القضاء على الغائب الذي لا وكيل له

ولم يختلف أحد من الفقهاء في هذا، إلا أن أبا حنيفة قال: إن القضاء في العقود والفسوخ ينفذ ظاهرا وباطنا..فإذا شهد شاهد زور عند القاضي على طلاق امرأة فحكم القاضي بالطلاق طلقت من زوجها بقضائه، وجاز لها أن تتزوج من آخر.
كما يجوز أن يتزوجها من شهد بطلاقها زورا.
وكذلك لو شهد شهادة زور على أجنبية أنها زوجة لرجل أجنبي ليست له بزوجة فحكم القاضي بمقتضى هذه الشهادة فإنها تحل له بمقتضى هذا الحكم.
وما ذهب إليه أبو حنيفة من التفرقة بين قضايا الدماء والاملاك وقضايا العقود والفسوخ غير صحيح لانه لافرق بين هذا وذاك.
وخالفه في ذلك أصحابه.
القضاء على الغائب الذي لا وكيل له:
يجوز للمدعي أن يدعي على الغائب الذي لا وكيل له.
ويجوز للحاكم أن يحكم عليه متى ثبتت الدعوى.
ودليل ذلك:
1 - أن الله سبحانه وتعالى يقول:

" فاحكم بين الناس بالحق " (1) والذي ثبت بالبينة حق فيجب الحكم به.
2 - ذكرت هند لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان رجل شحيح هل لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه؟ فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". وهذا قضاء على غائب.
3 - وروى مالك في الموطا أن عمر قال: من كان له دين فليأتنا غدا فإنا بايعو ماله وقاسموه بين غرمائه.
وكان الشخص الذي قضى عليه ببيع ماله غائبا.
4 - ولان الامتناع عن القضاء عليه اضاعة الحقوق إذ لا يعجز الممتنع عن الوفاء من الغيبة، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد وقالوا: ان الغائب لا يفوت عليه حق فانه إذا حضر كانت حجته قائمة وتسمع ويعمل بمقتضاها ولو أدى إلى نقض الحكم لانه في حكم المشروط.
وقال شريح وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى

(1) سورة " ص " الاية رقم 26