نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة مريم آية 5
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا

التفسير الميسر وإني خفت أقاربي وعصبتي مِن بعد موتي أن لا يقوموا بدينك حق القيام، ولا يدعوا عبادك إليك، وكانت زوجتي عاقرًا لا تلد، فارزقني مِن عندك ولدًا وارثًا ومعينًا.

تفسير الجلالين
5 - (وإني خفت الموالي) أي الذين يلوني في النسب كبني العم (من ورائي) أي بعد موتي على الدين أن يضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين (وكانت امرأتي عاقرا) لا تلد (فهب لي من لدنك) من عندك (وليا) ابنا

تفسير القرطبي
قوله تعالى{وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امراتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا} فيه سبع مسائل: الأولى:قوله تعالى{وإني خفت الموالي} قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ويحيى بن يعمر {خفت} بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وسكون الياء من {الموالي} لأنه في رفع {بخفت} ومعناه انقطعت بالموت.
وقرأ الباقون {خفت} بكسر الخاء وسكون الفاء وضم التاء ونصب الياء من {الموالي} لأنه في موضع نصب بـ {خفت} و{الموالي} هنا الأقارب بنو العم والعصبة الذين يلونه في النسب.
والعرب تسمي بني العم الموالي.
قال الشاعر : مهلا بني عمنا مهلا موالينا ** لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق أن يرثه غير الولد.
وقالت طائفة : إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب وليا يقوم بالدين بعده؛ حكى هذا القول الزجاج، وعليه فلم يسل من يرث ماله؛ لأن الأنبياء لا تورث.
وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة) وفي كتاب أبي داود : (إن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم).
وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله{يرثني}.
الثانية: هذا الحديث يدخل في التفسير المسند؛ لقوله تعالى{وورث سليمان داود} وعبارة عن قول زكريا{فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب} وتخصيص للعموم في ذلك، وأن سليمان لم يرث من داود مالاً خلفه داود بعده؛ وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب؛ هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض، وإلا ما روي عن الحسن أنه قال{يرثني} مالا {ويرث من آل يعقوب} النبوة والحكمة؛ وكل قول يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور؛ قال أبو عمر.
قال ابن عطية : والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال؛ ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنا معشر الأنبياء لا نورث) ألا يريد به العموم، بل على أنه غالب أمرهم؛ فتأمله.
والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين، فتكون الوراثة مستعارة.
ألا ترى أنه لما طلب وليا ولم يخصص ولدا بلغه الله تعالى أمله على أكمل الوجوه.
وقال أبو صالح وغيره : قوله {من آل يعقوب} يريد العلم والنبوة.
الثالثة :قوله تعالى{من ورائي} قرأ ابن كثير بالمد والهمز وفتح الياء.
وعنه أنه قرأ أيضا مقصورا مفتوح الياء مثل عصاي.
الباقون بالهمز والمد وسكون الياء.
والقراء على قراءة {خفت} مثل نمت إلا ما ذكرنا عن عثمان.
وهي قراءة شاذة بعيدة جدا؛ حتى زعم بعض العلماء أنها لا تجوز.
قال كيف يقول : خفت الموالي من بعدي أي من بعد موتي وهو حي؟ !.
النحاس : والتأويل لها ألا يعني بقوله{من ورائي} أي من بعد موتى، ولكن من ورائي في ذلك الوقت؛ وهذا أيضا بعيد يحتاج إلى دليل أنهم خفوا في ذلك الوقت وقلوا، وقد أخبر الله تعالى بما يدل على الكثرة حين قالوا {أيهم يكفل مريم}.
ابن عطية{من ورائي} من بعدي في الزمن، فهو الوراء على ما تقدم في [الكهف].
الرابعة:قوله تعالى:{وكانت امرأتي عاقرا} امرأته هي إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل، وهي أخت حنة بنت فاقوذا؛ قاله الطبري.
وحنة هي أم مريم حسب ما تقدم في {آل عمران} بيانه.
وقال القتبي : امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران، فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة.
وعلى القول الآخر يكون ابن خالة أمه.
وفي حديث الإسراء قال عليه الصلاة والسلام : (فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى) شاهدا للقول الأول.
والله أعلم.
والعاقر التي لا تلد لكبر سنها؛ وقد مضى بيانه في [آل عمران].
والعاقر من النساء أيضا التي لا تلد من غير كبر.
ومنه قوله تعالى{ويجعل من يشاء عقيما}[الشورى : 50].
وكذلك العاقر من الرجال؛ ومنه قول عامر بن الطفيل : لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ** جبانا فما عذري لدى كل محضر الخامسة:قوله تعالى{فهب لي من لدنك وليا} سؤال ودعاء.
ولم يصرح بولد لما علم من حال وبعده عنه بسبب المرأة.
قال قتادة : جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة.
مقاتل : خمس وتسعين سنة؛ وهو أشبه؛ فقد كان غلب على ظنه انه لا يولد له لكبره؛ ولذلك قال{وقد بلغت من الكبر عتيا}.
وقالت طائفة : بل طلب الولد، ثم طلب أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه، تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد ولكن يحترم، ولا يتحصل منه الغرض.
السادسة: قال العلماء : دعاء زكريا عليه السلام في الولد إنما كان لإظهار دينه، وإحياء نبوته، ومضاعفة لأجره لا للدنيا، وكان ربه قد عوده الإجابة، ولذلك قال{ولم أكن بدعائك رب شقيا}، أي بدعائي إياك.
وهذه وسيلة حسنة؛ أن يتشفع إليه بنعمه، يستدر فضله بفضله؛ يروى أن حاتم الجود لقيه رجل فسأله؛ فقال له حاتم : من أنت؟ قال : أنا الذي أحسنت إليه عام أول؛ فقال : مرحبا بمن تشفع إلينا بنا.
فإن قيل كيف أقدم زكريا على مسألة ما يخرق العادة دون إذن؟ فالجواب أن ذلك جائز في زمان الأنبياء وفي القرآن ما يكشف عن هذا المعنى؛ فإنه تعالى قال{كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}[آل عمران : 37] فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته؛ فقال تعالى{هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة}[آل عمران : 38] الآية.
السابعة: إن قال قائل : هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد، والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد، ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك؛ فقال{إنما أموالكم وأولادكم فتنة}[التغابن : 15].
قال{إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم}[التغابن : 14].
فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدم في [آل عمران] بيانه.
ثم إن زكريا عليه السلام تحرز فقال : (ذرية طيبة) وقال{واجعله رب رضيا}.
والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة، وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة.
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس خادمه فقال : (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) فدعا له بالبركة تحرزا مما يؤدي إليه الإكثار من الهلكة.
وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده، ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء؛ وقد تقدم في [آل عمران] بيانه.

