نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الإسراء آية 1
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

التفسير الميسر يمجِّد الله نفسه ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، لا إله غيره، ولا رب سواه، فهو الذي أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم زمنًا من الليل بجسده وروحه، يقظة لا منامًا، من المسجد الحرام بـ "مكة" إلى المسجد الأقصى بـ "بيت المقدس" الذي بارك الله حوله في الزروع والثمار وغير ذلك، وجعله محلا لكثير من الأنبياء؛ ليشاهد عجائب قدرة الله وأدلة وحدانيته. إن الله سبحانه وتعالى هو السميع لجميع الأصوات، البصير بكل مُبْصَر، فيعطي كُلا ما يستحقه في الدنيا والآخرة.

تفسير الجلالين
سورة الإسراء 1 - (سبحان) أي تنزيه (الذي أسرى بعبده) محمد صلى الله عليه وسلم (ليلا) نصب على الظرف والإسراء سير الليل وفائدة ذكره الاشارة بتنكيره إلى تقليل مدته (من المسجد الحرام) أي مكة (إلى المسجد الأقصى) بيت المقدس لبعده منه (الذي باركنا حوله) بالثمار والأنهار (لنريه من آياتنا) عجائب قدرتنا (إنه هو السميع البصير) أي العالم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله فأنعم عليه بالإسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى فإنه صلى الله عليه وسلم

تفسير القرطبي
فيه ثمان مسائل: الأولى: قوله تعالى {سبحان} سبحان: اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن؛ لأنه لا يجرى بوجوه الإعراب، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجر منه فعل، ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين، تقول : سبحت تسبيحا وسبحانا، مثل كفرت اليمين تكفيرا وكفرانا.
ومعناه التنزيه والبراءة لله عز وجل من كل نقص.
فهو ذكر عظيم لله تعالى لا يصلح لغيره؛ فأما قول ا لشاعر : أقول لما جاءني فخره ** سبحان من علقمة الفاخر فإنما ذكره على طريق النادر.
وقد روى طلحة بن عبيدالله الفياض أحد العشرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما معنى سبحان الله؟ فقال: (تنزيه الله من كل سوء).
والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه لا من لفظه، إذ لم يجر من لفظه فعل، وذلك مثل قعد القرفصاء، واشتمل الصماء؛ فالتقدير عنده : أنزه الله تنزيها؛ فوقع (سبحان الله) مكان قولك تنزيها.
الثانية: قوله تعالى {أسرى بعبده} {أسرى} فيه لغتان : سرى وأسرى؛ كسقى وأسقى، كما تقدم.
قال : أسرت عليه من الجوزاء سارية ** تزجي الشمال عليه جامد البرد وقال آخر : حي النضيرة ربة الخدر ** أسرت إلي ولم تكن تسري فجمع بين اللغتين في البيتين.
والإسراء : سير الليل؛ يقال : سريت مسرى وسرى، وأسريت إسراء؛ قال الشاعر : وليلة ذات ندى سريت ** ولم يلتني من سراها ليت وقيل : أسرى سار من أول الليل، وسرى سار من آخره؛ والأول أعرف.
الثالثة: قوله تعالى {بعبده} قال العلماء : لو كان للنبي صلى الله عليه وسلم اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة العلية.
وفي معناه أنشدوا : يا قوم قلبي عند زهراء ** يعرفه السامع والرائي لا تدعني إلا بيا عبدها ** فإنه أشرف أسمائي وقد تقدم.
قال القشيري : لما رفعه الله تعالى إلى حضرته السنية، وأرقاه فوق الكواكب العلوية، ألزمه اسم العبودية تواضعا للأمة.
الرابعة: ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه.
وذكر النقاش : ممن رواه عشرين صحابيا.
روى الصحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه - قال - فركبته حتى أتيت بيت المقدس - قال - فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء - قال - ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة - قال - ثم عرج بنا إلى السماء.
.
.
) وذكر الحديث.
ومما ليس في الصحيحين ما خرجه الآجري والسمرقندي، قال الآجري عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} قال أبو سعيد : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أتيت بدابة هي أشبه الدواب بالبغل له أذنان يضطربان وهو البراق الذي كانت الأنبياء تركبه قبل فركبته فانطلق تقع يداه عند منتهى بصره فسمعت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه ثم سمعت نداء عن يساري يا محمد على رسلك فمضيت ولم أعرج عليه ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج ثم أتيت بيت المقدس الأقصى فنزلت عن الدابة فأوثقته في الحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ثم دخلت المسجد وصليت فيه فقال لي جبريل عليه السلام ما سمعت يا محمد فقلت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج فقال ذلك داعي اليهود ولو وقفت لتهودت أمتك - قال - ثم سمعت نداء عن يساري على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه فقال ذلك داعي النصارى أما إنك لو وقفت لتنصرت أمتك - قال - ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول على رسلك فمضيت ولم أعرج عليها فقال تلك الدنيا لو وقفت لاخترت الدنيا على الآخرة - قال - ثم أتيت بإناءين أحدهما فيه لبن والآخر فيه خمر فقيل لي خذ فاشرب أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقال لي جبريل أصبت الفطرة ولو أنك أخذت الخمر غوت أمتك ثم جاء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا هو أحسن ما رأيت أو لم تروا إلى الميت كيف يحد بصره إليه فعرج بنا حتى أتينا باب السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قالوا ومن معك قال محمد قالوا وقد أرسل إليه؟ قال نعم ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك يحرس السماء يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك مع كل ملك مائة ألف - قال - وما يعلم جنود ربك إلا هو.
.
.
) وذكر الحديث إلى أن قال : (ثم مضينا إلى السماء الخامسة وإذا أنا بهارون بن عمران المحب في قومه وحوله تبع كثير من أمته فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم وقال طويل اللحية تكاد لحيته تضرب في سرته ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى فسلم علي ورحب بي - فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال - رجل كثير الشعر ولو كان عليه قميصان خرج شعره منهما.
.
.
) الحديث.
وروى البزار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بفرس فحمل عليه، كل خطوة منه أقصى بصره.
.
.
وذكر الحديث.
وقد جاء في صفة البراق من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بينا أنا نائم في الحجر إذ أتاني آت فحركني برجله فاتبعت الشخص فإذا هو جبريل عليه السلام قائم على باب المسجد معه دابة دون البغل وفوق الحمار وجهها وجه إنسان وخفها خف حافر وذنبها ذنب ثور وعرفها عرف الفرس فلما أدناها مني جبريل عليه السلام نفرت ونفشت عرفها فمسحها جبريل عليه السلام وقال يا برقة لا تنفري من محمد فوالله ما ركبك ملك مقرب ولا نبي مرسل أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم ولا أكرم على الله منه قالت قد علمت أنه كذلك وأنه صاحب الشفاعة وإني أحب أن أكون في شفاعته فقلت: أنت في شفاعتي إن شاء الله تعالى.
.
.
) الحديث.
وذكر أبو سعيد عبدالملك بن محمد النيسابوري عن أبي سعيد الخدري قال : لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بإدريس عليه السلام في السماء الرابعة قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح الذي وعدنا أن نراه فلم نره إلا الليلة قال فإذا فيها مريم بنت عمران لها سبعون قصرا من لؤلؤ ولأم موسى بن عمران سبعون قصرا من مرجانة حمراء مكللة باللؤلؤ أبوابها وأسرتها من عرق واحد فلما عرج المعراج إلى السماء الخامسة وتسبيح أهلها سبحان من جمع بين الثلج والنار من قالها مرة واحدة كان له مثل ثوابهم استفتح الباب جبريل عليه السلام ففتح له فإذا هو بكهل لم ير قط كهل أجمل منه عظيم العينين تضرب لحيته قريبا من سرته قد كاد أن تكون شمطه وحوله قوم جلوس يقص عليهم فقلت يا جبريل من هذا قال هارون المحب في قومه.
.
) وذكر الحديث.
فهذه نبذة مختصرة من أحاديث الإسراء خارجة عن الصحيحين، ذكرها أبو الربيع سليمان ابن سبع بكمالها في كتاب (شفاء الصدور) له.
ولا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أن الصلاة إنما فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حين الإسراء حين عرج به إلى السماء.
واختلفوا في تاريخ الإسراء وهيئة الصلاة، وهل كان إسراء بروحه أو جسده؛ فهذه ثلاث مسائل تتعلق بالآية، وهي مما ينبغي الوقوف عليها والبحث عنها، وهي أهم من سرد تلك الأحاديث، وأنا أذكر ما وقفت عليه فيها من أقاويل العلماء واختلاف الفقهاء بعون الله تعالى.
فأما المسألة الأولى : وهي هل كان إسراء بروحه أو جسده؛ اختلف في ذلك السلف والخلف، فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح، ولم يفارق شخصه مضجعه، وأنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق، ورؤيا الأنبياء حق.
ذهب إلى هذا معاوية وعائشة، وحكي عن الحسن وابن إسحاق.
وقالت طائفة : كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح؛ واحتجوا بقوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء.
قالوا : ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد الأقصى لذكره، فإنه كان يكون أبلغ في المدح.
وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد وفي اليقظة، وأنه ركب البراق بمكة، ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه ثم أسري بجسده.
وعلى هذا تدل الأخبار التي أشرنا إليها والآية.
وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، ولو كان مناما لقال بروح عبده ولم يقل بعبده.
وقوله {ما زاغ البصر وما طغى} [النجم : 17] يدل على ذلك.
ولو كان مناما لما كانت فيه آية ولا معجزة، ولما قالت له أم هانئ : لا تحدث الناس فيكذبوك، والأفضل أبو بكر بالتصديق، ولما أمكن قريشا التشنيع والتكذيب، وقد كذبه قريش فيما أخبر به حتى ارتد أقوام كانوا آمنوا، فلو كان بالرؤيا لم يستنكر، وقد قال له المشركون : إن كنت صادقا فخبرنا عن عيرنا أين لقيتها؟ قال : (بمكان كذا وكذا مررت عليها ففزع فلان) فقيل له : ما رأيت يا فلان، قال : ما رأيت شيئا! غير أن الإبل قد نفرت.
قالوا : فأخبرنا متى تأتينا العير؟ قال : (تأتيكم يوم كذا وكذا).
قالوا : أية ساعة؟ قال : (ما أدري، طلوع الشمس من هاهنا أسرع أم طلوع العير من هاهنا).
فقال رجل : ذلك اليوم؟ هذه الشمس قد طلعت.
وقال رجل : هذه عيركم قد طلعت، واستخبروا النبي صلى الله عليه وسلم عن صفة بيت المقدس فوصفه لهم ولم يكن رآه قبل ذلك.
روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط - قال - فرفعه الله لي أنظر إليه فما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به.
.
.
) الحديث.
وقد اعترض قول عائشة ومعاوية (إنما أسري بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم (بأنها كانت صغيرة لم تشاهد، ولا حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما معاوية فكان كافرا في ذلك الوقت غير مستشهد للحال، ولم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أراد الزيادة على ما ذكرنا فليقف على (كتاب الشفاء) للقاضي عياض يجد من ذلك الشفاء.
وقد احتج لعائشة بقوله تعالى {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء : 60] فسماها رؤيا.
وهذا يرده قوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} ولا يقال في النوم أسرى.
وأيضا فقد يقال لرؤية العين : رؤيا، على ما يأتي بيانه في هذه السورة.
وفي نصوص الأخبار الثابتة دلالة واضحة على أن الإسراء كان بالبدن، وإذا ورد الخبر بشيء هو مجوز في العقل في قدرة الله تعالى فلا طريق إلى الإنكار، لا سيما في زمن خرق العوائد، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم معارج؛ فلا يبعد أن يكون البعض بالرؤيا، وعليه يحمل قوله عليه السلام في الصحيح : (بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان.
.
.
) الحديث.
ويحتمل أن يرد من الإسراء إلى نوم.
والله أعلم.
المسألة الثانية: في تاريخ الإسراء، وقد اختلف العلماء في ذلك أيضا، واختلف في ذلك على ابن شهاب؛ فروى عنه موسى بن عقبة أنه أسري به إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة.
وروى عنه يونس عن عروة عن عائشة قالت : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
قال ابن شهاب : وذلك بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أعوام.
وروي عن الوقاصي قال : أسري به بعد مبعثه بخمس سنين.
قال ابن شهاب : وفرض الصيام بالمدينة قبل بدر، وفرضت الزكاة والحج بالمدينة، وحرمت الخمر بعد أحد.
وقال ابن إسحاق : أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس، وقد فشا الإسلام بمكة في القبائل.
وروى عنه يونس بن بكير قال : صلت خديجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وسيأتي.
قال أبو عمر : وهذا يدلك على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام؛ لأن خديجة قد توفيت قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بثلاث وقيل بأربع.
وقول ابن إسحاق مخالف لقول ابن شهاب، على أن ابن شهاب قد اختلف عنه كما تقدم.
وقال الحربي : أسري به ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.
وقال أبو بكر محمد بن علي ابن القاسم الذهبي في تاريخه : أسري به من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا.
قال أبو عمر : لا أعلم أحدا من أهل السير قال ما حكاه الذهبي، ولم يسند قول إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم منهم، ولا رفعه إلى من يحتج به عليهم.
المسألة الثالثة: وأما فرض الصلاة وهيئتها حين فرضت، فلا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أن الصلاة إنما فرضت بمكة ليلة الإسراء حين عرج به إلى السماء، وذلك منصوص في الصحيح وغيره.
وإنما اختلفوا في هيئتها حين فرضت؛ فروي عن عائشة رضي الله عنها أنها فرضت ركعتين ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا، وأقرت صلاة السفر على ركعتين.
وبذلك قال الشعبي وميمون بن مهران ومحمد بن إسحاق.
قال الشعبي : إلا المغرب.
قال يونس بن بكير : وقال ابن إسحاق ثم إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين فرضت عليه الصلاة يعني في الإسراء فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين ماء فتوضأ جبريل ومحمد ينظر عليهما السلام فوضأ وجهه واستنشق وتمضمض ومسح برأسه وأذنيه ورجليه إلى الكعبين ونضح فرجه، ثم قام يصلي ركعتين بأربع سجدات، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من أمر الله تعالى، فأخذ بيد خديجة ثم أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة، ثم كان هو وخديجة يصليان سواء.
وروي عن ابن عباس أنها فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين.
وكذلك قال نافع بن جبير والحسن بن أبي الحسن البصري، وهو قول ابن جريج، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق ذلك.
ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها.
وروى يونس بن بكير عن سالم مولى أبي المهاجر قال سمعت ميمون بن مهران يقول : كان أول الصلاة مثنى، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا فصارت سنه، وأقرت الصلاة للمسافر وهي تمام.
قال أبو عمر : وهذا إسناد لا يحتج بمثله، وقوله (فصارت سنة) قول منكر، وكذلك استثناء الشعبي المغرب وحدها ولم يذكر الصبح قول لا معنى له.
وقد أجمع المسلمون أن فرض الصلاة في الحضر أربع إلا المغرب والصبح ولا يعرفون غير ذلك عملا ونقلا مستفيضا، ولا يضرهم الاختلاف فيما كان أصل فرضها.
الخامسة: قد مضى الكلام في الأذان في [المائدة] والحمد لله.
ومضى في [آل عمران] أن أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى.
وأن بينهما أربعين عاما من حديث أبي ذر، وبناء سليمان عليه السلام المسجد الأقصى ودعاؤه له من حديث عبدالله بن عمرو ووجه الجمع في ذلك؛ فتأمله هناك فلا معنى للإعادة.
ونذكر هنا قوله صلى الله عليه وسلم : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس).
"" خرجه مالك من حديث أبي هريرة"".
وفيه ما يدل على فضل هذه المساجد الثلاثة على سائر المساجد؛ لهذا قال العلماء : من نذر صلاة في مسجد لا يصل إليه إلا برحلة وراحلة فلا يفعل، ويصلي في مسجده، إلا في الثلاثة المساجد المذكورة فإنه من نذر صلاة فيها خرج إليها.
وقد قال مالك وجماعة من أهل العلم فيمن نذر رباطا في ثغر يسده : فإنه يلزمه الوفاء حيث كان الرباط لأنه طاعة الله عز وجل.
وقد زاد أبو البختري في هذا الحديث مسجد الجند، ولا يصح وهو موضوع، وقد تقدم في مقدمة الكتاب.
السادسة: قوله تعالى {إلى المسجد الأقصى} سمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة، ثم قال {الذي باركنا حوله} قيل : بالثمار وبمجاري الأنهار.
وقيل : بمن دفن حوله من الأنبياء والصالحين؛ وبهذا جعله مقدسا.
وروى معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يقول الله تعالى يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي).
{لنريه من آياتنا} هذا من باب تلوين الخطاب.
والآيات التي أراه الله من العجائب التي أخبر بها الناس، وإسراؤه من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة وهو مسيرة شهر، وعروجه إلى السماء ووصفه الأنبياء واحدا واحدا، حسبما ثبت في صحيح مسلم وغيره.
{إنه هو السميع البصير} تقدم.

تفسير ابن كثير يمجد تعالى نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره ولا رب سواه، {الذي أسرى بعبده} يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم، {ليلا}: أي في جنح الليل، {من المسجد الحرام}: وهو مسجد مكة {إلى المسجد الأقصى} قال الحافظ السهيلي: قوله عزَّ وجلَّ {إلى المسجد الأقصى}: يعني بيت المقدس، وهو إيليا، ومعنى إيليا - بيت اللّه - {وباركنا حوله} - يعني الشام - والشام بالسريانية: الطيب، فسميت بذلك لطيبها وخصبها، وبيت المقدس بناه سليمان عليه السلام، وكان داود عليه السلام قد ابتدأ مبناه فأكمله ابنه سليمان عليه السلام، واسمه: إيلياء، وتفسيره بالعربية: بيت اللّه، ذكره البكري، وقال الطبري: كان داود عليه السلام قد همَّ ببنيانه فأوحى اللّه تعالى إليه (إنما يبنيه ابن لك طاهر اليد من الدماء)، وفي الصحيح أنه وضع للناس بعد البيت الحرام، بأربعين سنة، وهذا يدل على أنه قد كان بني أيضاً في عهد إسحاق ويعقوب عليهما السلام، ولكن بنيانه على التمام وكمال الهيئة كان على عهد سليمان عليه السلام وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقوله تعالى {الذي باركنا حوله}: أي في الزروع والثمار، {لنريه}: أي محمداً {من آياتنا}: أي العظام، كما قال تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}، {إنه هو السميع البصير} أي السميع لأقوال عباده البصير بهم، فيعطي كلاً منهم ما يستحقه في الدنيا والآخرة. ذكر الأحاديث الواردة في الإسراء قال الإمام البخاري، عن أنَس بن مالك، يقول: ليلة أسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مسجد الكعبة، إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة فلم يرهم، حتى أتوه ليلة أُخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشو إيماناً وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب باباً من أبوابها فناداه أهل السماء من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال معي محمد، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحباً به وأهلاً، يستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد اللّه به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلم عليه ورد عليه آدم، فقال: مرحباً وأهلاً بابني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟( قال: هذان النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الملائكة الأولى من هذا؟ قال جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد صلى اللّه عليه وسلم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحباً به وأهلاً. ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية. ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام اللّه تعالى، فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع علي أحداً. ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا اللّه عزَّ وجلَّ، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّه إليه فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: (عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة) قال إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تعالى وتقدس، فقال وهو في مكانه: (يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا)، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد واللّه لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجساداً وقلوباً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: (يا رب إن أمتي ضعفاء، أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم، فخفف عنه، فقال الجبار تبارك وتعالى: يا محمد! قال: (لبيك وسعديك)، قال: إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب، فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: (خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها)، قال موسى: قد واللّه راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضاً، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يا موسى قد واللّه استحييت من ربي عزَّ وجلَّ مما اختلف إليه) قال فاهبط باسم اللّه. قال واستيقظ وهو في المسجد الحرام، هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد. وقد قال الحافظ البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها على مذهب من زعم أنه صلى اللّه عليه وسلم رأى اللّه عزّ وجلّ، يعني قوله: ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى. قال: وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح. وهذا الذي قاله البيهقي رحمه اللّه في هذه المسألة هو الحق، فإن أبا ذر قال: يا رسول اللّه هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنَّى أراه) وفي رواية: (رأيت نوراً): أخرجه مسلم، وقوله: {ثم دنا فتدلى} إنما هو جبريل عليه السلام كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا. وقال الإمام أحمد، عن أنَس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أتيت بالبراق وهو دابة، أبيض، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: أصبت الفطرة، قال: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل، فقيل له من أنت، قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحبا بي ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم يقول تعالى: {ورفعناه مكانا عليا}، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى عليه السلام، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه. ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر اللّه ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق اللّه تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها، قال: فأوحى اللّه إليّ ما أوحى، وقد فرض عليّ في كل يوم وليلة، خمسين صلاة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك، وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، قال فرجعت إلى ربي فقلت: أي رب خفف عن أمتي، فحط عني خمساً، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فقال: ما فعلت، فقلت: قد حط عني خمساً، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال، فلم أزل أرجع إلى ربي وبين موسى، ويحط عني خمساً خمساً حتى قال: يا محمد هن خمس صلوات في كل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً، ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب فإن عملها كتبت له سيئة واحدة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت) . عن أنَس بن مالك قال: لما جاء جبريل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالبراق فكأنها حركت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق اللّه فواللّه ما ركبك مثله، وسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: (ما هذه يا جبريل؟( قال: سر يا محمد. قال، فسار ما شاء اللّه أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحياً عن الطريق، فقال: هلم يا محمد، فقال له جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء اللّه أن يسير، قال فلقيه خلق من خلق اللّه، فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السلام يا محمد، فرد السلام، ثم لقيه الثانية، فقال له مثل مقالته الأولى، ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الخمر والماء واللبن، فتناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت ولغويت أمتك، ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء عليهم السلام، فأمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك الليلة. ثم قال له جبريل: أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا كما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو اللّه إبليس أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ""أخرجه ابن جرير ورواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة، وفي بعض ألفاظه غرابة"". يتبع تابع { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. . . . . . } ""رواية عن أنَس بن مالك عن مالك بن صعصعة"" قال الإمام أحمد، عن أنَس بن مالك: أن مالك بن صعصعة حدثه، أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري بي قال: (بينما أنا في الحطيم - وربما قال قتادة في الحجر - مضطجعاً إذ أتاني آت، فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة، قال: فأتاني فشقّ ما بين هذه إلى هذه)، أي من ثغرة نحره إلى شعرته، (فاستخرج قلبي، قال: فأتيت بطست من ذهب مملوء إيماناً وحكمة، فغسل قلبي ثم حشا ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض) قال، فقال الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال: نعم يقع خطوه عند أقصى طرفه، قال: (فحملت عليه فانطلق بي جبريل عليه السلام حتى أتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا، قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، فقيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء، قال: فففتح لنا، فلما خلصت فإذا فيها آدم عليه السلام، قال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، فقيل: من هذا؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فإذا عيسى ويحيى وهما ابنا الخالة، قال هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما، قال: فسلمت فردا السلام، ثم قالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت إذا يوسف عليه السلام، قال: هذا يوسف، قال: فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فإذا إدريس عليه السلام، قال: هذا إدريس، قال: فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فإذا هارون عليه السلام، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فإذا أنا بموسى عليه السلام، قال: هذا موسى عليه السلام فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، قال: فلما تجاوزته بكى، قيل له، ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، قال: ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فإذا إبراهيم عليه السلام، قال: هذا إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، قال: ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، فقال: هذه سدرة المنتهى، قال: وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، قال: ثم رفع إليّ البيت المعمور. قال قتادة: وحدثنا الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألفاً ثم لا يعودون فيه، ثم رجع إلى حديث أنَس، قال: (ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل قال: فأخذت اللبن، قال: هذه الفطرة أنت عليها وأمتك، قال: ثم فرضت عليّ الصلاة خمسين صلاة كل يوم، قال: فنزلت حتى أتيت موسى، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قال، قلت: خمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإني قد خبرت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فرجعت فوضع عني عشراً، قال: فرجعت إلى موسى، فقال: بم أُمرت؟ قلت: بأربعين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فرجعت فوضع عني عشراً أُخر، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت، فقلت: أمرت بثلاثين صلاة، قال: إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فرجعت فوضع عني عشراً أُخر، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بعشرين صلاة كل يوم، فقال: إن أمتك لا تستطيع العشرين صلاة كل يوم، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فرجعت فوضع عني عشراً أُخر، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بعشر صلوات كل يوم، فقال: إن أمتك لا تستطيع العشر صلوات كل يوم، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، فقال: إن أمتك لا تستطيع الخمس صلوات كل يوم، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال، قلت: قد سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم. فنفذت، فنادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) ""أخرجه أحمد ورواه الشيخان من حديث قتادة بنحوه"". يتبع. . . تابع { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. . . . . . } ""رواية أنَس عن أبي ذر"" قال البخاري، عن أنَس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى اللّه عليه وسلم، فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم فلما فتح علونا لسماء الدنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، قال: قلت جبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى، ثم عرج بي إلى السماء الثانيه، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال له الأول ففتح(، قال أنَس: فذكر أنه قد وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السادسة. قال أنَس: فلما مر جبريل والنبي صلى اللّه عليه وسلم بإدريس، قال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت: من هذا؟ قال: إدريس، ثم مر بموسى فقال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت: من هذا، قال: هذا موسى، ثم مررت بعيسى، فقال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى، ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم، قال الزهري: فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام) قال ابن حزم وأنَس بن مالك، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ففرض اللّه على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى عليه السلام، فقال: ما فرض اللّه على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال موسى: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجعت فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى قلت: وضع شطرها، فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجعت فوضع شطرها فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى فقال: ارجع إلى ربك، قلت قد استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها حبائل اللؤلؤ وإذا ترابها المسك) ""هذا لفظ البخاري في كتاب الصلاة، ورواه مسلم في كتاب الإيمان بنحوه"". عن جابر بن عبد اللّه، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر فجلَّى اللّه لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه) ""رواه أحمد وأخرجه الشيخان"". عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين انتهى إلى بيت المقدس لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى، وأنه أتي بقدحين قدح من لبن وقدح من خمر، فنظر إليهما ثم أخذ قدح اللبن، فقال جبريل: أصبت هديت للفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك، ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى مكة فأخبر أنه أسري به فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه،. وقال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: فتجهز - أو كلمة نحوها - ناس من قريش إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنه جاء بيت المقدس، ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة. فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأنا أشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه في أن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح؟ قال: نعم أنا أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء، قال أبو سلمة: فبها سمي أبو بكر الصدّيق. قال أبو سلمة: فسمعت جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما يحدث، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر فجلى اللّه لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه) ""أخرجه البيهقي عن سعيد بن المسيب"". ""رواية شداد بن أوس"" روى الإمام الترمذي، عن جبير بن نفير، عن شداد بن أوس قال، قلنا: يا رسول اللّه، كيف أسري بك؟ قال: (صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتماً، فأتاني جبريل عليه السلام بدابة أبيض - أو قال بيضاء - فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب، فاستصعب علي، فرازها بأذنها، ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث انتهى طرفها حتى بلغنا أرضاً ذات نخل فأنزلني، فقال: صلِّ، فصليت، ثم ركبت، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللّه أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها عند منتهى طرفها، ثم بلغنا أرضاً، قال: انزل، ثم قال: صلِّ، فصلَّيت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللّه أعلم، قال: صليت بمدين عند شجرة موسى، ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضاً بدت لنا قصور، فقال: انزل فنزلت، فقال: صلِّ، فصلَّيت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللّه أعلم، قال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى بن مريم، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب تميل فيه الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء اللّه، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر عسل أرسل إليّ بهما جميعاً، فعدلت بينهما ثم هداني اللّه عزَّ وجلَّ فأخذت اللبن فشربت حتى عرقت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثوات له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة إنه ليهدى، ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي، قلت: يا رسول اللّه كيف وجدتها؟ قال: وجدتها مثل الحمة السنخة، ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيراً لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتاني أبو بكر رضي اللّه عنه، فقال: يا رسول اللّه أين كنت الليلة فقد التمستك في منامك، فقد علمت أنك أتيت بيت المقدس الليلة، فقال يا رسول اللّه إنه مسيرة شهر فصفه لي، قال: ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا يألني عن شيء إلا أنبأته، فقال أبو بكر: أشهد أنك لرسول اللّه، وقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة! قال، فقال: إن من آية ما أقول لكم إني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا، وقد أضلوا بعيراً لهم فجمعه لهم فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حين كان قريباً من نصف النهار، حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ""رواه الترمذي والبيهقي وقال: إسناده صحيح، قال ابن كثير: وهذا الحديث مشتمل على ما هو صحيح كما قال البيهقي، وعلى ما هو منكر كالصلاة في بيت المقدس، وسؤال الصدّيق عن نعت بيت المقدس"". قال البيهقي، عن قتادة عن أبي العالية، قال: حدثنا ابن عم نبيكم صلى اللّه عليه وسلم ابن عباس رضي اللّه عنهما قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلاً طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس(، وأري مالكاً خازن جهنم، والدجال في آيات أراهن اللّه إياه، قال: {فلا تكن في مرية من لقائه}، فكان قتادة يفسرها أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد لقي موسى عليه السلام، {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} قال: جعل موسى هدى لبني إسرائيل ""رواه البيهقي ومسلم وأخرجاه عن قتادة مختصراً""عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لما كان ليلة أسري بي فأصبحت بمكة، عرفت أن الناس مكذبي) فقعد معتزلاً حزيناً، فمرّ به عدّو اللّه أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (نعم)، قال: وما هو؟ قال: (إني أسري بي الليلة)، قال: إلى أين؟ قال: (إلى بيت المقدس) قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟! قال: (نعم)، قال: فلم ير أن يكذبه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (نعم)، فقال: يا معشر بني كعب بن لؤي، قال، فانفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما، قال: حدّث قومك بما حدثتني. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إني أسري بي الليلة)، فقالوا: إلى أين؟ قال: (إلى بيت المقدس)، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: (نعم) قال، فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً للكذب، قالوا: وتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ وفيهم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت، قال: فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل، فنعته وأنا أنظر إليه، قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه، قال، فقال القوم: أما النعت فواللّه لقد أصاب فيه) ""أخرجه أحمد والبيهقي والنسائي"". وقد روى البخاري ومسلم في الصحيحين، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام - فنعته فإذا هو رجل حسبته قال: مضطرب، رجل الرأس، كأنه من رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى - فنعته النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس - يعني حمام، قال: ولقيت إبراهيم وأشبه ولده به، قال: وأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، قيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربت، فقيل لي: هديت الفطرة، - أو أصبت الفطرة - أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك) وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كرباً ما كربت مثله قط، فرفعه اللّه إلي أنظر إليه، ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، وإذا موسى قائم يصلي وإذا هو رجل جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس شبهاً به عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي أقرب الناس شبهاً به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت قال قائل: يا محمد هذا مالك خازن جهنم، فالتفت إليه فبدأني بالسلام) ""أخرجه مسلم في صحيحه"". قال ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي لما انتهيت إلى السماء السابعة، فنظرت فوق، فإذا رعد وبرق وصواعق، قال: وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء آكلوا الربا، فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت أسفل مني فإذا أنا برهج ودخان وأصوات، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم لا يتفكرون في ملكوت السماوات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب) ""ورواه الإمام أحمد وابن ماجه"". يتبع. . . تابع { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى. . . . . . } فصل وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث يحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، وأنه مرة واحدة، قال الزهري: كان الإسراء قبل الهجرة والحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناماً من مكة إلى بيت المقدس راكباً على البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتي بالمعراج وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها فصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السماوات السبع، فتلقاه من كل سماء مقربوها، وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مرّ بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة، ثم جاوز منزلتيهما صلى اللّه وسلم وعليهما وعلى سائر الأنبياء، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، أي أقلام القدر، بما هو كائن، ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر اللّه تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة، وغشيتها الملائكة، ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح، ورأى رفرفاً أخضر قد سد الأفق. ورأى البيت المعمور وإبراهيم الخليل يأتي الكعبة الأرضية مسنداً ظهره إليه لأنه الكعبة السماوية، يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. ورأى الجنة والنار وفرض اللّه عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفاً بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها، ثم هبط إلى بيت المقدس وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح يومئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه لأنه لما مرّ بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحداً واحداً وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق، لأنه كان أولاً مطلوباً إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء اللّه تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به اجتمع به هو وإخوته من النبيين، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس واللّه سبحانه وتعالى أعلم. ثم اختلف الناس هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه أم بروحه فقط؟ على قولين، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً، ولا ينكرون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ثم رآه بعد ذلك يقظة لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، والدليل على هذا قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}. فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظماً، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة مما كان قد أسلم. وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال: {أسرى بعبده ليلا}. وقال تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة أسري به، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ""رواه البخاري عن ابن عباس رضي اللّه عنهما"". وقال تعالى: {ما زاغ البصر وما طغى}، والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضاً فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان وإنما يكون هذا للبدن لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه واللّه أعلم. وقال آخرون: بل أسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بروحه لا بجسده وقد تعقبه أبو جعفر ابن جرير في تفسيره بالرد والإنكار والتشنيع بأن هذا خلاف ظاهر سياق القرآن. فائدة وقد ذكر حديث الإسراء، من طريق أنَس، وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء، عن عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس، وشداد بن أوس، وأُبي بن كعب، وعبد اللّه بن عمرو، وجابر، وحذيفة، وأبي أيوب، وأبي أمامة، وسمرة بن جندب، وصهيب الرومي، وأم هانئ، وعائشة، وأسماء رضي اللّه عنهم أجمعين، منهم من ساقه بطوله ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون وأعرض عنه الزنادقة الملحدون {يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم واللّه متم نوره ولو كره الكافرون}.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি