نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة البقرة آية 195
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

التفسير الميسر واستمروا- أيها المؤمنون- في إنفاق الأموال لنصرة دين الله تعالى، والجهاد في سبيله، ولا توقعوا أنفسكم في المهالك بترك الجهاد في سبيل الله، وعدم الإنفاق فيه، وأحسنوا في الانفاق والطاعة، واجعلوا عملكم كله خالصًا لوجه الله تعالى. إن الله يحب أهل الإخلاص والإحسان.

تفسير الجلالين
195 - (وأنفقوا في سبيل الله) طاعته بالجهاد وغيره (ولا تلقوا بأيديكم) أي أنفسكم والباء زائدة (إلى التهلكة) الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه لأنه يقوي العدو عليكم (وأحسنوا) بالنفقة وغيرها (إن الله يحب المحسنين) أي يثيبهم

تفسير القرطبي
فيه ثلاث مسائل الأولى: روى البخاري عن حذيفة {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال : نزلت في النفقة.
وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال : غزونا القسطنطينية، وعلى الجماعة عبدالرحمن بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس : مه مه! لا إله إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب : سبحان الله! أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه، قلنا : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله عز وجل{وأنفقوا في سبيل الله} الآية.
والإلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد.
فلم يزل أبو أيوب مجاهدا في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية، فقبره هناك.
فأخبرنا أبو أيوب أن الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله، وأن الآية نزلت في ذلك.
وروي مثله عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك.
قلت : و روى الترمذي عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران هذا الخبر بمعناه فقال كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة.
فقام أبو أيوب الأنصاري فقال : يا أيها الناس، إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد عليه ما قلنا{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح .
وقال حذيفة بن اليمان وابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس : المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة، فيقول الرجل : ليس عندي، ما أنفقه.
وإلى هذا المعنى ذهب البخاري إذ لم يذكر غيره، والله أعلم.
قال ابن عباس : أنفق في سبيل الله، وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص، ولا يقولن أحدكم : لا أجد شيئا.
ونحوه عن السدي : أنفق ولو عقالا، ولا تلقي بيدك إلى التهلكة فتقول : ليس عندي شيء.
وقول ثالث.
قاله ابن عباس، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالخروج إلى الجهاد قام إليه أناس من الأعراب حاضرين بالمدينة فقالوا : بماذا نتجهز! فوالله ما لنا زاد ولا يطعمنا أحد، فنزل قوله تعالى {وأنفقوا في سبيل الله} يعني تصدقوا يا أهل الميسرة في سبيل الله، يعني في طاعة الله.
{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} يعني ولا تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا، وهكذا قال مقاتل.
ومعنى ابن عباس : ولا تمسكوا عن الصدقة فتهلكوا، أي لا تمسكوا عن النفقة على الضعفاء، فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو فتهلكوا.
وقول رابع - قيل للبراء بن عازب في هذه الآية : أهو الرجل يحمل على الكتيبة؟ فقال لا، ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول : قد بالغت في المعاصي ولا فائدة في التوبة، فييأس من الله فينهمك بعد ذلك في المعاصي.
فالهلاك : اليأس من الله، وقاله عبيدة السلماني.
وقال زيد بن أسلم : المعنى لا تسافروا في الجهاد بغير زاد، وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق، أو يكون عالة على الناس.
فهذه خمسة أقوال.
{سبيل الله} هنا : الجهاد، واللفظ يتناول بعد جميع سبله.
والباء في {بأيديكم} زائدة، التقدير تلقوا أيديكم.
ونظيره{ألم يعلم بأن الله يرى} [العلق:14].
وقال المبرد {بأيديكم} أي بأنفسكم، فعبر بالبعض عن الكل، كقوله{فبما كسبت أيديكم} [الشورى:30]، {بما قدمت يداك} [الحج:10].
وقيل : هذا ضرب مثل، تقول : فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استسلم، لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيديه، فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان، ومنه قول عبدالمطلب : [والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت لعجز] وقال قوم : التقدير لا تلقوا أنفسكم بأيديكم، كما تقول : لا تفسد حالك برأيك.
التهلكة بضم اللام مصدر من هلك يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة، أي لا تأخذوا فيما يهلككم، قاله الزجاج وغيره.
أي إن لم تنفقوا عصيتم الله وهلكتم.
وقيل : إن معنى الآية لا تمسكوا أموالكم فيرثها منكم غيركم، فتهلكوا بحرمان منفعة أموالكم.
ومعنى آخر : ولا تمسكوا فيذهب عنكم الخلف في الدنيا والثواب في الآخرة.
ويقال{لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} يعني لا تنفقوا من حرام فيرد عليكم فتهلكوا.
ونحوه عن عكرمة قال{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال{ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة : 267] وقال الطبري : قوله {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} عام في جميع ما ذكر لدخوله فيه، إذ اللفظ يحتمله.
الثانية: اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده، فقال القاسم ابن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبدالملك من علمائنا : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة، وكان لله بنية خالصة، فان لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة.
وقيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل، لأن مقصوده واحد منهم، وذلك بين في قوله تعالى {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} [البقرة: 207].
وقال ابن خويز منداد : فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان : إن علم وغلب على ظنه أن سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكي نكاية أو سيبلي أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا.
وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل فحمل على الفيل الذي كان يقدمها فقيل له : إنه قاتلك.
فقال : لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين.
وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة بالحديقة، قال رجل من المسلمين : ضعوني في الحَجَفَة وألقوني إليهم، ففعلوا وقاتلهم وحده وفتح الباب.
قلت : ومن هذا ما روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا؟ قال : (فلك الجنة).
فانغمس في العدو حتى قتل.
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال : (من يردهم عنا وله الجنة) أو (هو رفيقي في الجنة) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل.
ثم رهقوه أيضا فقال : (من يردهم عنا وله الجنة) أو (هو رفيقي في الجنة).
فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل.
فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما أنصفنا أصحابنا).
هكذا الرواية (أنصفنا) بسكون الفاء (أصحابنا) بفتح الباء، أي لم ندلهم للقتال حتى قتلوا.
وروي بفتح الفاء ورفع الباء، ووجهها أنها ترجع لمن فَرّ عنه من أصحابه، والله أعلم.
وقال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه، لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين.
فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه، ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه.
وإن كان قصده إرهاب العدو وليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه.
وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} [التوبة:111] الآية، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه.
وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه متى رَجَا نفعا في الدين فبذل نفسه فيه حتى قتل كان في أعلى درجات الشهداء، قال الله تعالى{وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}[لقمان:17].
وقد روى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أفضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله).
وسيأتي القول في هذا في [آل عمران] إن شاء تعالى.
الثالثة: قوله تعالى {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} أي في الإنفاق في الطاعة، وأحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم.
وقيل {أحسنوا} في أعمالكم بامتثال الطاعات، روي ذلك عن بعض الصحابة.

تفسير ابن كثير قال البخاري عن حذيفة‏:‏ ‏{‏وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ نزلت في النفقة‏. ‏ وعن أسلم أبي عمران قال‏:‏ كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى أهل الشام رجل يزيد بن فضالة ابن عبيد فخرج من المدينة صف عظيم من الروم فصففنا لهم، فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا فصاح الناس إليه فقالوا‏:‏ سبحان اللّه ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب‏:‏ يا أيها الناس إنكم لتتأولون هذه الآية على غير التأويل، وإنما نزلت فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز اللّه دينه وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا‏:‏ لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها، فأنزل اللّه هذه الآية ‏"‏أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، واللفظ لأبي داود‏"‏ وعن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ قال‏:‏ ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله، ولا تلق بيدك إلى التهلكة‏. ‏ وقال الحسن البصري‏:‏ ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏، قال‏:‏ هو البخل، وقال سماك بن حرب عن النعمان بن بشير في قوله‏:‏ ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ أن يذنب الرجل الذنب فيقول لا يُغفر لي فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن اللّه يحب المحسنين‏}‏ وقيل‏:‏ إنها في الرجل يذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له فيلقي بيده إلى التهلكة، أي يستكثر من الذنوب فيهلك‏. ‏ وقيل‏:‏ إن رجالاً كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بغير نفقة، فأما أن يقطع بهم وإما كانوا عيالاً، فأمرهم اللّه أن يستنفقوا مما رزقهم اللّه ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلُكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش أو من المشي، وقال لمن بيده فضل ‏{‏وأحسنوا إن الله يحب المحسنين‏}‏ ومضمون الآية الأمرُ بالإنفاق في سبيل اللّه في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء، وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوّهم، والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده، ثم عطف بالأمر بالإحسان وهو أعلى مقامات الطاعة فقال‏:‏ ‏{‏وأحسنوا إن الله يحب المحسنين‏}‏‏

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি