مشكل إعراب القرآن

1 - سُورَة الْحَمد

السُّورَة يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهَا الرّفْعَة من سُورَة الْبناء فَكَأَنَّهَا منزلَة شرف فَلَا يجوز همزها وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهَا قِطْعَة من الْقُرْآن من قَوْلك أسأرت فِي الْإِنَاء أَي أبقيت فِيهِ بَقِيَّة فَيجوز همزها على هَذَا وَقد أجمع الْقُرَّاء على ترك همزها فتحتمل الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا

قَوْله عز وَجل {الْحَمد} رفع بِالِابْتِدَاءِ {وَللَّه} الْخَبَر والابتداء عَامل معنوي غير ملفوظ بِهِ وَهُوَ خلو الِاسْم الْمُبْتَدَأ من العوامل اللفظية وَيجوز نَصبه على الْمصدر وَكسرت اللَّام من لله كَمَا كسرت الْبَاء فِي بِسم الْعلَّة وَاحِدَة وَقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ أصل اللَّام أَن تكون مَفْتُوحَة بِدلَالَة انفتاحها مَعَ الْمُضمر والإضمار يرد الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَإِنَّمَا كسرت مَعَ الظَّاهِر للْفرق بَينهَا وَبَين لَام التَّأْكِيد قَالَ أَبُو مُحَمَّد وفيهَا نظر يطول ذكره وَاللَّام مُتَعَلقَة بالْخبر الْمَحْذُوف الَّذِي قَامَت مقَامه كَمَا كَانَت الْبَاء فِي بِسم الله تَقْدِيره الْحَمد ثَابت لله أَو مُسْتَقر وَشبهه وَيجوز نصب رب الْعَالمين على النداء أَو على الْمَدْح وَيجوز رَفعه على هُوَ رب الْعَالمين فَكَذَلِك ملك يَوْم الدّين مثله وَيَوْم الدّين ظرف جعل مَفْعُولا على السعَة فَلذَلِك أضيف إِلَيْهِ ملك وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَة من قَرَأَ مَالك بِالْألف فَأَما من قَرَأَ مَالك فَلَا بُد من تَقْدِير مفعول مَحْذُوف تَقْدِيره مَالك يَوْم الدّين الْفَصْل وَالْقَضَاء وَنَحْوه لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَجمع مَالك ملاك وَملك وَجمع ملك أَمْلَاك وملوك وَقد قَرَأَ أَبُو عَمْرو ملك بِإِسْكَان اللَّام كَمَا يُقَال فَخذ وفخذ وَجمعه على هَذَا أملك وملوك وَقد يجوز النصب فِي ملك على الْحَال أَو على النداء أَو على الْمَدْح وعَلى النَّعْت لرب على قَول من نَصبهوَإِنَّمَا نذْكر هَذِه الْوُجُوه ليعلم تصرف الْإِعْرَاب ومقاييسه لَا لِأَن يقْرَأ بِهِ فَلَا يجوز أَن يقْرَأ إِلَّا بِمَا رُوِيَ وَصَحَّ عَن الثِّقَات الْمَشْهُورين عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رَضِي الله عَنْهُم وَوَافَقَ خطّ الْمُصحف

قَوْله عز وَجل {إياك نعْبد} ايا عِنْد الْخَلِيل وَغَيره اسْم مُضْمر أضيف إِلَى الْكَاف وَهُوَ شَاذ لَا يعلم اسْم مُضْمر أضيف غَيره وَحكي ابْن كيسَان أَن الْكَاف هِيَ 2 الِاسْم وايا أَتَى بهَا لتعتمد الْكَاف عَلَيْهَا إِذْ لَا تقوم بِنَفسِهَا وَقَالَ الْمبرد ايا اسْم مُبْهَم أضيف للتخصيص وَلَا يعرف اسْم مُبْهَم مَبْنِيّ أضيف غَيره وَمن أصل الْمُبْهم إِذا أضيف أَن يكون نكرَة وَأَن يعرب نَحْو غير وَبَعض وكل وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إياك بِكَمَالِهِ أسم مُضْمر وَلَا يعرف اسْم مُضْمر يتَغَيَّر آخِره فَتَقول فِيهِ إِيَّاه وَإِيَّاهَا وَإِيَّاكُم غير هَذَا وَهُوَ مَنْصُوب بنعبد مفعول مقدم وَلَو تَأَخّر لم ينْفَصل ولصار كافا مُتَّصِلَة فَقلت نعبدك

قَوْله {نستعين} وَزنه نستفعل وَأَصله نستعون لِأَنَّهُ من العون فألقيت حَرَكَة الْوَاو على الْعين فَانْكَسَرت الْعين وسكنت الْوَاو فَانْقَلَبت يَاء لانكسار مَا قبلهَا إِذْ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب وَاو سَاكِنة قبلهَا كسرة وَلَا يَاء سَاكِنة قبلهَا ضمة وَإِنَّمَا أعل لاعتلال الْمَاضِي والمصدر استعانة وَأَصله استعوان فألقيت حَرَكَة الْوَاو على الْعين وقلبت الْوَاو ألفا وحذفت إِحْدَى الْأَلفَيْنِ لالتقاء الساكنين قيل الأولى وَقيل الثَّانِيَة وَدخلت الْهَاء عوضا من الْمَحْذُوف وَيجوز كسر النُّون وَالتَّاء وَالْألف فِي أول هَذَا الْفِعْل وَفِي نَظِيره فِي غير الْقُرْآن وَلَا يحسن ذَلِك فِي الْيَاء

قَوْله جلّ وَعلا {اهدنا} طلب وسؤال وَمَجْرَاهُ فِي الْإِعْرَاب مجْرى الْأَمر لكنه مَبْنِيّ عِنْد الْبَصرِيين حذف الْيَاء مِنْهُ بِنَاء ومعرب عِنْد الْكُوفِيّين حذ ف الْيَاء مِنْهُ جزم وَالْألف ألف وصل كسرت فِي الِابْتِدَاء لسكونها وَسُكُون مَا بعْدهَا لِأَنَّهَا اجتلبت ليبدأ بهَا ولاحظ لَهَا فِي الحركات وَقيل كسرت بِكَسْر الثَّالِث وَلم تضم لثقل الْخُرُوج من ضم إِلَى كسر وَلم تفتح لِئَلَّا تشبه ألف الْمُتَكَلّم وَهَذِه عِلّة ألف الْوَصْل حَيْثُ وَقعت فِي الْأَفْعَال والأسماء فان كَانَ الثَّالِث من الْفِعْل مضموما ضمت الْألف لِلِاتِّبَاعِ فحركتها لالتقاء الساكنين واختيرت الضمة لانضمام الثَّالِث نَحْو ادخل اخْرُج فَأَما ألف الْوَصْل الَّتِي مَعَ لَام التَّعْرِيف فِي الرجل والغلام فَهِيَ مَفْتُوحَة فِي الِابْتِدَاء للْفرق بَين دُخُولهَا على الْأَفْعَال والأسماء ودخولها على الْحُرُوف واهدنا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَيجوز الِاقْتِصَار على أَحدهمَا وهما فِي هَذَا الْموضع نَا والصراط

قَوْله {الْمُسْتَقيم} أَصله المستقوم واعتلاله فِي الِاسْم والمصدر كاعتلال نستعين

قَوْله {صِرَاط الَّذين} بدل من الصِّرَاط الأول وَالَّذين اسْم مُبْهَم مَبْنِيّ نَاقص يحْتَاج إِلَى صلَة وعائد فَهُوَ غير مُعرب فِي الْوَاحِد وَالْجمع ويعرب فِي التَّثْنِيَة لصِحَّة التَّثْنِيَة إِذْ لَا تخْتَلف وَلَا تَأتي فِي جَمِيع الْأَسْمَاء إِلَّا على مِثَال وَاحِد وَلَيْسَ كَذَلِك الْجمع وَعلة بِنَاء الَّذِي أَنه شابه الْحُرُوف لابهامه ووقوعه على كل شَيْء فَمنع الْإِعْرَاب كَمَا منعته الْحُرُوف وَقيل إِنَّمَا بني لِأَنَّهُ نَاقص يحْتَاج إِلَى صلَة فَهُوَ كبعض اسْم وَبَعض الِاسْم مَبْنِيّ أبدا لِأَن الْإِعْرَاب إِنَّمَا يكون فِي أَوَاخِر الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال وَقد قيل أَن الَّذين اسْم للْجمع وَلَيْسَ بِجمع وَوَاحِد الَّذين لذ كعم وشج فَلَمَّا دَخلته الْألف وَاللَّام ولزمتا عَادَتْ الْيَاء كَمَا تعود فِي قَاض فَقلت الَّذِي وَأَصله أَن يكْتب بلامين إِلَّا أَنهم حذفوا إِحْدَى اللامين لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال تَخْفِيفًا وَجرى الْجمع على الْوَاحِد إِذْ هُوَ مَبْنِيّ مثله إِذْ هُوَ أقرب إِلَيْهِ فِي الْإِعْرَاب وكتبت التَّثْنِيَة بلامين على الأَصْل وصلَة الَّذين قَوْله أَنْعَمت عَلَيْهِم وَالْهَاء وَالْمِيم تعود عَلَيْهِم

قَوْله {غير المغضوب عَلَيْهِم} غير اسْم مُبْهَم أَلا أَنه أعرب للزومه الْإِضَافَة وخفضه على الْبَدَل من الَّذين أَو على النَّعْت لَهُم إِذْ لَا يقْصد بهم قصد أشخاص بأعيانهم فجروا مجْرى النكرَة فَجَاز أَن يكون غير نعتا لَهُم وَمن أصل غير أَنَّهَا نكرَة وَإِن أضيفت إِلَى معرفَة لِأَنَّهَا لَا تدل على شَيْء معِين وَقد رُوِيَ نصب غير عَن ابْن كثير وَغَيره ونصبها على الْحَال من الْهَاء وَالْمِيم فِي عَلَيْهِم أَو من الَّذين إِذْ لَفظهمْ لفظ الْمعرفَة وَأَن شِئْت نصبته على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع عِنْد الْبَصرِيين وَمنعه الْكُوفِيُّونَ لأجل دُخُول لَا وَأَن شِئْت نصبته على اضمار أَعنِي وَعَلَيْهِم الثَّانِي فِي مَوضِع رفع مفعول لم يسم فَاعله للمغضوب لِأَنَّهُ بِمَعْنى الَّذين غضب عَلَيْهِم وَلَا ضمير فِيهِ إِذْ لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِحرف جر بِمَنْزِلَة مر بزيد وَلذَلِك لم يجمع

قَوْله {وَلَا الضَّالّين} لَا زَائِدَة للتوكيد عِنْد الْبَصرِيين وَبِمَعْنى غير عِنْد الْكُوفِيّين وَمن الْعَرَب من يُبدل من الْحَرْف السَّاكِن الَّذِي قبل المشدد همزَة فَيَقُول وَلَا الضَّالّين وَذَلِكَ إِذا كَانَ ألفا وَبِه قَرَأَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ أَرَادَ أَن يُحَرك الْألف لالتقاء الساكنين فَلم يُمكن تحريكها فأبدل مِنْهَا حرفا مواخيا لَهَا قريب الْمخْرج مِنْهَا أجلد مِنْهَا وَأقوى وَهُوَ الْهمزَة