علة التحريم

علة التحريم:
هذه الاعيان الستة التي خصها الحديث بالذكر تنتظم الاشياء الاساسية التي يحتاج الناس إليها والتي لا غنى لهم عنها.
فالذهب والفضة هما العنصران الاساسيان للنقود تنضبط بها المعاملة والمبادلة، فهما معيار الاثمان الذي يرجع إليه
في تقويم السلع.
وأما بقية الاعيان الاربعة فهي عناصر الاغذية وأصول القوت الذي به قوام الحياة.
فإذا جرى الربا في هذه الاشياء كان ضارا بالناس ومفضيا إلى الفساد في المعاملة، فمنع الشارع منه رحمة بالناس ورعاية لمصالحهم.
ويظهر من هذا أن علة التحريم بالنسبة للذهب والفضة كونهما ثمنا، وأن علة التحريم بالنسبة لبقية الاجناس كونها طعاما.
فإذا وجدت هذه العلة في نقد آخر غير الذهب والفضة أخذ حكمه، فلا يباع إلا مثلا بمثل يدا بيد.
وكذلك إذا وجدت هذه العلة في طعام آخر غير القمح والشعير والتمر والملح، فإنه لا يباع إلا مثلا بمثل يدا بيد.
روى مسلم عن معمر بن عبد الله عن النبي أنه نهى

عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل، فكل ما يقوم مقام هذه الاجناس الستة يقاس عليها ويأخذ حكمها، فإذا اتفق البدلان في الجنس والعلة حرم التفاضل وحرم النساء أي التأجيل.
فإذا بيع ذهب بذهب أو قمح بقمح فإنه يشترط لصحة هذا التبادل شرطان: 1 - التساوي في الكمية بقطع النظر عن الجودة والرداءة للحديث المذكور، ولما رواه مسلم أن رجلا جاء
إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشئ من التمر، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم،: ما هذا من تمرنا؟ فقال الرجل: يارسول الله، بعنا تمرنا صاعين بصاع.
فقال صلى الله عليه وسلم: ذلك الربا، ردوه ثم بيعوا تمرنا ثم اشتروا لنا من هذا.
وروى أبو داود عن فضالة قال: أتي النبي، صلى الله عليه وسلم، بقلادة فيها ذهب وخرز اشتراها رجل بتسعة دنانير أو سبعة، فقال النبي: لا، حتى تميز بينهما.
قال: فرده حتى ميز بينهما.
ولمسلم: " أمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال: الذهب بالذهب وزنا بوزن " (1) .

(1) أفاد ابن القيم يحل بيع المصوغات المباحة بأكثر من وزنها ذهبا، والمصوغات الفضية المباحة بأكثر من وزنها فضة.

2 - عدم تأجيل أحد البدلين، بل لا بد من التبادل الفوري، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يدا بيد ".
وفي هذا يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا (1) بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبا منها بناجز ".
رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد.
وإذا اختلف البدلان في الجنس واتحدا في العلة حل التفاضل وحرم النساء.
فإذا بيع ذهب بفضة أو قمح بشعير فهنا يشترط شرط واحد وهو الفورية، ولا يشترط التساوي في الكم بل يجوز التفاضل.
روى أبو داود أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " لا بأس ببيع البر بالشعير، والشعير أكثرهما، يدا بيد ".
وفي حديث عبادة عند أحمد ومسلم: " فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا

(1) تشفوا: تفضلوا.

كان يدا بيد ".
وإذا اختلف البدلان في الجنس والعلة فإنه لا يشترط شئ فيحل التفاضل والنساء.
فإذا بيع الطعام بالفضة حل التفاضل والتأجيل، وكذا إذا بيع ثوب بثوبين أو إناء بإناءين.
والخلاصة أن كل ما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيه الربا، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا ونسيئة، ويجوز فيه التفرق قبل التقابض، فيجوز بيع شاة بشاتين نسيئة، ونقدا، وكذلك شاة بشاة لحديث عمرو بن العاص (أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمره أن يأخذ في قلائص الصدقة البعير بالبعيرين إلى الصدقة) .
أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
ورواه البيهقي، وقوى الحافظ بن حجر إسناده.
وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اشترى عبدا بعبدين أسودين، واشترى جارية بسبعة أرؤس، وإلى هذا ذهب الشافعي.
بيع الحيوان بلحم: قال جمهور الائمة: لا يجوز بيع حيوان يؤكل بلحم