تفسير ابن كثير أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة. وقوله: {ذكر رحمت ربك} أي هذا ذكر رحمة اللّه عبده زكريا، وزكريا يمد ويقصر، قراءتان مشهورتان، وكان نبياً عظيماً من أنبياء بني إسرائيل، وفي صحيح البخاري، أنه كان نجاراً يأكل من عمل يده في النجارة، وقوله: {إذ نادى ربه نداء خفيا} قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره، حكاه الماوردي، وقال الآخرون: إنما أخفاه لأنه أحب إلى اللّه، كما قال قتادة في هذه الآية {إذ نادى ربه نداء خفيا}: إن اللّه يعلم القلب التقيّ، ويسمع الصوت الخفيّ، وقال بعض السلف: قام من الليل عليه السلام وقد نام أصحابه، فجعل يهتف بربه يقول خفية: يا رب يا رب يا رب، فقال اللّه له: لبيك لبيك لبيك {قال رب إني وهن العظم مني} أي ضعفت وخارت القوى {واشتعل الرأس شيبا} أي اضطرم المشيب في السواد. والمراد من هذا الإخبارُ عن الضعف والكبر، ودلائله الظاهرة والباطنة، وقوله: {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء، ولم تردني قط فيما سألتك، وقوله: {وإني خفت الموالي من ورائي}، قال مجاهد وقتادة والسدي: أراد بالموالي العصبة، ووجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً، فسأل اللّه ولداً يكون نبياً من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحي إليه، فأجيب في ذلك، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثه عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم هذا وجه. الثاني أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجاراً يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالاً ولا سيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا. الثالث أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا نورث، ما تركناه صدقة). وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح: (نحن معشر الأنبياء لا نورث). وعلى هذا فتعين حمل قوله: {فهب لي من لدنك وليا يرثني} على ميراث النبوة، ولهذا قال: {ويرث من آل يعقوب} كقوله: {وورث سليمان داود} أي في النبوة. إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة)، قال مجاهد: كان وراثته علماً وقال الحسن: يرث نبوته وعلمه، وقال السدي: يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب، وعن أبي صالح في قوله: {يرثني ويرث من آل يعقوب} قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره. وقوله: {واجعله رب رضيا} أي مرضياً عندك وعند خلقك، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি