حكمها

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصى به فلان بن فلان أن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ويشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به ابرهيم بنيه ويعقوب: " إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ".
حكمتها: جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم فضعوها حيث شئتم أو حيث أحببتم ". والحديث ضعيف.
أفاد هذا الحديث أن الوصية قربة يتقرب بها
الانسان إلى الله عز وجل في آخر حياته كي تزداد حسناته أو يتدارك بها ما فاته، ولما فيها من البر بالناس والمواساة لهم.
حكمها:
أما حكمها أي وصفها الشرعي من حيث كونها

مطلوبة الفعل أو الترك (1) فقد اختلف العلماء فيه إلى عدة آراء نجملها فيما يلي: الرأي الاول: يرى أن الوصية واجبة على كل من ترك مالا سواء أكان المال قليلا أم كثيرا، قاله الزهري وأبو مجلز.
وهذا رأي ابن حزم وروى الوجوب عن ابن عمر وطلحة والزبير وعبد لله بن أبي أوفى وطلحة بن مطرف وطاوس والشعبي قال: وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا.
واستدلوا بقول الله تعالى: " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين " (2) .
الرأي الثاني: يرى أنها تجب للوالدين والاقربين الذين لا يرثون الميت.
وهذا مذهب مسروق وإياس وقتادة وابن جرير والزهري.

(1) أما حكمها من حيث أثرها المترتب عليها فهو الملك للموصى له للموصى به متى مات الموصي.
(2) سورة البقرة الاية رقم 180.

الرأي الثالث: وهو قول الائمة الاربعة والزيدية أنها ليست فرضا على كل من ترك مالا كما في الرأي الاول.
ولا فرضا للوالدين والاقربين غير الوارثين كما هو الرأي الثاني وإنما يختلف حكمها باختلاف الاحوال.
فقد تكون واجبة أو مندوبة أو محرمة أو مكروهة أو مباحة.
وجوبها: فتجب في حالة ما إذا كان على الانسان حق شرعي يخشى أن يضيع إن لم يوص به: كوديعة ودين لله أو لادمي، مثل أن يكون عليه زكاة لم يؤدها أو حج لم يقم به أو تكون عنده أمانة تجب عليه أن يخرج منها أو يكون عليه دين لا يعلمه غيره أو يكون عنده وديعة بغير إشهاد.
استحبابها: وتندب في القربات وللاقرباء الفقراء وللصالحين من الناس.
حرمتها: وتحرم إذا كان فيها اضرار بالورثة.
روى عبد الرازق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا

أوصى جاف (1) في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار.
وان الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة.
قال أبو هريرة اقرأوا إن شئتم: " تلك حدود الله فلا تعتدوها " (2) .
روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح قال ابن عباس: " الاضرار في الوصية من الكبائر ".
ورواه النسائي مرفوعا ورجاله ثقات.
[ومثل هذه الوصية التي يقصد بها الاضرار باطلة ولو كانت دون الثلث] .
وتحرم كذلك إذا أوصى بخمر أو ببناء كنيسة أو دار للهو.
كراهتها: وتكره إذا كان الموصي قليل المال وله وارث أو ورثة يحتاجون إليه، كما تكره لاهل الفسق متى علم أو غلب على ظنه أنهم سيستعينون بها على الفسق والفجور.
فإذا علم الموصي أو غلب على ظنه أن الموصى له سيستعين بها على الطاعة فإنها تكون مندوبة.

(1) جاف: جار.
(2) سورة البقرة الاية رقم 229.