نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة البقرة آية 110
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

التفسير الميسر واشتغلوا -أيها المؤمنون- بأداء الصلاة على وجهها الصحيح، وإعطاء الزكاة المفروضة. واعلموا أنَّ كل خير تقدمونه لأنفسكم تجدون ثوابه عند الله في الآخرة. إنه تعالى بصير بكل أعمالكم، وسيجازيكم عليها.

تفسير الجلالين
110 - (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير) طاعة كصلة وصدقة (تجدوه) أي ثوابه (عند الله إن الله بما تعملون بصير) فيجازيكم به

تفسير القرطبي
قوله تعالى{ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} فيها مسألتان : الأولى:{ود} تمنى، وقد تقدم.
{كفارا} مفعول ثان بـ {يردونكم}.
{من عند أنفسهم} قيل : هو متعلق {بود}.
وقيل : بـ {حسدا}، فالوقف على قوله{كفارا}.
و{حسدا} مفعول له، أي ودوا ذلك للحسد، أو مصدر دل على ما قبله على الفعل.
ومعنى {من عند أنفسهم} أي من تلقائهم من غير أن يجدوه في كتاب ولا أمروا به، ولفظة الحسد تعطى هذا.
فجاء {من عند أنفسهم} تأكيدا وإلزاما، كما قال تعالى{يقولون بأفواههم} [آل عمران:167]، {يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة:79]، {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام : 38].
والآية في اليهود.
الثانية : الحسد نوعان : مذموم ومحمود، فالمذموم أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم، وسواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا، وهذا النوع الذي ذمه الله تعالى في كتابه بقوله {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء:54] وإنما كان مذموما لأن فيه تسفيه الحق سبحانه، وأنه أنعم على من لا يستحق.
وأما المحمود فهو ما جاء في صحيح الحديث من قوله عليه السلام : (لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار).
وهذا الحسد معناه الغبطة.
وكذلك ترجم عليه البخاري باب الاغتباط في العلم والحكمة.
وحقيقتها : أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره، وقد يجوز أن يسمى هذا منافسة، ومنه قوله تعالى{وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين:26] أي {من بعد ما تبين لهم الحق} أي من بعد ما تبين الحق لهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن الذي جاء به.
قوله تعالى{فاعفوا واصفحوا} فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى{فاعفوا} والأصل اعفووا حذفت الضمة لثقلها، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين.
والعفو : ترك المؤاخذة بالذنب.
والصفح : إزالة أثره من النفس.
صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه.
وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته، ومنه قوله تعالى{أفنضرب عنكم الذكر صفحا} [الزخرف:5].
الثانية : هذه الآية منسوخة بقوله{قاتلوا الذين لا يؤمنون} [التوبة:29] إلى قوله{صاغرون} [التوبة:29] عن ابن عباس.
وقيل : الناسخ لها {فاقتلوا المشركين}[التوبة:5].
قال أبو عبيدة : كل آية فيها ترك للقتال فهي مكية منسوخة بالقتال.
قال ابن عطية : وحكمه بأن هذه الآية مكية ضعيف، لأن معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة.
قلت : وهو الصحيح،روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبدالله بن أبي ابن سلول - وذلك قبل أن يسلم عبدالله بن أبي - فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المسلمين عبدالله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفه بردائه وقال : لا تغبروا علينا! فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم القرآن، فقال له عبدالله بن أبي بن سلول : أيها المرء، لا أحسن مما تقول إن كان حقا! فلا تؤذنا به في مجالسنا، [ارجع إلى رحلك] فمن جاءك فاقصص عليه.
قال عبدالله بن رواحة : بلى يا رسول الله، فاغشنا في مجالسنا، فإنا نحب ذلك.
فاستتب المشركون والمسلمون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب - يريد عبدالله بن أبي - قال كذا وكذا) فقال : أي رسول الله، بأبي أنت وأمي! اعف عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب بالحق لقد جاءك الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِق بذلك، فذلك فعل ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله تعالى، ويصبرون على الأذى، قال الله عز وجل{ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} [آل عمران:186]، وقال{ود كثير من أهل الكتاب} فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو عنهم ما أمره الله به حتى أذن له فيهم، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا فقتل الله به من قتل من صناديد الكفار وسادات قريش، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه غانمين منصورين، معهم أسارى من صناديد الكفار وسادات قريش، قال عبدالله بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلموا.
قوله تعالى{حتى يأتي الله بأمره} يعني قتل قريظة وجلاء بني النضير.
{إن الله على كل شيء قدير.
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} تقدم.
والحمد لله تعالى.
‏{‏وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله‏{‏ جاء في الحديث ‏(‏أن العبد إذا مات قال الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم‏)‏‏.
‏ وخرج البخاري والنسائي عن عبدالله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله‏)‏‏.
‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله‏.
‏ مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت‏)‏،‏"‏ لفظ النسائي‏.
‏ ولفظ البخاري‏"‏‏:‏ قال عبدالله قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال‏:‏ ‏(‏فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر‏)‏‏.
‏ وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر ببقيع الغرقد فقال‏:‏ السلام عليكم أهل القبور، أخبار ما عندنا أن نساءكم قد تزوجن، ودوركم قد سكنت، وأموالكم قد قسمت‏.
‏ فأجابه هاتف‏:‏ يا ابن الخطاب أخبار ما عندنا أن ما قدمناه وجدناه، وما أنفقناه فقد ربحناه، وما خلفناه فقد خسرناه‏.
‏ ولقد أحسن القائل‏:‏ قدم لنفسك قبل موتك صالحا واعمل فليس إلى الخلود سبيل وقال آخر‏:‏ قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن وقال آخر‏:‏ ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا والقوم حولك يضحكون سرورا فاعمل ليوم تكون فيه إذا بكوا في يوم موتك ضاحكا مسرورا وقال آخر‏:‏ سابق إلى الخير وبادر به فإنما خلفك ما تعلم وقدم الخير فكل امرئ على الذي قدمه يقدم وأحسن من هذا كله قول أبي العتاهية‏:‏ إسعد بمالك في حياتك إنما يبقى وراءك مصلح أو مفسد وإذا تركت لمفسد لم يبقه وأخو الصلاح قليله يتزيد وإن استطعت فكن لنفسك وارثا إن المورث نفسه لمسدد ‏{‏إن الله بما تعملون بصير‏{‏ تقدم‏.

تفسير ابن كثير يُحذِّر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو أو الاحتمال حتى يأتي أمر اللّه من النصر والفتح، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ويحثهم على ذلك ويرغبهم فيه كما قال ابن عباس: كان حُيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود العرب حسداً، إذ خصهم اللّه برسوله صلى اللّه عليه وسلم، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل اللّه فيهما: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم} الآية. روي أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيه أنزل اللّه: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم} إلى قوله: {فاعفوا واصفحوا} قال تعالى: {كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} يقول من بعد ما أضاء لهم الحق لم يجهلوا منه شيئاً، ولكن الحسد حملهم على الجحود فعيَّرهم ووبخهم ولامهم أشد الملامة وشرع لنبيه صلى اللّه عليه وسلم وللمؤمنين ما هم عليه من التصديق والإيمان والإقرار بما أنزل اللّه عليهم وما أنزل من قبلهم بكرامته وثوابه الجزيل ومعونته له. وقال الربيع بن أنَس {من عند أنفسهم} من قِبَل أنفسهم، وقال أبو العالية: {من بعد ما تبين لهم الحق} من بعد ما تبين أن محمداً رسول اللّه يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل فكفروا به حسداً وبغياً. قال ابن عباس في قوله {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي اللّه بأمره} نسخ ذلك قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، وقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}، وكذا قال أبو العالية وقتادة والسدي: إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: {حتى يأتي الله بأمره}. وقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله} يحثهم تعالى على الاشتغال بما ينفعهم، وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، حتى يمكَّن لهم اللّه النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. ولهذا قال تعالى: {إن الله بما تعملون بصير} يعني أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل، ولا يضيع لديه سواء كان خيراً أو شراً فإنه سيجازي كل عامل بعمله. وقال ابن جرير في قوله تعالى: {إن اللّه بما تعملون بصير} هذا الخبر من اللّه للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير أو شر، سراً وعلانية فهو به بصير، لا يخفى عليه منه شيء فيجزيهم بالإحسان خيراً وبالإساءة مثلها، وهذا الكلام وإن كان قد خرج مخرج الخبر فإن فيه وعداً ووعيداً، وأمراً وزجراً وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدّوا في طاعته إذ كان مذخوراً لهم عنده حتى يثيبهم عليه كما قال تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله} وليحذروا معصيته. قال وأما قوله {بصير} فإنه مبصر صرف إلى بصير كما صرف مبدع إلى بديع و مؤلم إلى أليم، واللّه أعلم.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি