الدعاء عند القتال

قضي لهم، فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم، قبل أن ظهر (1) عليهم قتيبة.
فأجلس لهم سليمان " جميع بن حاضر " القاضي، فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء، فيكون صلحا جديدا أو ظفرا عنوة.
فقال أهل السند، بل نرضى بما كان، ولا نجدد حربا، لان ذوي رأيهم قالوا: قد خالطنا هؤلاء القوم، وأقمنا معهم، وأمنونا وأمناهم، فإن عدنا إلى الحرب، لا ندري لمن يكون الظفر، وإن لم يكن لنا، كنا قد اجتلبنا عداوة في المنازعة، فتركوا الامر على ما كان، ورضوا ولم ينازعوا بعد أن عجبوا من عدالة الاسلام والمسلمين وأكبروها، وكان ذلك سببا في دخولها الاسلام مختارين.
وهذا عمل لم نعلم أن أحدا وصل في العدل إليه.
الدعاء عند القتال:
ومن آداب القتال أن يستغيث المجاهدون بالرب سبحانه، ويستنصرونه، فإن النصر بيد الله.
وقد كان هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهدي أصحابه من بعده.
1 - فعن أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس، حين يلحم بعضهم بعضا ".
2 - قال الله عز وجل: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم " (2)
3 - روى الثلاثة عن عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها للعدو، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس، فقال:

(1) أي رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل الغزو.
(2) سورة الانفال: الآية 9.

" أيها الناس: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ".
تم قال: " اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الاحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم ".
4 - وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم، إذا غزا: " اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول (1) وبك أصول (2) ، وبك أقاتل ".
رواه أصحاب السنن.
5 - وروى البخاري ومسلم: أنه صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاحزاب فقال: " اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الاحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم ".
القتال الاسلام يهتم بدعوة العالم الانساني إلى الدخول في هدايته، لينعم بهذه الهداية ويستظل بظلها الظليل.
وإن الامة الاسلامية هي الامة المنتدبة من قبل الله لاعلاء دينه، وتبليغ وحيه، وهي منتدبة كذلك لتحرير الامم والشعوب.
وهي بهذا الاعتبار كانت خير الامم، وكانت مكانتها من غيرها مكانة الاستاذ من التلاميذ.
وما دام أمرها كذلك، فيجب عليها أن تحافظ على كيانها الداخلي، وتكافح لتأخذ حقها بيدها، وتجاهد لتتبوأ مكانتها التي وضعها الله فيها.
وكل تقصير في ذلك يعتبر من الجرائم الكبرى، التي يجازي الله عليها بالذل والانحلال، أو الفناء والزوال.
وقد نهى الاسلام عن الوهن، والدعوة إلى السلم، طالما لم تصل الامة

(1) أحول: حتال في مكر كيد العدو.
(2) أصول: أحمل على العدو.

إلى غايتها ولم تحقق هدفها، واعتبر السلم في هذه الحالة لا معنى له إلا الجبن، والرضا بالدون من العيش.
وفي هذا يقول الله سبحانه: " فلاتهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم " (1) .
أي الاعلون: عقيدة، وعبادة، وخلقا، وأدبا وعلما، وعملا.
إن السلم في الاسلام لا يكون إلا عن قوة واقتدار، ولذلك لم يجعله الله مطلقا، بل قيده بشرط أن يكف العدو عن العدوان، وبشرط ألا يبقى ظلم في الارض، وألا يفتن أحد في دينه.
فإذا وجد أحد هذه الاسباب، فقد أذن الله بالقتال.
وهذا القتال هو القتال الذي تسترخص فيه الانفس، ويضحى فيه بالمهج والارواح.
إنه لا يوجد دين من الاديان دفع بأهله إلى خوض غمرات الحروب.
وقذف بهم إلى ساحات القتال، في سبيل الله والحق، وفي سبيل المستضعفين.
ومن أجل الحياة الكريمة، غير السلام.
ومن استعرض الآيات القرآنية، والسيرة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده، يرى ذلك واضحا جليا، فالله سبحانه ينتدب هذه الامة إلى بذل أقصى ما في وسعها، فيقول: " وجاهدوا في الله حق جهاده ".
(1) وبين أن هذا الجهاد هو الايمان العملي، الذي لا يكمل الدين إلا به، فيقول: " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون - ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " (3) .
ويوضح أن هذه سنة الله مع المؤمنين، وأنه ليس للنصر ولا للجنة سبيل غيره.
فيقول: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول

(1) سورة محمد: الآية 35.
(2) سورة الحج: الآية 78.
(3) سورة العنكبوت: الآية 2، 3.

والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " (1) .
ويوجب إعداد العدة، وأخذ الاهبة.
فيقول: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " (2) والاعداد يتطور بحسب الظروف والاحوال، ولفظ القوة يتناول كل وسيلة من شأنها أن تدحر العدو.
وقد جاء في الحديث الصحيح: " ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ".
ومن الاعداد الحيطة والتجنيد لكل قادر عليه.
" يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا " (3) وأخذ الحذر لايتم إلا بالاعداد البري، والبحري، والجوي.
ويأمر بالخروج لملاقاة العدو في العسر واليسر، والمنشط والمكره.
فيقول: " انفروا خفافا وثقالا ".
(4) والاسلام يعتمد على الروح المعنوية أكثر مما يعتمد على القوة المادية، ولهذا يستثير الهمم والعزائم، فيقول: " فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة.
ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما.
ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا. واجعل لنا من لدنك نصيرا " (5) ويصبر المؤمنين بأنهم إن كانوا يألمون فإن عدوهم يألم كذلك مع الاختلاف البعيد بين هدف كل منهم فيقول:
" ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما

(1) سورة البقرة: الآية 214.
(2) سورة الانفال: الآية 60.
(3) سورة النساء: الآية 71.
(4) سورة التوبة: الآية 41.
(5) سورة النساء: الآية 74، 75.

تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " (1) .
ويقول: " الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا " (2) .
أي أن المؤمنين لهم هدف سام، ولهم رسالة يجاهدون من أجلها، وهي رسالة الحق والخير وإعلاء كلمة الله.
ويوجب الثبات عند اللقاء فيقول: " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار - ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرقا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " (3) .
ويرشد إلى القوة المعنوية، فيقول: " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون - وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " (4) .
ويكشف عن نفسية المؤمنين، وأن من شأنها الاستماتة في الدفاع، فهم بين أمرين لا ثالث لهما: إما قاتلين، وإما مقتولين، فيقول:
" ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظم " (6) .
وفي الحالة الاولى لهم النصر، وفي الثانية لهم الشهادة: " قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنييين " (2) .
وإن القتل في سبيل الله ليس موتا أبديا، وإنما هو انتقال إلى ما هو أرقي

(1) سورة النساء: الآية 76.
(2) سورة النساء: الآية 140.
(3) سورة الانفال: الآيتان 15، 16.
(4) سورة الانفال: الآيتان 45، 46.
(5) سورة التوبة: الآية 111.
(6) سورة التوبة: الآية 52.

وأبقى، وإن الفناء في سبيل الله هو عين البقاء.
" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون - فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون - يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين " (1) والله مع المجاهدين لا يتخلى عنهم أبدا: " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان " (2) .
ثم هو سبحانه يعدهم على ذلك ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة، فيقول: " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم - تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون - يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم - وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ".
(1) وبهذا الاسلوب ربي القرآن الكريم المسلمين الاوائل، وأوجد في نفوسهم الايمان الذي كان فيصلا بين الحق والباطل، ونهض بهم إلى حيث النصر، والفتح والتمكين في الارض.
" يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (4) ".
" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قلبهم، وليمكنن لهم دينهم إلى ارتضى لهم وليبد لنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (5) ".

(1) سورة آل عمران: الآيات 169، 170، 171.
(2) سورة الانفال: الآية 12.
(3) سورة الصف: الآيات 10، 11، 12، 13.
(4) سورة محمد: الآية 7.
(5) سورة النور: الآية 55.