع واليقين، وقد قال عليه السلام : (ظهر المؤمن حمى)؛ فلا يحد القاذف إلا بدليل قاطع، وبالله التوفيق.
الرابعة عشرة: من قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا؛ هو لدفع الحد، وهي لدرء العذاب.
فإن كانت صغيرة لا تحمل لاعن هو لدفع الحد ولم تلاعن هي لأنها لو أقرت لم يلزمها شيء.
وقال ابن الماجشون : لا حد على قاذف من لم تبلغ.
قال اللخمي : فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل.
الخامسة عشرة: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها فإن الزوج يلاعن وتحد الشهود الثلاثة؛ وهو أحد قولي الشافعي.
والقول الثاني أنهم لا يحدون.
وقال أبو حنيفة : إذا شهد الزوج والثلاثة ابتداء قبلت شهادتهم وحدت المرأة.
ودليلنا قوله {والذين يرمون المحصنات}الآية.
فأخبر أن من قذف محصنا ولم يأت بأربعة شهداء حد؛ فظاهره يقتضي أن يأتي بأربعة شهداء سوى الرامي، والزوج رام لزوجته فخرج عن أن يكون أحد الشهود، والله أعلم.
السادسة عشرة: إذا ظهر بامرأته حمل فترك أن ينفيه لم يكن له نفيه بعد سكوته.
وقال شريح ومجاهد : له أن ينفيه أبدا.
وهذا خطأ؛ لأن سكوته بعد العلم به رضى به؛ كما لو أقر به ثم ينفيه فإنه لا يقبل منه، والله أعلم.
السابعة عشرة: فإن أخر ذلك إلى أن وضعت وقال : رجوت أن يكون ريحا يفش أو تسقطه فأستريح من القذف؛ فهل لنفيه بعد وضعه مدة ما فإذا تجاوزها لم يكن له ذلك؛ فقد اختلف في ذلك، فنحن نقول : إذا لم يكن له عذر في سكوته حتى مضت ثلاثة أيام فهو راض به ليس له نفيه؛ وبهذا قال الشافعي.
وقال أيضا : متى أمكنه نفيه على ما جرت به العادة تمكنه من الحاكم فلم يفعل لم يكن له نفيه من بعد ذلك.
وقال أبو حنيفة : لا أعتبر مدة.
وقال أبو يوسف ومحمد : يعتبر فيه أربعون يوما، مدة النفاس.
قال ابن القصار : والدليل لقولنا هو أن نفي ولده محرم عليه، واستلحاق ولد ليس منه محرم عليه، فلا بد أن يوسع عليه لكي ينظر فيه ويفكر، هل يجوز له نفيه أو لا.
وإنما جعلنا الحد ثلاثة لأنه أول حد الكثرة وآخر حد القلة، وقد جعلت ثلاثة أيام يختبر بها حال المصراة؛ فكذلك ينبغي أن يكون هنا.
وأما أبو يوسف ومحمد فليس اعتبارهم بأولى من اعتبار مدة الولادة والرضاع؛ إذ لا شاهد لهم في الشريعة، وقد ذكرنا نحن شاهدا في الشريعة من مدة المصراة.
الثامنة عشرة: قال ابن القصار : إذا قالت امرأة لزوجها أو لأجنبي يا زانيه - بالهاء - وكذلك الأجنبي لأجنبي، فلست أعرف فيه نصا لأصحابنا، ولكنه عندي يكون قذفا وعلى قائله الحد، وقد زاد حرفا، وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يكون قذفا.
واتفقوا أنه إذا قال لامرأته يا زان أنه قذف.
والدليل على أنه يكون في الرجل قذفا هو أن الخطاب إذا فهم منه معناه ثبت حكمه، سواء كان بلفظ أعجمي أو عربي.
ألا ترى أنه إذا قال للمرأة زنيت بفتح التاء كان قذفا؛ لأن معناه يفهم منه، ولأبي حنيفة وأبي يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب المذكر لقوله {وقال نسوة}صلح أن يكون قول يا زان للمؤنث قذفا.
ولما لم يجز أن يؤنث فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم، والله أعلم.
التاسعةعشرة: يلاعن في النكاح الفاسد زوجته لأنها صارت فراشا ويلحق النسب فيه فجرى اللعان عليه.
الموفية عشرين: اختلفوا في الزوج إذا أبى من الالتعان؛ فقال أبو حنيفة : لا حد عليه؛ لأن الله تعالى جعل على الأجنبي الحد وعلى الزوج اللعان، فلما لم ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج، ويسجن أبدا حتى يلاعن لأن الحدود لا تؤخر قياسا.
وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء : إن لم يلتعن الزوج حد؛ لأن اللعان له براءة كالشهود للأجنبي، فإن لم يأت الأجنبي بأربعة شهداء حد، فكذلك الزوج إن لم يلتعن.
وفي حديث العجلاني ما يدل على هذا؛ لقوله : إن سكت سكت على غيظ وإن قتلتُ قُتلت وإن نطقتُ جُلدت.
الحادية والعشرون: واختلفوا أيضا هل للزوج أن يلاعن مع شهوده؛ فقال مالك والشافعي : يلاعن كان له شهود أو لم يكن؛ لأن الشهود ليس لهم عمل في غير درء الحد، وأما رفع الفراش ونفي الولد فلا بد فيه من اللعان.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : إنما جعل اللعان للزوج إذا لم يكن له شهود غير نفسه؛ لقوله {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}.
الثانية والعشرون: البداءة في اللعان بما بدأ الله به، وهو الزوج؛ وفائدته درء الحد عنه ونفي النسب منه؛ لقوله عليه السلام : (البينة وإلا حد في ظهرك).
ولو بدئ بالمرأة قبله لم يجز لأنه عكس ما رتبه الله تعالى.
وقال أبو حنيفة : يجزى.
وهذا باطل؛ لأنه خلاف القرآن، وليس له أصل يرده إليه ولا معنى يقوى به، بل المعنى لنا؛ لأن المرأة إذا بدأت باللعان فتنفي ما لم يثبت وهذا لا وجه له.
الثالثة والعشرون: وكيفية اللعان أن يقول الحاكم للملاعن : قل أشهد بالله لرأيتها تزني ورأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة وما وطئتها بعد رؤيتي.
وإن شئت فلت : لقد زنت وما وطئتها بعد زناها.
يردد ما شاء من هذين اللفظين أربع مرات، فإن نكل عن هذه الأيمان أو عن شيء منها حد.
وإذا نفى حملا قال : أشهد بالله لقد استبرأتها وما وطئتها بعد، وما هذا الحمل مني، ويشير إليه؛ فيحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها : وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها.
ثم يقول في الخامسة : علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين، وإن شاء قال : إن كنت كاذبا فيما ذكرت عنها.
فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد.
فإذا فرغ الرجل من التعانه قامت المرأة بعده فحلفت بالله أربعة أيمان، تقول فيها : أشهد بالله إنه لكاذب أو إنه لمن الكاذبين فيما ادعاه علي وذكر عني.
وإن كانت حاملا قالت : وإن حملي هذا منه.
ثم تقول في الخامسة : وعلي غضب الله إن كان صادقا، أو إن كان من الصادقين في قول ذلك.
ومن أوجب اللعان بالقذف يقول في كل شهادة من الأربع : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة من الزنى.
ويقول في الخامسة : علي لعنة الله إن كنت كاذبا فيما رميت به من الزنى.
وتقول هي : أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنى.
وتقول في الخامسة : علي غضب الله إن كان صادقا فيما رماني به من الزنى.
وقال الشافعي : يقول الملاعن أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجي فلانة بنت فلان، ويشير إليها إن كانت حاضرة، يقول ذلك أربع مرات، ثم يوعظه الإمام ويذكره الله تعالى ويقول : إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله؛ فإن رآه يريد أن يمضي على ذلك أمر من يضع يده على فيه، ويقول : إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبا؛ فإن أبى تركه يقول ذلك : لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنى.
احتج بما رواه أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حيث أمر المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول : إنها موجبة.
الرابعة والعشرون: اختلف العلماء في حكم من قذف امرأته برجل سماه، هل يحد أم لا؛ فقال مالك : عليه اللعان لزوجته، وحد للمرمي.
وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه قاذف لمن لم يكن له ضرورة إلى قذفه.
وقال الشافعي : لا حد عليه؛ لأن الله عز وجل لم يجعل على من رمى زوجته بالزنى إلا حدا واحدا بقول {والذين يرمون أزواجهم}، ولم يفرق بين من ذكر رجلا بعينه وبين من لم يذكر؛ وقد رمى العجلاني زوجته بشريك وكذلك هلال بن أمية؛ فلم يحد واحد منهما.
قال ابن العربي : وظاهر القرآن لنا؛ لأن الله تعالى وضع الحد في قذف الأجنبي والزوجة مطلقين، ثم خص حد الزوجة بالخلاص باللعان وبقي الأجنبي على مطلق الآية.
وإنما لم يحد العجلاني لشريك ولا هلال لأنه لم يطلبه؛ وحد القذف لا يقيمه الإمام إلا بعد المطالبة إجماعا منا ومنه.
الخامسة والعشرون: إذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد منهما على باب من المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه، ولو خرجا من باب واحد لم يضر ذلك لعانهما.
ولا خلاف في أنه لا يكن اللعان إلا في مسجد جامع تجمع فيه الجمعة بحضرة السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام.
وقد استحب جماعة من أهل العلم أن يكون اللعان في الجامع بعد العصر.
وتلتعن النصرانية من زوجها المسلم في الموضع الذي تعظمه من كنيستها مثل ما تلتعن به المسلمة.
السادسة والعشرون: قال مالك وأصحابه : وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين، فلا يجتمعان أبدا ولا يتوارثان، ولا يحل له مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده؛ وهو قول الليث بن سعد وزفر بن الهذيل والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن : لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما؛ وهو قول الثوري؛ لقول ابن عمر : فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين؛ فأضاف الفرقة إليه، ولقوله عليه السلام : (لا سبيل لك عليها).
وقال الشافعي : إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته، التعنت أو لم تلتعن.
قال : وأما التعان المرأة فإنما هو لدرء الحد عنها لا غير؛ وليس لالتعانها في زوال الفراش معنى.
ولما كان لعان الزوج ينفي الولد ويسقط الحد رفع الفراش.
وكان عثمان البتي لا يرى التلاعن ينقص شيئا من عصمة الزوجين حتى يطلق.
وهذا قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة؛ على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان، ولم يستحسنه قبل ذلك؛ فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكما.
وبقول عثمان قال جابر بن زيد فيما ذكره الطبري، وحكاه اللخمي عن محمد بن أبي صفرة.
ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة.
واحتج أهل هذه المقالة بأنه ليس في كتاب الله تعالى إذا لاعن أو لاعنت يجب وقوع الفرقة، وبقول عويمر : كذبت عليها إن أمسكتها؛ فطلقها ثلاثا، قال : ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ولم يقل له لم قلت هذا، وأنت لا تحتاج إليه؛ لأن باللعان قد طلقت.
والحجة لمالك في المشهور ومن وافقه قوله عليه السلام : (لا سبيل لك عليها).
وهذا إعلام منه أن تمام اللعان رفع سبيله عنها وليس تفريقه بينهما باستئناف حكم وإنما كان تنفيذا لما أوجب الله تعالى بينهما من المباعدة، وهو معنى اللعان في اللغة.
السابعة والعشرون: ذهب الجمهور من العلماء أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا، فإن أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد، ولم ترجع إليه أبدا.
وعلى هذا السنة التي لا شك فيها ولا اختلاف.
وذكر ابن المنذر عن عطاء أن الملاعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم يحد، وقال : قد تفرقا بلعنة من الله.
وقال أبو حنيفة ومحمد : إذا أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد، وكان خاطبا من الخطاب إن شاء؛ وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وسعيد بن جبير وعبدالعزيز بن أبي سلمة، وقالوا : يعود النكاح حلالا كما لحق به الولد؛ لأنه لا فرق بين شيء من ذلك.
وحجة الجماعة قوله عليه السلام : (لا سبيل لك عليها)؛ ولم يقل إلا أن تكذب نفسك.
و""روى ابن إسحاق وجماعة عن الزهري"" قال : فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما فلا يجتمعان أبدا.
ورواه الدارقطني، ورواه مرفوعا من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان أبدا).
وروي عن علي وعبدالله قالا : مضت السنة ألا يجتمع المتلاعنان.
عن علي : أبدا.
الثامنة والعشرون: اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء : عدد الألفاظ : وهو أربع شهادات على ما تقدم.
والمكان : وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلدان، إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، إن كانا يهوديين فالكنيسة، وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلاعن بينهما في مجلس حكمه.
والوقت : وذلك بعد صلاة العصر.
وجمع الناس : وذلك أن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا؛ فاللفظ وجمع الناس مشروطان، والزمان والمكان مستحبان.
التاسعة والعشرون: من قال : إن الفراق لا يقع إلا بتمام التعانهما، فعليه لو مات أحدهما قبل تمامه ورثه الآخر.
ومن قال : لا يقع إلا بتفريق الإمام فمات أحدهما قبل ذلك وتمام اللعان ورثه الآخر.
وعلى قول الشافعي : إن مات أحدهما قبل أن تلتعن المرأة لم يتوارثا.
الموفية ثلاثين: قال ابن القصار : تفريق اللعان عندنا ليس بفسخ؛ وهو مذهب المدونة : فإن اللعان حكم تفريق الطلاق، ويعطى لغير المدخول بها نصف الصداق.
وفي مختصر ابن الجلاب : لا شيء لها؛ وهذا على أن تفريق اللعان فسخ.

تفسير ابن كثير هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته، وتعسّر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر اللّه عزَّ وجلَّ، وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدعي عليها بما رماها به، فيحلفه الحاكم أربع شهادات باللّه في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين: أي فيما رماها به من الزنا {والخامسة أن لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين} فإذا قال ذلك بانت منه وحرمت عليه أبداً، ويعطيها مهرها ويتوجه عليها حد الزنا، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن، فتشهد أربع شهادات باللّه إنه لمن الكاذبين: أي فيما رماها به، {والخامسة أن غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين}، ولهذا قال: {ويدرأ عنها العذاب} يعني الحد، {أن تشهد أربع شهادات باللّه إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين} فخصها بالعضب، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضحية أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور وهي تعلم صدقه فيما رماها به، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب اللّه عليها، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه؛ ثم ذكر تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون بهم من الضيق، فقال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} أي لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم {وأن اللّه تواب} أي على عباده، وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة {حكيم} فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه. عن ابن عباس قال: لما نزلت {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا}، قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي اللّه عنه: أهكذا أنزلت يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟) فقالوا: يا رسول اللّه لا تلمه، فإنه رجل غيور، واللّه ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: واللّه يا رسول اللّه إني لأعلم إنها لحق وأنها من اللّه، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه، حتى آتي بأربعة شهداء، فواللّه إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته، قال: فما لبثوا إلا يسيراً حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلاً، فرأى بعينيه وسمع بأذنيه، فلم يهيجه حتى أصبح فغدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلاً فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه واجتمعت عليه الأنصار، وقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة، الآن يضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس، فقال هلال: واللّه إني لأرجو أن يجعل اللّه لي منها مخرجاً؛ وقال هلال: يا رسول اللّه فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به واللّه يعلم أني لصادق، فواللّه إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذا أنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم الوحي، وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه، يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي، فنزلت: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه} الآية، فسري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (أبشر يا هلال فقد جعل اللّه لك فرجاً ومخرجاً)، فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي عزَّ وجلَّ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (فأرسلول إليها)، فأرسلول إليها فجاءت فتلاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليهما فذكرهما، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: واللّه يا رسول اللّه لقد صدقت عليها، فقال: كذب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لاعنوا بينهما)، فقيل لهلال، اشهد، فشهد أربع شهادات باللّه إنه لمن الصادقين، فلما كانت الخامسة قيل له يا هلال اتق اللّه فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال: واللّه لا يعذبني اللّه عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة أن لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل للمرأة: اشهدي أربع شهادات باللّه إنه لمن الكاذبين، وقيل لها عند الخامسة اتقي اللّه فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف، ثم قالت: واللّه لا أفضح قومي فشهدت في الخامسة أن غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين؛ ففرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق ولا متوفى عنها، وقال: (إن جاءت به أصهيب أريشح حمش الساقين فهو لهلال، وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به)، فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن)، قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميراً على مصر، وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب ""أخرجه الإمام أحمد وأبو داود بنحوه مختصراً"". ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرو؛ فمنها ما رواه البخاري عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى اللّه عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (البينة أو الحد في ظهرك) فقال: يا رسول اللّه إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك)، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن اللّه ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه: {والذين يرمون أزواجهم} - فقرأ حتى بلغ {إن كان من الصادقين} فانصرف النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأرسل إليهما فشهد هلال والنبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إن اللّه يعلم أن أحدكم كاذب فهل منكما تائب) ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبة. قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء) فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (لولا ما مضى من كتاب اللّه لكان لي ولها شأن) ""انفرد به البخاري من هذا الوجه"". وروى الإمام أحمد عن عبد اللّه قال: كنا جلوساً عشية الجمعة في المسجد، فقال رجل من الأنصار: إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً إن قتله قتلتموه وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ؟! واللّه لئن أصبحت صحيحاً لأسألن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: فسأله، فقال: يا رسول اللّه إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً إن قتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ، اللهم احكم، قال: فنزلت آية اللعان، فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به. ""وأخرجه مسلم من طرق عن سليمان بن مهراش الأعمش"". وعن سهل بن سعد قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال له: سل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرأيت رجلاً وجد رجلاً مع امرأته فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فعاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسائل، قال: فلقيه عويمر فقال: ما صنعت؟ قال: ما صنعت أنك لم تأتني بخير، سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعاب المسائل، فقال عويمر: واللّه لآتين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلأسالنه؛ فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيها، قال: فدعا بهما ولاعن بينهما، قال عويمر: إن انطلقت بها يا رسول اللّه لقد كذبت عليها، قال ففارقها قبل أن يأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ابصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة، فلا أراه إلا كاذباً)، فجاءت به على النعت المكروه ""أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا الترمذي"". وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: لأول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته، فرفعه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أربعة شهود وإلا فحد في ظهرك) فقال: يا رسول اللّه إن اللّه يعلم إني لصادق، ولينزلن اللّه عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد، فأنزل اللّه آية اللعان: {والذين يرمون أزواجهم} إلى آخر الآية، قال: فدعاه النبي صلى اللّه عليه وسلم: (اشهد باللّه إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا) فشهد بذلك أربع شهادات، ثم قال له الخامسة: (ولعنة اللّه عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا) ففعل، ثم دعاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (قومي فاشهدي باللّه إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا) فشهدت بذلك أربع شهادات، ثم قال لها في الخامسة: (وغضب اللّه عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا) قال: فلما كانت الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت على القول، ففرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينهما وقال: (انظروا فإن جاءت به جعداً حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء، وإن جاءت به أبيض سبطاً قصير العينين فهو لهلال بن أمية) فجاءت به جعداً حمش الساقين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لولا ما نزل فيهما من كتاب اللّه لكان لي ولها شأن) ذكر السيوطي الروايات في ذلك وقال، قال ابن حجر: اختلف الأئمة فمنهم من رجح أنها نزلت في هلال، ومنهم من رجح أنها في عويمر، ومنهم جمع بينهما، ويحتمل أن النزول سيق بسبب هلال ثم صادف مجيء عويمر ولم يكن له علم بما وقع لهلال، وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين، قال ابن حجر: ولا مانع من تعدد الأسباب

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি