نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة التوبة آية 25
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ

التفسير الميسر لقد أنزل الله نَصْرَه عليكم في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالأسباب وتوكلتم على الله. ويوم غزوة (حنين) قلتم: لن نُغْلَبَ اليوم0 من قلة، فغرَّتكم الكثرة فلم تنفعكم، وظهر عليكم العدو فلم تجدوا ملجأً في الأرض الواسعة ففررتم منهزمين.

تفسير الجلالين
25 - (لقد نصركم الله في مواطن) للحرب (كثيرة) كبدر وقريظة والنضير (و) اذكر (يوم حنين) واد بين مكة والطائف ، أي يوم قتالكم فيه هوازن وذلك في شوال سنة ثمان (إذ) بدل من يوم (أعجبتكم كثرتكم) فقلتم لن نغلب اليوم من قلة وكانوا اثني عشر ألفا والكفار أربعة آلاف (فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) ما مصدرية أي مع رحبها أي سمتها فلم تجدوا مكانا تطمئنون إليه لشدة ما لحقكم من الخوف (ثم وليتم مدبرين) منهزمين ، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وليس معه غير العباس وأبو سفيان آخذ بركابه

تفسير القرطبي
فيه ثمان مسائل: الأولى: قوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} لما بلغ هوازن فتح مكة جمعهم مالك بن عوف النصري من بنى نصر بن مالك، وكانت الرياسة في جميع العسكر إليه، وساق مع الكفار أموالهم ومواشيهم ونساءهم وأولادهم، وزعم أن ذلك يحمي به نفوسهم وتشتد في القتال عند ذلك شوكتهم.
وكانوا ثمانية آلاف في قول الحسن ومجاهد.
وقيل : أربعة آلاف، من هوازن وثقيف.
وعلى هوازن مالك بن عوف، وعلى ثقيف كنانة بن عبد، فنزلوا بأوطاس.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي عينا، فأتاه وأخبره بما شاهد منهم، فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قصدهم، واستعار من صفوان بن أمية بن خلف الجمحي دروعا.
قيل : مائة درع.
وقيل : أربعمائة درع.
واستسلف من ربيعة المخزومي ثلاثين ألفا أو أربعين ألفا، فلما قدم قضاه إياها.
ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (بارك الله لك في أهلك ومالك إنما جزاء السلف الوفاء والحمد) خرجه ابن ماجة في السنن.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المسلمين، منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة وألفان من مسلمة الفتح وهم الطلقاء إلى من انضاف إليه من الأعراب من سُليم وبني كلاب وعبس وذبيان.
واستعمل على مكة عتاب بن أسيد.
وفي مخرجه هذا رأى جهال الأعراب شجرة خضراء وكان لهم في الجاهلية شجرة معروفة تسمى ذات أنواط يخرج إليها الكفار يوما معلوما في السنة يعظمونها، فقالوا : يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال عليه السلام : (الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى وادي حنين، وهو من أودية تهامة، وكانت هوازن قد كمنت في جنبتي الوادي وذلك في غبش الصبح فحملت على المسلمين حملة رجل واحد، فانهزم جمهور المسلمين ولم يلو أحد على أحد، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت معه أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وابنه جعفر، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن قتل يومئذ بحنين - وربيعة بن الحارث، والفضل بن عباس، وقيل في موضع جعفر بن أبي سفيان : قثم بن العباس.
فهؤلاء عشرة رجال، ولهذا قال العباس : نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ** وقد فر من قد فر عنه وأقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بـــنفسه ** بما مسه في الله لا يـــتوجع وثبتت أم سليم في جملة من ثبت محتزمة ممسكة بعيرا لأبي طلحة وفي يدها خنجر.
ولم ينهزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من هؤلاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء واسمها دلدل.
وفي صحيح مسلم عن أنس قال عباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة ألا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أي عباس ناد أصحاب السمرة).
فقال عباس - وكان رجلا صيتا.
ويروى من شدة صوته أنه أغير يوما على مكة فنادى واصباحاه فأسقطت كل حامل سمعت صوته جنينها - : فقلت بأعلى صوتي : أين أصحاب السمرة؟ قال : فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها.
فقالوا : يا لبيك يا لبيك.
قال : فاقتتلوا والكفار.
.
.
) الحديث.
وفيه : (قال ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار).
ثم قال : (انهزموا ورب محمد).
قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى.
قال : فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا.
قال أبو عمر : روينا من وجوه عن بعض من أسلم من المشركين ممن شهد حنينا أنه قال - وقد سئل عن يوم حنين - : لقينا المسلمين فما لبثنا أن هزمناهم وأتبعناهم حتى انتهينا إلى رجل راكب على بغلة بيضاء، فلما رآنا زجرنا زجرة وانتهرنا، وأخذ بكفه حصى وترابا فرمى به وقال : (شاهت الوجوه) فلم تبق عين إلا دخلها من ذلك، وما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا.
وقال سعيد بن جبير : حدثنا رجل من المشركين، يوم حنين قال : لما التقينا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقفوا لنا حلب شاة، حتى إذا انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - تلقانا رجال بيض الوجوه حسان، فقالوا لنا : شاهت الوجوه، ارجعوا، فرجعنا وركبوا أكتافنا فكانت إياها.
يعني الملائكة.
قلت : ولا تعارض فإنه يحتمل أن يكون شاهت الوجوه من قوله صلى الله عليه وسلم ومن قول الملائكة معا ويدل على أن الملائكة قاتلت يوم حنين.
فالله أعلم.
وقتل علي رضي الله عنه يوم حنين أربعين رجلا بيده.
وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف رأس.
وقيل : ستة آلاف، واثني عشر ألف ناق سوى ما لا يعلم من الغنائم.
الثانية: قال العلماء في هذه الغزاة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه).
وقد مضى في {الأنفال} بيانه.
قال ابن العربي : ولهذه النكتة وغيرها أدخل الأحكاميون هذه الآية في الأحكام.
قلت : وفيه أيضا جواز استعارة السلاح وجواز الاستمتاع بما استعير إذا كان على المعهود مما يستعار له مثله، وجواز استلاف الإمام المال عند الحاجة إلى ذلك ورده إلى صاحبه.
وحديث صفوان أصل في هذا الباب.
وفي هذه الغزاة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة).
وهو يدل على أن السبي يقطع العصمة.
وقد مضى بيانه في سورة {النساء} مستوفى.
وفي حديث مالك أن صفوان خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر، فشهد حنينا والطائف وامرأته مسلمة.
الحديث.
قال مالك : ولم يكن ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أرى أن يستعان بالمشركين على المشركين إلا أن يكونوا خدما أو نواتية.
وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي : لا بأس بذلك إذا كان حكم الإسلام هو الغالب، وإنما تكره الاستعانة بهم إذا كان حكم الشرك هو الظاهر.
وقد مضى القول في الإسهام لهم في {الأنفال}.
الثالثة: قوله تعالى: {ويوم حنين} حنين واد بين مكة والطائف، وانصرف لأنه اسم مذكر، وهي لغة القرآن.
ومن العرب من لا يصرفه، يجعله اسما للبقعة.
وأنشد : نصروا نبيهم وشدوا أزره ** بحنين يوم تواكل الأبطال {ويوم} ظرف، وانتصب هنا على معنى : ونصركم يوم حنين.
وقال الفراء : لم تنصرف {مواطن} لأنه ليس لها نظير في المفرد وليس لها جماع، إلا أن الشاعر ربما اضطر فجمع، وليس يجوز في الكلام كل ما يجوز في الشعر.
وأنشد : فهن يعلكن حدائداتها وقال النحاس : رأيت أبا إسحاق يتعجب من هذا قال : أخذ قول الخليل وأخطأ فيه، لأن الخليل يقول فيه : لم ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد، ولا يجمع جمع التكسير، وأما بالألف والتاء فلا يمتنع.
الرابعة: قوله تعالى: {إذ أعجبتكم كثرتكم} قيل : كانوا اثني عشر ألفا.
وقيل : أحد عشر ألفا وخمسمائة.
وقيل : ستة عشر ألفا.
فقال بعضهم : لن نغلب اليوم عن قلة.
فوكلوا إلى هذه الكلمة، فكان ما ذكرناه من الهزيمة في الابتداء إلى أن تراجعوا، فكان النصر والظفر للمسلمين ببركة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
فبين الله عز وجل في هذه الآية أن الغلبة إنما تكون بنصر الله لا بالكثرة وقد قال: {وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} [آل عمران : 160].
الخامسة: قوله تعالى: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} أي من الخوف، كما قال : كأن بلاد الله وهي عريضة ** على الخائف المطلوب كفة حابل والرحب - بضم الراء - السعة.
تقول منه : فلان رحب الصدر.
والرحب - بالفتح - : الواسع.
تقول منه : بلد رحب، وأرض رحبة.
وقد رحبت ترحب رحبا ورحابة.
وقيل : الباء بمعنى مع أي مع رحبها.
وقيل : بمعنى على، أي على رحبها.
وقيل : المعنى برحبها، فـ {ما} مصدرية.
السادسة: قوله تعالى: {ثم وليتم مدبرين} روى مسلم عن أبي إسحاق قال : جاء رجل إلى البراء فقال : أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة.
فقال : أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم ما ولى، ولكنه انطلق أخِفّاءُ من الناس، وحسر إلى هذا الحي من هوازن.
وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول : (أنا النبي لا كذب.
أنا ابن عبدالمطلب.
اللهم نزل نصرك).
قال البراء : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

تفسير ابن كثير يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله، وإن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره لا بعددهم ولا بعددهم، ونبههم على أن النصر من عنده سواء قل الجمع أو كثر، فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ""أخرج البيهقي: أن رجلاً قال يوم حنين: لن نغلب من قلة؟ وكانوا اثني عشر ألفاً، فشق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه: {ويوم حنين. . . } الآية""، ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئاً، فولوا مدبرين إلا القليل منهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم أنزل اللّه نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه، ليعلمهم أن النصر من عنده تعالى وحده، وبإمداده، وإن قل الجمع، {فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه واللّه مع الصابرين}، وقد كانت وقعة حنين ، حنين: اسم موضع بأوطاس، عرف باسم رجل اسمه: حنين بن قانية بن مهلائيل من العماليق، كما في معجم البكري بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة، وذلك لما فرغ صلى اللّه عليه وسلم من فتح مكة وتمهدت أمورها، وأسلم عامة أهلها، وأطلقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فبلغه أن هوزان جمعوا له ليقاتلوه، وأن أميرهم مالك بن عوف النضري ومعه ثقيف بكمالها وناس من بني عمرو بن عامر وعون بن عامر، وقد أقبلوا ومعهم النساء والولدان والشاء والنعم، وجاءوا بقضهم وقضيضهم؛ فخرج إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في جيشه الذي جاء معه للفتح وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب، ومعه الذين أسلموا من أهل مكة، وهم الطلقاء في ألفين، فسار بهم إلى العدو، فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له حنين، فكانت فيه الوقعة في أول النهار في غلس الصبح، انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوزان، فلما توجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم وقد بادروهم، ورشقوا بالنبال، وأصلتوا السيوف، وحملوا حملة رجل واحد، كما أمرهم ملكهم؛ فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين كما قال اللّه عزَّ وجلَّ، وثبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء، يسوقها إلى نحر العدو، والعباس عمه آخذ بركابها الأيمن، ويقول في تلك الحال: (أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب)، وثبت معه من أصحابه قريب من مائة، ثم أمر صلى اللّه عليه وسلم عمه العباس وكان جهير الصوت أن ينادي بأعلى صوته: يا أصحاب الشجرة يعني شجرة بيعة الرضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها، على أن لا يفروا عنه، فجعل ينادي بهم: يا أصحاب السمرة، ويقول تارة: يا أصحاب سورة البقرة، فجعلوا يقولون: لبيك لبيك، وانعطف الناس، فتراجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى إن الرجل منهم إن لم يطاوعه بعيره على الرجوع لبس درعه، ثم انحدر عنه وأرسله، ورجع بنفسه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما اجتمعت شرذمة منهم عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمرهم عليه السلام، أن يصدقوا الحملة، وأخذ قبضة من تراب بعدما دعا ربه واستنصره، وقال: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، ثم رمى القوم بها، فما بقي إنسان منهم إلا أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله عن القتال، ثم انهزموا، فاتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون، وما تراجع بقية الناس إلا والأسرى مجندلة بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال الإمام أحمد عن يزيد بن أسيد قال: كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي، وركبت فرسي، فانطلقت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته، حان الرواح، فقال: (أجل) فقال: (يا بلال)، فثار من تحت سمرة كأن ظلها ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: (أسرج لي فرسي)، فأخرج سرجاً دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، قال فأسرج فركب وركبنا، فصاففناهم عشيتنا وليلتنا، فتشامت الخيلان، فولى المسلمون مدبرين، كما قال تعالى: {ثم وليتم مدبرين}، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يا عباد اللّه أنا عبد اللّه ورسوله) ثم قال: (يا معشر المهاجرين أنا عبد اللّه ورسوله) قال: ثم اقتحم عن فرسه، فأخذ كفاً من تراب، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم، وقال: (شاهت الوجوه) فهزمهم اللّه تعالى، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عينيه وفمه تراباً، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض، كإمرار الحديد على الطست الجديد رواه الإمام أحمد والحافظ البيهقي . وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما أن رجلاً قال له: يا أبا عمارة أفررتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يفر، إن هوازن كانوا قوماً رماة، فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل الناس على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، فانهزم الناس، فلقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلته البيضاء، وهو يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) ""أخرجه الشيخان عن البراء بن عازب"". قال تعالى: {ثم أنزل سكينته على رسوله} أي طمأنينته وثباته على رسوله {وعلى المؤمنين} أي الذين معه {وأنزل جنوداً لم تروها} وهم الملائكة، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير عن عبد الرحمن مولى ابن برثن، حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال: فلما التقينا نحن وأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين، لم يقوموا لنا حلب شاة، قال: لما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، قال: فانهزمنا وركبوا أكتافنا، فكانت إياها. وقال ابن مسعود رضي اللّه عنه: كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين، فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار قدمنا ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل اللّه عليهم السكينة، قال: ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على بغلته البيضاء يمضي قدماً، فحادت بغلته، فمال عن السرج، فقلت ارتفع رفعك اللّه، قال: (ناولني كفاً من التراب) فناولته قال: فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم تراباً قال: (أين المهاجرون والأنصار؟) قلت: هم هناك، قال: (اهتف بهم) فهتفت بهم، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم، كأنها الشهب، وولى المشركون أدبارهم ""رواه الحافظ البيهقي والإمام أحمد في مسنده بنحوه"". وعن شيبة بن عثمان قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين قد عري، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة أياهما، فقلت اليوم أدرك ثأري منه قال: فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائماً عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج، فقلت: عمه ولن يخذله، قال: فجئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، فجئته من خلفه، فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يخمشني، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، فالتفت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: (يا شيبة يا شيبة ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان) قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إليَّ من سمعي وبصري، فقال: (يا شيبة قاتل الكفار) ""أخرجه الحافظ البيهقي"". قال محمد بن إسحاق عن جبير بن مطعم رضي اللّه عنه قال: إنا لمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين، والناس يقتتلون، إذ نظرت إلى مثل البجاد الأسود يهوي من السماء، حتى وقع بيننا وبين القوم، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي فلم يكن إلا هزيمة القوم، فما كنا نشك أنها الملائكة، وفي صحيح مسلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم)، ولهذا قال تعالى: {ثم أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين}، وقوله: {ثم يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء واللّه غفور رحيم} قد تاب اللّه على بقية هوازن فأسلموا وقدموا عليه مسلمين ولحقوه، وقد قارب مكة عند الجعرانة، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوماً، فعند ذلك خيَّرهم بين سبيهم وبين أموالهم، فاختاروا سبيهم، وكانوا ستة آلاف أسير ما بين صبي وامرأة، فردَّه عليهم، وقسم الأموال بين الغانمين، ونفل أناساً من الطلقاء، لكي يتألف قلوبهم على الإسلام، فأعطاهم مائة مائة من الإبل، وكان من جملة من أعطى مائة ""مالك بن عوف النضري واستعمله على قومه كما كان، فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ** في الناس كلهم بمثل محمد فكأنه ليث على أشباله ** وسط المباءة خادر في مرصد

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি