نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النور آية 2
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

التفسير الميسر الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج، عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط، وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام. ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها، إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، وليحضر العقوبةَ عدد من المؤمنين؛ تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا.

تفسير الجلالين
2 - (الزانية والزاني) غير المحصنين لرجمها بالسنة وأل فيما ذكر موصولة وهو مبتدأ ولشبهه بالشرط دخلت الفاء في خبره وهو (فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة) ضربة يقال جلده ضرب جلده ويزاد على ذلك بالسنة تغريب عام والرقيق على النصف مما ذكر (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) حكمه بأن تتركوا شيئا من حدهما (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) يوم البعث في هذا تحريض على ما قبل الشرط وهو جوابه أو دال على جوابه (وليشهد عذابهما) الجلد (طائفة من المؤمنين) قيل ثلاثة وقيل أربعة عدد شهود الزنا

تفسير القرطبي
فيه إحدى وعشرون مسألة: الأولى:قوله {الزانية والزاني}كان الزنى في اللغة معروفا قبل الشرع، مثل اسم السرقة والقتل.
وهو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح بمطاوعتها.
وإن شئت قلت : هو إدخال فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا؛ فإذا كان ذلك وجب الحد.
وقد مضى الكلام في حد الزنى وحقيقته وما للعلماء في ذلك.
وهذه الآية ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة -النساء-باتفاق.
الثانية: قوله {مائة جلدة}هذا حد الزاني الحر البالغ البكر، وكذلك الزانية البالغة البكر الحرة.
وثبت بالسنة تغريب عام؛ على الخلاف في ذلك.
وأما المملوكات فالواجب خمسون جلدة؛ لقوله {فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] وهذا في الأمة، ثم العبد في معناها.
وأما المحصن من الأحرار فعليه الرجم دون الجلد.
ومن العلماء من يقول : يجلد مائة ثم يرجم.
وقد مضى هذا كله ممهدا في -النساء-فأغنى عن إعادته، والحمد لله.
الثالثة: قرأ الجمهور {الزانية والزاني}بالرفع.
وقرأ عيسى بن عمر الثقفي {الزانية}بالنصب، وهو أوجه عند سيبويه؛ لأنه عنده كقولك : زيدا اضرب.
ووجه الرفع عنده : خبر ابتداء، وتقديره : فيما يتلى عليكم [حكم] الزانية والزاني.
وأجمع الناس على الرفع وإن كان القياس عند سيبويه النصب.
وأما الفراء والمبرد والزجاج فإن الرفع عندهم هو الأوجه، والخبر في قوله {فاجلدوا}لأن المعنى : الزانية والزاني مجلودان بحكم الله وهو قول جيد وهو قول أكثر النحاة.
وإن شئت قدرت الخبر : ينبغي أن يجلدا.
وقرأ ابن مسعود {والزان}بغير ياء.
الرابعة: ذكر الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى، والزاني كان يكفي منهما؛ فقيل : ذكرهما للتأكيد كما قال {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:38].
ويحتمل أن يكون ذكرهما هنا لئلا يظن ظان أن الرجل لما كان هو الواطئ والمرأة محل ليست بواطئة فلا يجب عليها حد فذكرها رفعا لهذا الإشكال الذي أوقع جماعة من العلماء منهم الشافعي.
فقالوا : لا كفارة على المرأة في الوطء في رمضان؛ لأنه قال جامعت أهلي في نهار رمضان؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (كفر).
فأمره بالكفارة، والمرأة ليس بمجامعة ولا واطئة.
الخامسة: قدمت {الزانية}في الآية من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاش وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات، وكن مجاهرات بذلك.
وقيل : لأن الزنى في النساء أعر وهو لأجل الحبل أضر.
وقيل : لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب فصدرها تغليظا لتردع شهوتها وإن كان قد ركب فيها حياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله.
وأيضا فإن العار بالنساء ألحق إذ موضوعهن الحجب والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما.
السادسة: الألف واللام في قول {الزانية والزاني}للجنس، وذلك يعطي أنها عامة في جميع الزناة.
ومن قال بالجلد مع الرجم قال : السنة جاءت بزيادة حكم فيقام مع الجلد.
وهو قول إسحاق بن راهويه والحسن بن أبي الحسن، وفعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه بشراحة وقد مضى في -النساء -بيانه.
وقال الجمهور : هي خاصة في البكرين، واستدلوا على أنها غير عامة بخروج العبيد والإماء منها.
السابعة: نص الله سبحانه وتعالى على ما يجب على الزانيين إذا شُهد بذلك عليهما على ما يأتي وأجمع العلماء على القول به.
واختلفوا فيما يجب على الرجل يوجد مع المرأة في ثوب واحد فقال إسحاق بن راهويه : يضرب كل واحد منهما مائة جلدة.
وروي ذلك عن عمر وعلى وليس يثبت ذلك عنهما.
وقال عطاء وسفيان الثوري : يؤدبان.
وبه قال مالك وأحمد على قدر مذاهبهم في الأدب.
قال ابن المنذر : والأكثر ممن رأيناه يرى على من وجد على هذه الحال الأدب.
وقد مضى في -هود-اختيار ما في هذه المسألة، والحمد لله وحده.
الثامنة: قوله {فاجلدوا}دخلت الفاء لأنه موضع أمر والأمر مضارع للشرط.
وقال المبرد : فيه معنى الجزاء، أي إن زنى زان فافعلوا به كذا، ولهذا دخلت الفاء؛ وهكذا {السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:38] .
التاسعة: لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمام ومن ناب منابه.
وزاد مالك والشافعي : السادة في العبيد.
قال الشافعي : في كل جلد وقطع.
وقال مالك : في الجلد دون القطع.
وقيل : الخطاب للمسلمين لأن إقامة مراسم الدين واجبة على المسلمين، ثم الإمام ينوب عنهم إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود.
العاشرة: أجمع العلماء على أن الجلد بالسوط يجب.
والسوط الذي يجب أن يجلد به يكون سوطا بين سوطين.
لا شديدا ولا لينا.
و""روى مالك عن زيد بن أسلم"" أن رجلا اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط، فأتي بسوط مكسور، فقال : (فوق هذا) فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال : (دون هذا) فأتي بسوط قد ركب به ولان.
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد.
.
.
) الحديث.
قال أبو عمر : هكذا روى الحديث مرسلا جميع رواة الموطأ ولا أعلمه يستند بهذا اللفظ بوجه من الوجوه، وقد روى معمر عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء.
وقد تقدم في -المائدة-ضرب عمر قدامة في الخمر بسوط تام.
يريد وسطا.
الحادية عشرة: اختلف العلماء في تجريد المجلود في الزنى؛ فقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما : يجرد، ويترك على المرأة ما يسترها دون ما يقيها الضرب.
وقال الأوزاعي : الإمام مخير إن شاء جرد وإن شاء ترك.
وقال الشعبي والنخعي : لا يجرد ولكن يترك عليه قميص.
قال ابن مسعود : لا يحل في الأمة تجريد ولا مد وبه قال الثوري.
الثانية عشرة: اختلف العلماء في كيفية ضرب الرجال والنساء؛ فقال مالك : الرجل والمرأة في الحدود كلها سواء لا يقام واحد منهما؛ ولا يجزى عنده إلا في الظهر.
وأصحاب الرأي والشافعي يرون أن يجلد الرجل وهو واقف، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال الليث وأبو حنيفة والشافعي : الضرب في الحدود كلها وفي التعزير مجردا قائما غير ممدود إلا حد القذف فإنه يضرب وعليه ثيابه.
وحكاه المهدوي في التحصيل عن مالك.
وينزع عنه الحشو والفرو.
وقال الشافعي : إن كان مده صلاحا مد.
الثالثة عشرة: واختلفوا في المواضع التي تضرب من الإنسان في الحدود؛ فقال مالك : الحدود كلها لا تضرب إلا في الظهر، وكذلك التعزير.
وقال الشافعي وأصحابه : يتقى الوجه والفرج وتضرب سائر الأعضاء؛ وروي عن علي.
وأشار ابن عمر بالضرب إلى رجلي أمة جلدها في الزنى.
قال ابن عطية : والإجماع في تسليم الوجه والعورة والمقاتل.
واختلفوا في ضرب الرأس فقال الجمهور : يتقى الرأس.
وقال أبو يوسف : يضرب الرأس.
وروي عن عمر وابنه فقالا : يضرب الرأس.
وضرب عمر رضي الله عنه صبيا في رأسه وكان تعزيرا لا حدا.
ومن حجة مالك ما أدرك عليه الناس، وقوله عليه السلام : (البينة وإلا حد في ظهرك) وسيأتي.
الرابعة عشرة: الضرب الذي يجب هو أن يكون مؤلما لا يجرح ولا يبضع، ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه.
وبه قال الجمهور، وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما.
وأتي عمر رضي الله عنه برجل في حد فأتي بسوط بين سوطين وقال للضارب : اضرب ولا يرى إبطك وأعط كل عضو حقه.
وأتي رضي الله عنه بشارب فقال : لأبعثنك إلى رجل لا تأخذه فيك هوادة فبعثه إلى مطيع بن الأسود العدوي فقال : إذا أصبحت الغد فاضربه الحد فجاء عمر رضي الله عنه وهو يضربه ضربا شديدا فقال : قتلت الرجل كم ضربته؟ فقال ستين؛ فقال : أقص عنه بعشرين.
قال أبو عبيدة : (أقص عنه بعشرين) يقول : اجعل شدة هذا الضرب الذي ضربته قصاصا بالعشرين التي بقيت ولا تضربه العشرين.
وفي هذا الحديث من الفقه أن ضرب الشارب ضرب خفيف.
الخامسة عشرة: وقد اختلف العلماء في أشد الحدود ضربا فقال مالك وأصحابه والليث بن سعد : الضرب في الحدود كلها سواء ضرب غير مبرح؛ ضرب بين ضربين.
هو قول الشافعي رضي الله عنه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : التعزير أشد الضرب؛ وضرب الزنى أشد من الضرب في الخمر، وضرب الشارب أشد من ضرب القذف.
وقال الثوري : ضرب الزنى أشد من ضرب القذف، وضرب القذف أشد من ضرب الخمر.
احتج مالك بورود التوقيف عل عدد الجلدات، ولم يرد في شيء منها تخفيف ولا تثقيل عمن يجب التسليم له.
احتج أبو حنيفة بفعل عمر، فإنه ضرب في التعزير ضربا أشد منه في الزنى.
احتج الثوري بأن الزنى لما كان أكثر عددا في الجلدات استحال أن يكون القذف أبلغ في النكاية.
وكذلك الخمر؛ لأنه لم يثبت الحد إلا بالاجتهاد، وسبيل مسائل الاجتهاد لا يقوي قوة مسائل التوقيف.
السادسة عشرة: الحد الذي أوجب الله في الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن يقام بين أيدي الحكام، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم يختارهم الإمام لذلك.
وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك، رضي الله عنهم.
وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية، تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها، بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها، فإن دم المسلم وحرمته عظيمة، فيجب مراعاته بكل ما أمكن.
""روى الصحيح عن حضين بن المنذر أبي ساسان"" قال : شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال : أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ؛ فقال عثمان : إنه لم يتقيأ حتى شربها؛ فقال : يا علي قم فاجلده، فقال علي : قم يا حسن فاجلده.
فقال الحسن : ولّ حارّها من تولى قارّها - فكأنه وجد عليه - فقال : يا عبدالله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعلي يعد.
.
.
) الحديث.
وقد تقدم في المائدة.
فانظر قول عثمان للإمام علي : قم فاجلده.
السابعة عشرة: نص الله تعالى على عدد الجلد في الزنى والقذف، وثبت التوقيف في الخمر على ثمانين من فعل عمر في جميع الصحابة - على ما تقدم في المائدة - فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك كله.
قال ابن العربي : وهذا ما لم يتابع الناس في الشر ولا احلولت لهم المعاصي، حتى يتخذوها ضراوة ويعطفون عليها بالهوادة فلا يتناهوا عن منكر فعلوه؛ فحينئذ تتعين الشدة ويزاد الحد لأجل زيادة الذنب.
وقد أتي عمر بسكران في رمضان فضربه مائة؛ ثمانين حد الخمر وعشرين لهتك حرمة الشهر.
فهكذا يجب أن تركب العقوبات على تغليظ الجنايات وهتك الحرمات.
وقد لعب رجل بصبي فضربه الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغير ذلك مالك حين بلغه، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات والاستهتار بالمعاصي، والتظاهر بالمناكر وبيع الحدود واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة، لمات كمدا ولم يجالس أحدا؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قلت : ولهذا المعنى - والله أعلم - زيد في حد الخمر حتى انتهى إلى ثمانين.
و""روى الدارقطني"" حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري قال أخبرني عبدالرحمن بن أزهر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، فأتي بسكران، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده فضربوه بما في أيديهم.
وقال : وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه التراب.
قال : ثم أتي أبو بكر رضي الله عنه بسكران، قال : فتوخى الذي كان من ضربهم يومئذ؛ فضرب أربعين.
قال الزهري : ثم أخبرني حميد بن عبدالرحمن عن ابن وبرة الكلبي قال : أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر، قال فأتيته ومعه عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وعلي وطلحة والزبير وهم معه متكئون في المسجد فقلت : إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ويقول : إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فيه؛ فقال عمر : هم هؤلاء عندك فسلهم.
فقال علي : نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون؛ قال فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال.
قال : فجلد خالد ثمانين وعمر ثمانين.
قال : وكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الذلة ضربه أربعين، قال : وجلد عثمان أيضا ثمانين وأربعين.
ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (لو تأخر الهلال لزدتكم) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا.
في رواية (لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم).
وروى حامد بن يحيى عن سفيان عن مسعر عن عطاء بن أبي مروان أن عليا ضرب النجاشي في الخمر مائة جلدة؛ ذكره أبو عمرو ولم يذكر سببا.
الثامنة عشرة: قوله {ولا تأخذكم بهما رأفة}أي لا تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقة على المحدود، ولا تخففوا الضرب من غير إيجاع، وهذا قول جماعة أهل التفسير.
وقال الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير{لا تأخذكم بهما رأفة}قالوا في الضرب والجلد.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة؛ ثم قرأ هذه الآية.
والرأفة أرق الرحمة.
وقرئ {رأفة}بفتح الألف على وزن فعلة.
وقرئ {رأفة}على وزن فعالة؛ ثلاث لغات، هي كلها مصادر، أشهرها الأولى؛ من رؤوف إذا رق ورحم.
ويقال : رأفة ورآفة؛ مثل كأبة وكآبة.
وقد رأفت به ورؤفت به.
والرؤوف من صفات الله تعالى : العطوف الرحيم.
{في دين الله}أي في حكم الله؛ كما قال {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك}[يوسف: 76] أي في حكمه.
وقيل {في دين الله}أي في طاعة الله وشرعه فيما أمركم به من إقامة الحدود.
{إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}قررهم على معنى التثبيت والحض بقوله {إن كنتم تؤمنون بالله}.
وهذا كما تقول لرجل تحضه : إن كنت رجلا فافعل كذا، أي هذه أفعال الرجال.
الموفية عشرين: قوله {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}قيل : لا يشهد التعذيب إلا من لا يستحق التأديب.
قال مجاهد : رجل فما فوقه إلى ألف.
وقال ابن زيد : لا بد من حضور أربعة قياسا على الشهادة على الزنى، وأن هذا باب منه؛ وهو قول مالك والليث والشافعي.
وقال عكرمة وعطاء : لا بد من اثنين؛ وهذا مشهور قول مالك، فرآها موضع شهادة.
وقال الزهري : ثلاثة، لأنه أقل الجمع.
الحسن : واحد فصاعدا، وعنه عشرة.
الربيع : ما زاد على الثلاثة.
وحجة مجاهد قوله {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة}[الأنفال: 122] ، وقوله {وإن طائفتان}[الحجرات: 9]، ونزلت في تقاتل رجلين؛ فكذلك قوله {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.
والواحد يسمى طائفة إلى الألف؛ وقاله ابن عباس وإبراهيم.
وأمر أبو برزة الأسلمي بجارية له قد زنت وولدت فألقى عليها ثوبا، وأمر ابنه أن يضربها خمسين ضربة غير مبرح ولا خفيف لكن مؤلم، ودعا جماعة ثم تلا {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.
الحادية والعشرون: اختلف في المراد بحضور الجماعة.
هل المقصود بها الإغلاط على الزناة والتوبيخ بحضرة الناس، وأن ذلك يدع المحدود، ومن شهده وحضره يتعظ به ويزدجر لأجله، ويشيع حديثه فيعتبر به من بعده، أو الدعاء لهما بالتوبة والرحمة؛ قولان للعلماء.
الثانية والعشرون: روي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يا معاشر الناس اتقوا الزنى فإن فيه ست خصال ثلاثا في الدنيا وثلاثا في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا فيذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر وأما اللواتي في الآخرة فيوجب السخط وسوء الحساب والخلود في النار).
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن أعمال أمتي تعرض علي كل جمعة مرتين فاشتد غضب الله على الزناة).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله على أمتي فغفر لكل مؤمن لا يشرك بالله شيئا إلا خمسة ساحرا أو كاهنا أو عاقا لوالديه أو مدمن خمر أو مصرا على الزنى).

تفسير ابن كثير يقول تعالى هذه السورة أنزلناها، فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها {وفرضناها} قال مجاهد: أي بينا الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود، وقال البخاري: ومن قرأ {فرضناها} يقول: فرضناها عليكم وعلى من بعدكم، {وأنزلنا فيها آيات بينات} أي مفسرات واضحات {لعلكم تذكرون}، ثم قال تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} يعني هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد وللعلماء فيه تفصيل، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يتزوج، أو محصنًا وهو الذي وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكراً لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية، ويزاد على ذلك إما أن يغرب عاماً عن بلده عند جمهور العلماء، خلافاً لأبي حنيفة رحمه اللّه فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرّب وإن شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين في الأعرابيين اللذين أتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول اللّه إن ابن هذا كان عسيفاً - يعني أجيراً - على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللّه تعالى: الوليدة والغنم ردٌّ عليك، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام، واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) فغدا عليها فاعترفت فرجمها ""أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني"". وفي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكراً؛ فأما إذا كان محصناً فإنه يرجم، كما روى الإمام مالك. عن ابن عباس أن عمر قام فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد أيها الناس فإن اللّه تعالى بعث محمداً صلى اللّه عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب اللّه، فيضنوا بترك فريضة قد أنزلها اللّه، فالرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا أحصن من الرجال ومن النساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف) ""أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولاً"". وفي رواية عنه: (ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب اللّه ما ليس منه لأثبتها كما نزلت) ""أخرجه الإمام أحمد والنسائي"". وقال ابن عمر: نبئت عن كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد فقال زيد بن ثابت: كنا نقرأ: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، قال مروان: ألا كتبتها في المصحف؟ قال: ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب، فقال: أنا أشفيكم من ذلك، قال، قلنا: فكيف؟ قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: فذكر كذا وكذا الرجم، فقال: يا رسول اللّه اكتب لي آية الرجم، قال: (لا أستطيع الآن)، هذا أو نحو ذلك ""أخرجه الحافظ الموصلي عن محمد بن سيرين"". وهذه طرق كلها متعددة متعاضدة، ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولاً به واللّه أعلم. وقد أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم برجم هذه المرأة لما زنت مع الأجير، ورجم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ماعزاً و""الغامدية""ولم ينقل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه جلدهم قبل الرجم، ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم اللّه؛ وذهب الإمام أحمد إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية والرجم للسنة، كما روى الإمام أحمد وأهل السنن عن عبادة ابن الصامت قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (خذوا عني خذوا عني، قد جعل اللّه لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم). وقوله تعالى: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه} أي في حكم اللّه أي لا ترأفوا بهما في شرع اللّه، وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على ترك الحد، وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك، قال مجاهد {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه} قال: إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان فتقام ولا تعطل، وقد جاء في الحديث: (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب)، وفي الحديث الآخر: (لحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً)، وقيل: المراد {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه} فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن المأثم، وليس المراد الضرب المبرح، قال عامر الشعبي: رحمة في شدة الضرب، وقال عطاء: ضرب ليس بالمبرح، وقال: هذا في الحكم والجلد يعني في إقامة الحد وفي شدة الضرب، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر: أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها، قال نافع: أراه قال: وظهرها، قال، قلت: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه} قال: يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة إن اللّه لم يأمرني أن أقتلها، ولا أن أجعل جلدها في رأسها، وقد أوجعت حين ضربتها، وقوله تعالى: {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر} أي فافعلوا ذلك وأقيموا الحدود على من زنى وشددوا عليه الضرب، ولكن ليس مبرحاً، ليرتدع هو من يصنع مثله بذلك، وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال: يا رسول اللّه إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال: (ولك في ذلك أجر)، وقوله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما، وأنجع في ردعهما، فإن في ذلك تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة إذا كان الناس حضوراً، قال الحسن البصري في قوله: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}: يعني علانية، والطائفة الرجل فما فوقه، وقال مجاهد: الطائفة الرجل الواحد إلى الألف، وكذا قال عكرمة ولهذا قال أحمد: إن الطائفة تصدق على واحد، وقال عطاء بن أبي رباح: اثنان، وقال الزهري ثلاثة نفر فصاعداً، وقال الإمام مالك: الطائفة أربعة نفر فصاعداً، لأنه لا يكفي شهادة في الزنا إلا أربعة شهداء فصاعداً، وبه قال الشافعي، وقال الحسن البصري: عشرة، وقال قتادة: أمر اللّه أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين: أي نفر من المسلمين ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالاً.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি