بيع الفضولي

فمن الصحابة: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر وغيرهما.
ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز، وشريح القاضي، وعبد العزيز بن مسلمة، مفتي المدينة وغيرهم.
3 - الثالث: أن يكون المتصرف فيه مملوكا للتعاقد، أو مأذونا فيه من جهة المالك، فإن وقع البيع أو الشراء قبل إذنه فإن هذا
يعتبر من تصرفات الفضولي.
بيع الفضولي:
والفضولي هو الذي يعقد لغيره دون إذنه، كأن يبيع الزوج ما تملكه الزوجة دون إذنها، أو يشتري لها ملكا دون إذنها له بالشراء.
ومثل أن يبيع إنسان ملكا لغيره وهو غائب، أو يشتري - دون إذن منه - كما يحدث عادة.
وعقد الفضولي يعتبر عقدا صحيحا، إلا أن لزومه يتوقف على إجازة المالك أو وليه (1) ، فإن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل.

(1) هذا مذهب المالكية وإسحاق بن راهويه وإحدى الروايتين عند الشافعية والحنابلة.

ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عروة البازقي أنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بدينار لاشتري له به شاة، فاشتريت له به شاتين.
بعت إحداهما بدينار وجئته بدينار وشاة، فقال لي: (بارك الله في صفقة يمينك) .
وروى أبو داود والترمذي، عن حكيم بن حزام، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار، فاشتري أضحية فأربح فيها دينارا فباعها بدينارين، ثم اشترى شاة أخرى مكانها بدينار، وجاء بها وبالدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (بارك الله لك في صفقتك) .
ففي الحديث الاول أن عروة اشترى الشاة الثانية وباعها دون إذن مالكها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجع إليه وأخبره أقره ودعا له، فدل ذلك على صحة شراء الشاة الثانية وبيعه إياها.
وهذا دليل على صحة بيع الانسان ملك غيره وشرائه له دون إذن.
وإنما يتوقف على الاذن مخافة أن يلحقه من هذا

التصرف ضرر.
وفي الحديث الثاني أن حكيما باع الشاة بعدما اشتراها وأصبحت مملوكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اشترى له الشاة الثانية ولم يستأذنه، وقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تصرفه وأمره أن يضحي بالشاة التي أتاه بها ودعا له، فدل ذلك على أن بيعة الشاة الاولى وشراءه الثانية صحيح.
ولو لم يكن صحيحا لا نكره عليه وأمره برد صفقته.
4 - الرابع: أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه شرعا وحسا، فما لا يقدر على تسليمه حسا لا يصح بيعه كالسمك في الماء.
وقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر) .
وقد روي عن عمران بن الحصين مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روي النهي عن ضربة الغائض.
والمراد به أن يقول من يعتاد الغوص في البحر لغيره: ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن.
ومثله الجنين في بطن أمه.
ويدخل في هذا بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه

إلى محله، فإن اعتاد الطائر رجوعه إلى محله، ولو كيلا، لم يصح أيضا عند أكثر العلماء إلا النحل (1) ، لان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الانسان ما ليس عنده.
ويصح عند الاحناف لانه مقدور على تسليمه إلا النحل.
ويدخل في هذا الباب عسب الفحل، وهو ماؤه، والفحل الذكر من كل حيوان: فرسا، أو جملا أو ت يسا، وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما رواه البخاري وغيره، لانه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.
وقد ذهب الجمهور إلى تحريمه بيعا وإجازة، ولا بأس بالكرامة، وهي ما يعطى على عسب الفحل من غير اشتراط شئ عليه.
وقيل: يجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وبه قال: الحسن وابن سيرين، وهو مروي عن مالك، ووجه للشافعية والحنابلة.

(1) يرى الائمة الثلاثة جواز بيع دود القز والنحل منفردة عن الخلية إذا كانت محبوسة في بيوتها ورآها المتبايعان، خلافا لابي حنيفة.

وكذلك بيع اللبن في الضرع - أي قبل انفصاله - لما فيه من الغرر والجهالة.
قال الشوكاني: إلا أن يبيع منه كيلا، نحو أن يقول: بعت منك صاعا من حليب بقرتي.
فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة.
ويستثنى أيضا لبن الظئر فيجوز بيعه لموضع الحاجة.
وكذا لا يجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان، فإنه يتعذر تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع تمر حتى يطعم، أو صوف على ظهر (1) أو لبن في ضرع، أو سمن في اللبن. رواه الدارقطني: والمعجوز عن تسليمه شرعا كالمرهون والموقوف، فلا ينعقد بيعهما.
ويلحق بهذا التفريق بالبيع بين البهيمة وولدها لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان.
ويرى بعض العلماء جواز ذلك قياسا على الذبح

(1) أما بيع الصوف على الظهر بشرط الجز، فقد أجازه الحنابلة في رواية عندهم لانه معلوم ويمكن تسليمه.

وهو الاولى.
وأما بيع الدين: فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز بيع الدين ممن عليه الدين - أي المدين.
وأما بيعه إلى غير المدين، فقد ذهب الاحناف والحنابلة والظاهرية إلى عدم صحته لان البائع لا يقدر على التسليم.
ولو شرط التسليم على المدين فإنه لا يصح أيضا لانه شرط التسليم على غير البائع، فيكون شرطا فاسدا يفسد به البيع.
5 - الخامس: أن يكون كل من المبيع والثمن معلوما.
فإذا كانا مجهولين أو كان أحدهما مجهولا فإن البيع لا يصح لما فيه من غرر، والعلم بالمبيع يكتفى فيه بالمشاهدة في المعين ولو لم يعلم قدره كما في بيع الجزاف.
أما ما كان في الذمة فلا بد من معرفة قدره وصفته بالنسبة للمتعاقدين.
والثمن يجب أن يكون معلوم الصفة والقدر والاجل.
أما بيع ما غاب عن مجلس العقد، وبيع ما في رؤيته مشقة أو ضرر، وبيع الجزاف، فلكل واحد من هذه