شروط العهود، نقض العهود

وفي التشنيع على الناقضين للعهود، يقول الله عزوجل: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون - ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة - إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون " (1) .
شروط العهود:
ويشترط في العهود التي يجب احترامها والوفاء بها، الشروط الاتية:
1 - ألا تخالف حكما من الاحكام الشرعية المتفق عليها. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله (2) فهو باطل، وإن كان مائة شرط ".
2 - أن تكون عن رضا واختيار، فإن الاكراء يسلب الارادة، ولا احترام لعقد لم تتوفر فيه حريتها.
3 - أن تكون بينة واضحة، لا لبس فيها ولا غموض حتى لا تؤول تأويلا يكون مثارا للاختلاف عند التطبيق.

نقض العهود:
ولا تنقض العهود إلا في إحدي الحالات الاتية:
1 - إذا كانت مؤقتة بوقت، أو محددة بظرف معين، وانتهت مدتها، وانتهى ظرفها.
روى أبو داود والترمذي عن عمر بن عبسة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان بينه وبين قوم عهد، فلا يجلن عهدا، ولا يشدنه، حتى

(1) سورة النحل: الايتان 92، 93.
(2) كتاب الله: أي حكم الله.

يمضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء.
ويقول القرآن الكريم: " إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين " (1) .
2 - إذا أخل العدو بالعهد: " فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين " (2) " وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون.
ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين " (3) .
3 - إذا ظهرت بوادر الغدر ودلائل الخيانة.
" وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين " (4) الاعلام بالنقض تحرزا عن الغدر إذا علم الحاكم الخيانة ممن كان بينهم وبين المسلمين عهد فإنه لا تحل محاربتهم إلا بعد إعلامهم بنبذ العهد، وبلوغ خبره إلى القريب والبعيد حتى لا يؤخذوا على غرة.
يقول الله سبحانه في سورة الانفال: " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين " (5) .

(1) سورة التوبة: الاية 4.
(2) سورة التوبة: الاية 7.
(3) سورة التوبة: الاية 13، 14.
(4) سورة الانفال: الاية 58.
(5) سورة الانفال: الاية 58.

وقاعدة الاسلام: " وفاء بغدر خير من غدر بغدر ".
قال محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير: " لو بعث أمير المسلمين إلى ملك الاعداء من يخبره بنبذ العهد عند تحقق سببه، فلا ينبغي للمسلمين أن يغيروا عليهم وعلى أطراف مملكتهم، إلا بعد مضي الوقت الكافي لان يبعث الملك إلى تلك الاطراف خبر النبذ حتى لا نأخذهم على غرة، ومع ذلك إذا علم المسلمون يقينا أن القوم لم يأتهم خبر من قبل ملكهم فالمستحب لهم أن لا يغيروا عليهم حتى يعلموهم بالنبذ، لان هذا شبيه الخديعة..وكما على المسلمين أن يتحرزوا من الخديعة، عليهم أن يتحرزوا من شبه الخديعة ".
وحدث ان أهل قبرص أحدثوا حدثا عظيما في ولاية عبد الملك بن مروان فأراد نبذ عهدهم ونقض صلحهم، فاستشار الفقهاء في عصره، منهم: الليث بن سعد ومالك وأنس، فكتب الليث بن سعد: " إن أهل قبرص لا يزالون متهمين بغش أهل الاسلام ومناصحة أهل الاعداء " الروم " وقد قال الله تعالى: " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ". وإني أرى أن تنبذ إليهم وإن تنظر هم سنة ".
أما مالك بن أنس فكتب في الفتيا يقول: " إن أمان أهل قبرص وعهدهم كان قديما متظاهرا من الولاة لهم، ولم أجد أحدا من الولاة نقض صحلهم، ولا أخرجهم من ديارهم، وأنا أرى أن لا تعجل بمنابذتهم حتى تتجه الحجة عليهم فإن الله يقول: " فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ".
فإن لم يستقيموا بعد ذلك ويدعوا غشهم ورأيت الغدر ثابتا فيهم، أوقعت بهم بعد النبذ والاعذار فرزقت النصر ".