رسالة عمربن الخطاب في القضاء

ولا استحق لاجل كونه حاكما شيئا من أموال الناس اتفاقا.
فأجرة العمل أجرة مثله، فأخذ الزيادة على أجرة مثله حرام.
ولذا قيل إن تولية القضاء من كان غنيا أولى من توليته من كان فقيرا.
وذلك لانه لفقره يصير متعرضا لتناول ما لا يجوز له تناوله إذا لم يكن له رزق من بيت المال " ا. هـ.
رسالة عمربن الخطاب في القضاء:
ولقد وضع عمربن الخطاب الدستور المحكم للقضاء في الرسالة التي أرسلها إلى أبي موسى الاشعري نذكرها فيما يلي.
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمربن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. سلام عليك.
أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لانفاذ له، آس (1) بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى

(1) آس بين الناس: سوبينهم

لا يطمع شريف في حيفك (1) ولا ييأس ضعيف من عدلك.
البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.
لا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق.
فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما تلجلج (2) في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الاشباه والامثال فقس الامور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق، واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلا استحللت عليه القضية فإنه أنفى للشك وأجلى للعمى.
المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا (3) في ولاء أو نسب، فإن الله تولى منكم السرائر ودرأ (4) بالبينات والايمان، وإياك والقلق والضجر (5)

(1) حيفك: أي ميلك معه لشرفه.
(2) تلجلج: تردد.
(3) ظنين: متهم.
(4) درأ: دفع.
(5) القلق والضجر: ضيق الصدر وقلة الصبر