معاملة الأسرى

وقال صلى الله عليه وسلم لاهل مكة يوم الفتح: " اذهبوا فأنتم الطلقاء ".
على أنه يجوز للامام، مع ذلك، أن يقتل الاسير إذا كانت المصلحة تقتضي قتله، كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قتل النضر ابن الحارث، وعقبة بن معيط، يوم بدر، وقتل أبا عزة الجمحي يوم أحد.
وفي هذا يقول الله سبحانه: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض " (1) .
وممن ذهب إلى هذا جمهور العلماء، فقالوا: " للامام الحق في أحد الامور الثلاثة المتقدمة ".
وقال الحسن وعطاء: لا يقتل الاسير، بل يمن عليه أو يفادى به.
وقال الزهري ومجاهد وطائفة من العلماء: لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلا.
وقال مالك: لا يجوز المن بغير فداء.
وقال الاحناف: لا يجوز المن أصلا، لا بفداء ولا بغيره.
معاملة الأسرى:
عامل الاسلام الاسرى معاملة إنسانية رحيمة، فهو يدعو إلى إكرامهم والاحسان إليهم، ويمدح الذين يبرونهم، ويثني عليهم الثناء الجميل.
يقول الله تعالى: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا - إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " (2) .
ويروي أبو موسى الاشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:

(1) سورة الانفال: الاية 17.
(2) سورة الدهر: الاية 9.

" فكوا العاني (1) ، وأجيبوا الداعي، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض ".
وتقدم أن ثماقة بن أثال وقع أسيرا في أيدي المسلمين، فجاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أحسنوا إساره ".
وقال: " اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به إليه ".
فكانوا يقدمون إليه لبن لقحة (2) الرسول صلى الله عليه وسلم غدوا ورواحا.
ودعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام، فأبى، وقال له: إن أردت الفداء، فاسأل ما شئت ما المال.
فمن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأطلق سراحه بدون فداء، فكان ذلك من أسباب دخوله في الاسلام.
وقد جاء في الصحاح في شأن أسرى غزوة بني المصطلق - وكان من بينهم جويرية بنت الحارث - أن أباها الحارث بن أبي ضرار، حضر إلى المدينة ومعه كثير من الابل ليفتدي بها ابنته، وفي وادي العقيق، قبل المدينة بأميال، أخفى اثنين من الجمال أعجباه في شعب بالجبل، فلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا محمد أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها.
فقال عليه الصلاة والسلام: " فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا "؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله ما أطلعك على ذلك إلا الله. وأسلم الحارث وابنان له، وأسلمت ابنته أيضا، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها وتزوجها، فقال الناس: لقد أصبح هؤلاء الاسرى الذين بأيدينا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنوا عليهم بغير فداء.
وتقول عائشة رضي الله عنها: " فما أعلم أن امرأة كانت أعظم بركة على قومها من جويرية، إذ بتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم إياها أعتق مائة من أهل بيت بني المصطلق ".
ولمثل هذا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من جويرية، لا لشهوة يقضيها، بل لمصلحة شرعية يبتغيها، ولو كان يبغي الشهوة لاخذها أسيرة حرب بملك اليمين.

(1) العاني: الاسير.
(2) اللقحة: الناقة الحلوب.