ويتأكد ذلك عند العبادة وفي الجمعة والعيدين وفي المجتمعات العامة.
فعن محمد بن يحيى بن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما على أحدكم إن وجد (1) أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوي ثوبي مهنته " (2) .
اللباس الحرام: أما اللباس الحرام فهو لباس الحرير والذهب للرجال، ولبس الرجل ما يختص بالنساء من ملابس.
ولبس النساء ما يختص بالرجال من ملابس.
ولبس ثياب الشهرة والاختيال وكل ما فيه إسراف.
لبس الحرير والجلوس عليه: جاءت الاحاديث مصرحة بتحريم لبس الحرير والجلوس عليه بالنسبة للرجال، نذكرها فيما يلي: 1 - فعن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " (3) .
(1) أي: إذا وسعه.
(2) رواه أبو داود.
(3) رواه البخاري ومسلم.
2 - وعن عبد الله بن عمر: أن عمر رأى حلة من إستبرق تباع.
فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله ابتع هذه، فتجمل بها للعيد وللوفود.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذه لباس من لا خلاق له.
ثم لبث عمر ما شاء الله أن يلبث فأرسل صلى الله عليه وسلم إليه بجبة ديباج.
فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قلت: إنما هذه لباس من لاخلاق له.
ثم أرسلت إلي بهذه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أرسلها إليك لتلبسها ولكن لتبيعها وتصيب بها حاجتك " (1) .
3 - وعن حذيفة قال: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها.
وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال: " هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة " (2) .
بمقتضى هذه الاحاديث ذهب الجمهور من العلماء إلى تحريم لبس الحرير وافتراشه (3) بل ذكر المهدي
(1) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
(2) رواه البخاري.
(3) يرى أبو حنيفة وابن الماجشون من المالكية وبعض الشافعية جواز افتراش الحرير والجلوس عليه لان النهي عن اللبس فقط.
وهذا مخالف للاحاديث
الصحيحة.
في البحر أنه مجمع عليه.
وحكى القاضي عياض عن جماعة أباحته منهم ابن عليه.
واستدلوا على قولهم هذا بالاحاديث الآتية:
1 - عن عقبة قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير (1) فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا عنيفا شديدا كالكاره له ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين " (2) .
2 - وعن المسور بن مخرمة أنه قدمت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية فذهب هو وأبوه للنبي صلى الله عليه وسلم لشئ منها.
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء من ديباج مزردة، فقال: يا مخرمة خبأنا لك هذا وجعل يريه محاسنه وقال: أرضي مخرمة؟ (3) 3 - وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم لبس مستقة (4) من سندس (5) أهداها له ملك الروم ثم بعث
(1) قباء مفتوح من الخلف.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) فرو طويل الكمين.
(5) رفيع الحرير.
بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه فقال: إني لم أعطكها لتلبسها.
قال: فما أصنع؟ قال: أرسل بها إلى أخيك النجاشي " (1) .
4 - ولبس الحرير أكثر من عشرين صحابيا منهم أنس والبراء من عازب " (2) .
وأجاب الجمهور عن أدلة القائلين بالجواز بالادلة الدالة على التحريم التي ذكرناها أولا وقالوا: إن حديث عقبة فيه: " أنه لا ينبغي هذا للمتقين ".
فإذا كان لبسه لا يلائم المتقين فهو بالتحريم أجدر.
وقالوا: في حديث المسورو حديث أنس إنهما من قبيل الافعال فلا تقاوم الاقوال الدالة على التحريم.
على أنه لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير ثم كان التحريم آخر الامرين كما يشعر بذلك حديث جابر: قال: لبس النبي صلى الله عليه وسلم قباء له من ديباج أهدي إليه ثم أوشك
(1) رواه أبو داود.
(2) رواه أبو داود.
أن نزعه وأرسل به إلى عمر بن الخطاب.
فقيل: قد أوشكت ما نزعته يا رسول الله! قال: نهاني عنه جبريل عليه السلام.
فجاءه عمر يبكي فقال: يارسول الله، كرهت أمرا وأعطيتنيه، فمالي؟ قال: ما أعطيتك لتلبسه وانما أعطيتك تبيعه.
فباعه بألفي درهم " (1) .
وقالوا أيضا: حديث أنس في سنده علي بن زيد بن جدعان لا يحتج بحديثه.
وقالوا: إن ما لبسه الصحابة كان خزا، وهو ما نسج من صوف وابريسم.
وقال الخطابي: يشبه أن تكون المستقة مكففة بالسندس.
رأي الشوكاني: وقال الشوكاني: " إن أحاديث النهي تدل على الكراهية جمعا بينها وبين أدلة الجواز قال في نيل الاوطار: ويمكن أن يقال إن لبسه صلى الله عليه وسلم لقباء الديباج وتقسيمه للاقبية بين أصحابه وليس فيه ما يدل على أنه متقدم على أحاديث النهي، كما أنه ليس فيها ما يدل على أنها متأخرة عنه فيكون قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة ويكون ذلك جمعا بين الادلة.
(1) رواه أحمد وروى مسلم نحوه.
ومن مقويات هذا ما تقدم أنه لبسه عشرون صحابيا ويبعد كل البعد أن يقدموا على ما هو محرم في الشريعة، ويبعد أيضا أن يسكت عنهم سائر الصحابة وهم يعلمون تحريمه، فقد كان ينكر بعضهم على بعض ما هو أخف من هذا ".
اباحة الحرير للنساء وعند الاعذار واليسير عنه: هذا الحكم بالنسبة للرجال.
أما النساء فإنه يحل لهن لبس الحرير وافتراشه.
كما يحل للرجال عند وجود عذر.
وقد جاء في ذلك من النصوص ما يلي: - 1 - فعن علي قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء (1) فبعث بها إلي فلبستها فعرفت الغضب في وجهه فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمرا بين النساء " (2) .
2 - وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة
(1) التي فيها خطوط كالسيور وهي برود من الحرير أو الغالب فيها الحرير.
وفسرت بغير ذلك.
(2) رواه البخاري ومسلم.
كانت بهما " (1) .
قال في الحجة البالغة: لانه لم يقصد به حينئذ الارفاه وإنما قصد به الاستشفاء.
3 - وعن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع اصبعين أو ثلاثة أو أربعة (2) "
قال في الحجة البالغة: لانه ليس من باب اللباس وربما تقع الحاجة إلى ذلك.
الحرير المخلوط بغيره: كل ما تقدم خاص بالحرير الخالص.
أما الحرير المخلوط بغيره فعند الشافعية أن الثوب إذا كان أكثره من الحرير فهو حرام وإن كان نصفه فما دونه من الحرير فليس بحرام.
فهم يرون أن للاكثر حكم الكل.
قال النووي: أما المختلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون الحرير أكثر وزنا.
جواز لبس الصبيان للحرير: وأما الصبيان (3) من الذكور فيحرم عليهم أيضا
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم وأصحاب السنن.
(3) الحرمة على الاولياء لاعلى الصبيان لانهم غير مكلفين.
عند أكثر الفقهاء لعموم النهي عن الليس.
وأجازه الشافعية.
قال النووي: وأما الصبيان فقال أصحابنا يجوز إلباسهم الحلي والحرير في يوم العيد لانه لا تكليف عليهم.
وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه أصحها جوازه
والثاني تحريمه والثالث يحرم بعد سن التمييز.