الإعتراف بحق الفرد

الإعتراف بحق الفرد:
والاسلام - بعد أن أشاد بمبدأ السلام وجعل العلاقة بين الناس علاقة أمن وسلام - احترم الانسان وكرمه من حيث هو إنسان، بقطع النظر عن جنسه، ولونه، ودينه، ولغته، ووطنه، وقوميته، ومركزه الاجتماعي.
يقول الله تعالى: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ".
(1) .
ومن مظاهر هذا التكريم أن الله خلق الانسان بيده، ونفخ فيه من وحه، وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في السموات وما في الارض جميعا منه، وجعله سيدا على هذا الكوكب الارضي، واستخلفه فيه ليقوم بعمارته وإصلاحه.
ومن أجل أن يكون هذا التكريم حقيقة واقعة وأسلوبا في الحياة، كفل الاسلام جميع حقوق الانسان، وأوجب حمايتها وصيانتها، سواء أكانت حقوقا دينية، أو مدنية، أو سياسية.
ومن هذه الحقوق:
(1) حق الحياة: لكل فرد حق صيانة نفسه، وحماية ذاته.
فلا يحل الاعتداء عليها إلا إذا قتل، أو أفسد في الارض فسادا يستوجب القتل.
يقول الله تعالى: " من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " (2) .
وفي الحديث الصحيح: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث:

(1) سورة الاسراء: الاية 70.
(2) سورة المائدة: الاية 32.

" النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة ".
(2) حق صيانة المال: فكما أن النفس معصومة، فكذلك المال، فلا يحل أخذ المال بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة.
يقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (1) .
وقال عليه الصلاة والسلام: " من أخذ مال أخيه بيمينه، أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة ".
فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟.
فقال: " وإن كان عودا من أراك ".
والاراك هو الشجر الذي يؤخذ منه السواك.
(3) حق العرض: ولا يحل انتهاك العرض حتى ولا بكلمة نابية.
يقول الله تعالى: " ويل لكل همزة لمزة ". (2)
(4) حق الحرية: ولم يكتف الاسلام بتقرير صيانة الانفس، وحماية الاعراض والاموال، بل أقر حرية العبادة، وحرية الفكر، وحرية اختيار المهنة التي يمارسها الانسان لكسب عيشه، وحرية الاستفادة من جميع مؤسسات الدولة.
وأوجب الاسلام على الدولة المحافظة على هذه الحقوق جميعها، وإن حقوق الانسان لا تنتهي عند هذا الحد، بل هناك حقوق أخرى، منها: (1) حق المأوى: فالانسان له الحق في أن يأوي إلى أي مكان، وأن يسكن في أي جهة، وأن ينتقل في الارض دون حجر عليه أو وضع عقبات في طريقه، ولا يجوز نفي أي فرد أو إبعاده أو سجنه إلا في حالة ما إذا اعتدى على حق غيره، ورأى القانون أن يعاقبه بالطرد أو الحبس.
ويكون ذلك في حالة الاعتداء على الغير، والاخلال بالامن، وإرهاب الابرياء.

(1) سورة النساء: الاية 29.
(2) سورة الهمزة: الاية 1.
والويل: هو العذاب الشديد، والهمزة: الذي يعيب الناس، وينشر ما يبدو له بطريق الاشارة المعبرة، واللمزة: هو الذي يتحدث عن العيوب، ويذيعها بين الناس.

وفي ذلك يقول الله تعالى: " إنما جزاء اللذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا، أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم - إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ". (1)
(2) حق التعلم وإبداء الرأي: ومن الحقوق كذلك حق التعلم:
فمن حق كل فرد أن يأخذ من التعليم ما ينير عقله، ويرقي وجوده، ويرفع من مستواه.
ومن حق الانسان كذلك، أن يبين عن رأيه ويدلي بحجته ويجهر بالحق ويصدع به.
والاسلام يمنع من مصادرة الرأي ومحاربة الفكر الحر، إلا إذا كان ذلك ضارا بالمجتمع.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على أن يجهروا بالحق، وإن كان مرا، وعلى ألا يخافوا في الله لومة لائم، ويخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن: " الساكت عن الحق شيطان أخرس ".
وفي ذلك يقول القرآن الكريم: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله.
ويلعنهم اللاعنون - إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ".
(2) وأخيرا، وليس آخرا: يقرر الاسلام أن من حق الجائع أن يطعم، ومن حق العاري أن يكسى، والمريض أن يداوى، والخائف أن يؤمن، دون تفرقة بين لون ولون، أو دين ودين، فالكل في هذه الحقوق سواء.
هذه هي تعاليم الاسلام في تقرير بعض حقوق الانسان، وهي تعاليم فيها الصلاح والخير لهذه الدنيا جميعها.

(1) سورة المائدة: الاية 33.
(2) سورة البقرة: الايتان: 159، 160.