شركات التأمين:

شركات التأمين:
أفتى فضيلة الشيخ أحمد ابراهيم بعدم جواز عقود التأمين على الحياة، فقال: إن حقيقة الامر في عقود التأمين على الحياة هو عدم صحتها، ولبيان ذلك أقول: إن عاقد التأمين مع الشركة إذا أوفى الاقساط حال حياته كان له أن يسترد من الشركة كل المبلغ الذي دفعه مقسطا مع الربح الذي اتفق عليه مع الشركة.
فأين هذا من عقد المضاربة الجائزة شرعا؟.
فعقد المضاربة: أن يعطي زيد بكرا مائة جنيه (مثلا) ليتجر بها بكر على أن يكون الربح بينهما مشتركا بنسبة كذا على حسب ما يتفقان، لرب المال النصف وللمضارب الذي هو العامل النصف. الاول في مقابلة ماله، والثاني

في مقابلة عمله.
أو يكون للاول الثلثان وللثاني الثلث أو العكس. وهكذا.
فشرط صحة المضاربة الاساسي أن يأخذ رب المال حقه مما تربحه التجارة بماله بعمل المضارب.
فإذا لم تكسب التجارة ولم تخسر سلم لرب المال رأس ماله ولا شئ له ولا للمضارب بعد ذلك لعدم الربح، عملا بحكم المضاربة.
وإذا خسرت التجارة كانت الخسارة على رب المال من رأس ماله دون المضارب، ولاشئ للمضارب في مقابل عمله لانه في هذه الحالة شريك وليس بأجير.
أما إذا شرط رب المال على المضارب أن يأخذ رب المال مقدارا معينا فوق رأس ماله بصرف النظر عن كون التجارة كسبت أو خسرت، فهذا شرط فاسد، لانه يؤدي إلى قطع الشركة في الربح، وهذا مخالف لحكم المضاربة، أو إلى التزام المضارب بدفع مبلغ من ماله الخاص لرب المال. وهذا من باب أكل أموال الناس بالباطل.
ثم إذا فسدت المضاربة بالشرط الذي ذكرته آنفا وهو الموجود في عقد التأمين، وربحت التجارة، كان الربح كله لرب المال.
وأما المضارب فاء على رب المال أجر مثل

عمله بالغا ما بلغ، على رواية الاصل لمحمد (رحمه الله) لانه انقلب أجيرا بفساد المضاربة وخرج عن كونه شريكا.
وعلى قول أبي يوسف المفتى به يكون للعامل أجر مثل (1) عمله دون أن يتجاوز المتفق عليه في العقد.
وذلك لان المضاربة إذا كانت صحيحة لم يكن للعامل إلا المتفق عليه مع الربح.
فإذا فسد العقد فلا ينبغي أن يستفيد المضارب من العقد الفاسد أكثر مما يستفيده من العقد الصحيح.
وقول محمد في الاصل هو القياس. وقول أبي يوسف استحسان، للمعنى الذي قلنا. هـ
ذه هي المضاربة الشرعية، وهذه هي أحكامها ... فهل يندرج عقد التأمين تحت المضاربة الصحيحة؟.
الجواب: لا. وإذن هو يندرج تحت المضاربة الفاسدة.
وحكمها شرعا هو ما أسمعتك هنا، وهو مخالف لحكم عقد التأمين قانونا. ولا يمكن أن يقال إن الشركة تتبرع للمؤمن بما

(1) أجر المثل: هو الاجر الذي قدره أهل الحبرة المنزهين عن الهوى والتحيز، ويكون اختيارهم بموافقة المتعاقدين أو باختيار الحاكم.

التزمته.
لان طبيعة عقد التأمين قانونا أنه من عقود المعاوضة الاحتمالية. وإذا قيل إن ما يدفعه المؤمن للشركة يعتبر قرضا يسترده مع أرباحه إذا كان حيا، فهذا قرض جر نفعا. وهو حرام. وهذا هو الربا المنهي عنه.
وبالجملة فالموضوع على أي وجه قلبته وجدته لا ينطبق على عقد يصححه الشرع الاسلامي.
وهذا الذي قدمناه هو فيما إذا بقي المؤمن على حياته حيا بعد توفيته ما التزمه على نفسه من الاقساط، أما إذا مات قبل إيفاء جميع الاقساط، وقد يموت بعد دفع قسط واحد فقط، وقد يكون الباقي مبلغا عظيما جدا، لان مبلغ التأمين على الحياة موكول تقديره إلى طرفي العقد على ما هو معلوم، فإذا أدت الشركة المتفق عليه كاملا لورثته أو لمن جعل له المؤمن ولاية قبض ما التزمت به الشركة بعد موته، ففي مقابل أي شئ دفعت الشركة هذا المبلغ؟.
أليست هذه مخاطرة ومغامرة؟ وإذا لم يكن هذا من صميم المغامرة، ففي أي شئ المغامرة إذن ... ؟ وهل يتصور أن يجيز شرع يحرم أكل أموال الناس

بالباطل أن يكون موت شخص مصدرا لان يجني ورثته أو من يقوم مقامه بعد موته ربحا اتفق عليه قبل موته مع آخر مجازف يؤديه بعد موت الاول إلى هؤلاء؟ مع العلم بأنه يجوز الاتفاق على أي مبلغ، بالغا قدره ما بلغ؟
ومتى كانت حياة الانسان وموته محلا للتجارة، ومن الاشياء التي تقوم بالمال غير الواقف مقداره عند أي حد، بل يوكل ذلك إلى تقدير العاقدين؟ على أن المغامرة حاصلة أيضا من ناحية أخرى.
فإن المؤمن له، بعد أن يوفي جميع ما التزمه من الاقساط يكون له كذا.
وإن مات قبل أن يوفيها كلها يكون لورثته كذا.
أليس هذا قمارا ومخاطرة؟ حيث لا علم له ولا للشركة بما سيكون من الامرين على التعيين ...