مفردات ألفاظ القرآن الكريم

ب_بان

بان - يقال: بان واستبان وتبين نحو عجل واستعجل وتعجل وقد بينته. قال الله سبحانه: { وقد تبين لكم من مساكنهم } [العنكبوت/38]، { وتبين لكم كيف فعلنا بهم } [إبراهيم/45]، و { لتستبين سبيل المجرمين } [الأنعام/55]، { قد تبينا الرشد من الغي } [البقرة/256]، { قد بينا لكم الآيات } [آل عمران/118]، و { لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } [الزخرف/63]، { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } [النحل/44]، { وليبين لهم الذي يختلفون فيه } [النحل/39]، { فيه آيات بينات } [آل عمران/97]، وقال: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات } [البقرة/185]. ويقال: آية مبينة اعتبارا بمن بينها، وآية مبينة اعتبارا بنفسها، وآيات مبينات ومبينات.

والبينة: الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة، وسمي الشاهدان بينة لقوله عليه السلام: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) (الحديث أخرجه البيهقي 8/279؛ والدارقطني 3/111؛ ولمسلم: (البينة على المدعي) وليس فيه: (واليمين... ) (انظر: صحيح مسلم رقم 1171)، وقال النووي في أربعينه: حديث حسن، رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين، وأخرجه الدارقطني بلفظ: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة) وفيه ضعف، وله عدة طرق متعددة لكنها ضعيفة، انظر: كشف الخفاء 1/289)، وقال سبحانه: { أفمن كان على بينة من ربه } [هود/17]، وقال: { ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة } [الأنفال/42]، { جاءتهم رسلهم بالبينات } [الروم/9].

والبيان: الكشف عن الشيء، وهو أعلم من النطق؛ لأن النطق مختص بالإنسان، ويسمى ما بين به بيانا. قال بعضهم: البيان على ضربين: أحدهما بالتسخير، وهو الأشياء التي تدل على حال من الأحوال من آثار الصنعة.

والثاني بالاختبار، وذلك إما يكون نطقا، أو كتابة، أو إشارة.

فمما هو بيان الحال قوله: { ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين } [الزخرف/62]، أي: كونه عدوا بين في الحال. { تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين } [إبراهيم/10]. وما هو بيان بالاختبار { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون *** بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } [النحل/43 - 44]، وسمي الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاله نحو: { هذا بيان للناس } [آل عمران/138].

وسمي ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بيانا، نحو قوله: { ثم إن علينا بيانه } [القيامة/19]، ويقال: بينته وأبنته:إذا جعلت لهه بيانا تكشفه، نحو: { لتبين للناس ما نزل إليهم } [النحل/44]، وقال: { نذير مبين } [ص/70]، و { إن هذا لهو البلاء المبين } [الصافات/106]، { ولا يكاد يبين } [الزخرف/52]، أي: يبين، { وهو في الخصام غير مبين } [الزخرف/18].

باء - أصل البواء: مساواة الأجزاء في المكان، خلاف النبو الذي هو منافاة الأجزاء. يقال: مكان بواء: إذا لم يكن نابيا بنازله، وبوأت له مكانا: سويته فتبوأ، وباء فلان بدم فلان يبوء به أي: ساواه، قال تعالى: { وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأ لقومكما بمصر بيوتا } [يونس/87]، { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق } [يونس/93]، { وتبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } [آل عمران/121]، { يتبوأ منها حيث يشاء } [يوسف/56]، وروي أنه: (كان عليه السلام يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله) (الحديث عن أبي هريرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله) أخرجه الطبراني في الأوسط، وهو من رواية يحيي بن عبيد بن دجي عن أبيه. قال الهيثمي: ولم أر من ذكرهما، وبقية رجاله موثقون. انظر: مجمع الزوائد 1/209. وأخرجه الحارث بن أبي أسامة، وانظر:المطالب العالية 1/15).

وبوأت الرمح: هيأت له مكانا، ثم قصدت الطعن به، وقال عليه السلام: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (الحديث صحيح متفق على صحته وهو في فتح الباري 3/130 في الجنائز؛ ومسلم رقم 141 في المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله. وقال جعفر الكتاني: لا يعرف حديث رواه أكثر من ستين صحابيا إلا هذا، ولا حديث اجتمع على روايته العشرة إلا هو. انظر: نظم المتناثر ص 23؛ وشرح السنة 1/253)، وقال الراعي في صفة إبل: - 77 - لها أمرها حتى إذا ما تبوأت *** بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا (البيت في ديوانه ص 164؛ وغريب الحديث 4/444؛ والجمهرة 2/347؛ والفائق 1/655) أي: يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكانا موافقا للرعي طلب الراعي لنفسه متبوأ لمضجعه. ويقال: تبوأ فلان كناية عن التزوج، كما يعبر عنه بالبناء فيقال: بنى بأهله. ويستعمل البواء في مراعاة التكافؤ في المصاهرة والقصاص، فيقال: فلان بواء لفلان إذا ساواه، وقوله عز وجل: { باء بغضب من الله } [الأنفال/16]، أي: حل مبوأ ومعه غضب الله، أي: عقوبته، وقوله: { بغضب } في موضع حال، كخرج بسيفه، أي: رجع، لا مفعول نحو: مر بزيد. واستعمال (باء) تنبيها على أن مكانه الموافق يلزمه فيه غضب الله، فكيف غيره من الأمكنة؟ وذلك على حد ما ذكر في قوله: { فبشرهم بعذاب أليم } [آل عمران/21]، وقوله: { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } [المائدة/29] أي: تقيم بهذه الحالة. قال: - 78 - أنكرت باطلها وبؤت بحقها *** (الشطر للبيد وعجزه: عندي ولم يفخر علي كرامها وهو في ديوانه ص 178؛ شرح المعلقات 1/170؛ والعباب الفاخر (بوء) 1/56) وقول من قال: أقررت بحقها فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ (قال الصاغاني: ويقال: باء بحقه، أي: أقر، وذا يكون أبدا بما عليه لا له. انظر العباب: (بوء) ؛ واللسان (بوء) ؛ والمجمل (بوء) ).

والباءة كناية عن الجماع. وحكي عن خلف الأحمر (انظر ترجمته في إنباه الرواة 1/383؛ ومعجم الأدباء 11/66؛ وهذا خطأ من المؤلف فالأحمر المراد هنا ليس خلفا بل هو علي بن المبارك الأحمر، صاحب الكسائي، وقد نقل هذا عنه أبو عبيد في الغريب المصنف) أنه قال في قولهم: حياك الله وبياك: إن أصله: بواك منزلا، فغير لازدواج الكلمة، كما غير جمع الغداة في قولهم: آتية الغدايا والعشايا (قال ابن منظور: وقالوا: إني لآتيه بالغدايا والعشايا، والغداة لا تجمع على الغدايا، ولكنهم كسروه على ذلك ليطابقوا بين لفظه ولفظ العشايا، فإذا أفردوه لم يكسروه. وقال ابن السكيت: أرادوا جمع الغداة فأتبعوها العشايا للازدواج. راجع اللسان (غدا) 15/117).

الباء - يجيء إما متعلقا بفعل ظاهر معه، أو متعلقا بمضمر، فالمتعلق بفعل ظاهر معه ضربان: - أحدهما: لتعدية الفعل، وهو جار مجرى الألف الداخل على الفعل للتعدية، نحو: ذهبت به، وأذهبته. قال تعالى: { وإذا مروا باللغو مروا كراما } [الفرقان/72]. - والثاني: للآلة، نحو: قطعه بالسكين (ذكر أبو الحسين المزني للباء واحدا وعشرين معنى، فارجع إلى كتابه (الحروف) ص 54).

والمتعلق بمضمر يكون في موضع الحال، نحو: خرج بسلاحه، أي: وعليه السلاح، أو: معه السلاح. وربما قالوا: تكون زائدة، نحو: { وما أنت بمؤمن لنا } [يوسف/17]، { وما أنا بطارد المؤمنين } [الشعراء/114]، { وكفى بنا حاسبين } [الأنبياء/47]، وفي كل ذلك لا ينفك عن معنى، ربما يدق فيتصور أن حصوله وحذفه سواء، وهما في التحقيق مختلفان، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو، فقوله: { وما أنت بمؤمن لنا } [يوسف/17]، فبينه وبين قولك: (ما أنت مؤمنا لنا) فرق، فالمتصور من الكلام إذا نصبت ذات واحدة، كقولك: زيد خارج، والمتصور منه إذا قيل: (ما أنت بمؤمن لنا ذاتان، كقولك: لقيت بزيد رجلا فاضلا، فإن قوله: رجلا فاضلا - وإن أريد به زيد - فقد أخرج في معرض يتصور منه إنسان آخر، فكأنه قال: رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل.

وعلى هذا: رأيت بك حاتما في السخاء، وعلى هذا: { وما أنا بطارد المؤمنين } [الشعراء/114]، وقوله تعالى: { أليس الله بكاف عبده } [الزمر/36].

وقوله: { تنبت بالدهن } [المؤمنون/20] قيل معناه: تنبت الدهن، وليس ذلك بالمقصود، بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن، أي: والدهن فيه موجود بالقوة، ونبه بلفظة { بالدهن } على ما أنعم به على عباده وهداهم إلى استنباطه. وقيل: الباء ههنا للحال (قال أبو البقاء: في الآية وجهان: أحدهما: هو متعد، والمفعول محذوف، تقديره: تنبت ثمرها أو جناها، والباء على هذا حال من المحذوف، أي: وفيه الدهن، كقولك: خرج زيد بثيابه، وقيل الباء زائدة، فلا حذف إذا بل المفعول الدهن. والوجه الثاني: هو لازم، يقال: نبت البقل وأنبت بمعنى، فعلى هذا الباء حال، وقيل: هي مفعول، أي: تنبت بسبب الدهن. راجع: إعراب القرآن للعكبري 2/952)، أي: حالة أن فيه الدهن.

والسبب فيه أن الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان، وقوله: { وكفى بالله شهيدا } [الفتح/28]، فقيل: كفى الله شهيدا نحو:: { وكفى الله المؤمنين القتال } [الأحزاب/25] الباء زائدة، ولو كان ذلك كما قيل لصح أن يقال: كفى بالله المؤمنين القتال، وذلك غير سائغ، وإنما يجيء ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدم ذكره. والصحيح أن (كفى) ههنا موضوع موضع اكتف، كما أن قولهم: أحسن بزيد، موضوع موضع ما أحسن. ومعناه: اكتف بالله شهيدا، وعلى هذا { وكفى بربك هاديا ونصيرا } [الفرقان/31]، { وكفى بالله وكيلا } [النساء/132]، [الأحزاب/48]، وقوله: { أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } [فصلت/53]، وعلى هذا قوله: حب إلي بفلان، أي: أحبب إلي به.

ومما أدعي فيه الزيادة: الباء في قوله: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [البقرة/195]، قيل تقديره: لا تلقوا أيديكم، والصحيح أن معناه: لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة) (انظر: مغني اللبيب ص 148)، إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه وقصدا إلى العموم، فإنه لا يجوز إلقاء أنفسهم ولا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة.

وقال بعضهم: الباء بمعنى (من) في قوله: { عينا يشرب بها المقربون } [المطففين/28]، { عينا يشرب بها عباد الله } (وجعل الباء بمعنى (من) للتبعيض أثبته الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك والكوفيون. راجع: مغنى البيب ص 142) [الإنسان/6]، والوجه ألا يصرف ذلك عما عليه، وأن العين ههنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه، نحو: نزلت بعين، فصار كقولك: مكانا يشرب به، وعلى هذا قوله تعالى: { فلا تحسبهم بمفازة من العذاب } [آل عمران/] أي: بموضع الفوز. والله تعالى أعلم.