دية المرأة

وفي الجائفة: ثلث الدية بالاجماع، فإن نفذت فهما جائفتان، ففيهما ثلثا الدية.
دية المرأة:
ودية المرأة إذا قتلت خطأ: نصف دية الرجل، وكذلك دية أطرافها، وجراحاتها على النصف من دية الرجل وجراحاته، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.
فقد روي عن عمر رضي الله عنه، وعلي كرم الله وجهه، وابن مسعود رضي الله عنه، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين: أنهم قالوا في دية المرأة: إنها على النصف من دية الرجل، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد، فيكون إجماعا، ولان المرأة في ميراثها وشهادتها على النصف من الرجل.
وقيل: يستوي الرجل والمرأة في العقل إلى الثلث، ثم النصف فيما بقي.
فقد أخرج النسائي، والدارقطني، وصححه ابن خزيمة عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديته ".
وأخرج مالك في الموطأ، والبيهقي عن ربيعة بن عبد الرحمن أنه قال: " سألت سعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر من الابل، قلت: فكم في الاصبعين؟ قال: عشرون من الابل.
قلت: فكم في ثلاث؟ قال: ثلاثون من الابل.
قلت: فكم في أربع؟ قال: عشرون من الابل.
قلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها! فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم.
فقال سعيد: " هي السنة يا ابن أخي ".
وقد ناقش الامام الشافعي هذا الرأي، وبين أن المقصود من السنة، هو سنة زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي قال بهذا الرأي، لاسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الشافعي رضي الله عنه:

" السنة إذا أطلقت يراد بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي أن كبار الصحابة - رضي الله عنهم - أفتوا بخلافه، ولو كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خالفوه.
وقوله: سنة، محمول على أنه سنة زيد (1) ، لانه لم يرو إلا عنه موقوفا، ولان هذا يؤدي إلى المحال، وهو ما إذا كان ألمها أشد، ومصابها أكثر أن يقل أرشها، وحكمة الشارع تنشأ من ذلك.
ولايجوز نسبته إليه، لان من المحال أن تكون الجناية لا توجب شيئا شرعا.
وأقبح أن تسقط ما وجب بغيره.
دية أهل الكتاب ودية أهل الكتاب (2) إذا قتلوا خطأ نصف دية المسلم، فدية الذكر منهم نصف دية المسلم، ودية المرأة من نسائهم نصف دية المرأة المسلمة.
لما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلم ".
رواه أحمد رضي الله عنه.
وكما تكون دية النفس على النصف من دية المسلم، تكون دية الجراح كذلك على النصف.
وإلى هذا ذهب مالك، وعمر بن عبد العزيز.
وذهب أبو حنيفة، والثوري، وهو المروي عن عمر، وعثمان، وابن مسعود رضي الله عنهم، إلى أن ديتهم مثل دية المسلمين، لقول الله تعالى: " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق، فدية مسلمة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة ".
قال الزهري: " دية اليهودي، والنصراني، وكل ذمي مثل دية
المسلم ".
قال: وكانت كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر،

(1) سنة زيد بن ثابت.
(2) سواء كانوا ذميين أو معاهدين مستأمنين.

وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، حتى كان معاوية، فجعل في بيت المال نصفها، وأعطى المقتول نصفها.
ثم قضى عمر بن عبد العزيز بنصف الدية، وألغى الذي جعله معاوية لبيت المال.
قال الزهري: فلم يقض لي أن أذكر بذلك عمر بن عبد العزيز، فأخبره أن الدية كانت تامة لاهل الذمة.
وذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أن دبتهم: ثلث دية المسلم، ودية الوثني والمجوسي المعاهد أو المستأمن: ثلثا عشر دية المسلم.
وحجتهم أن ذلك أقل ما قيل في ذلك، والذمة بريئة ألا بيقين، أو حجة.
وهو بحساب ثمانماية درهم من اثني عشر الفا.
وروي عن عمر، وعثمان، وابن مسعود: ونساؤهم على النصف.
وهل تجب الكفارة مع الدية في قتل الذمي والمعاهد؟ قاله ابن عباس، والشعبي، والنخعي، والشافعي واختاره الطبري.
دية الجنين إذا مات الجنين بسبب الجناية على أمه عمدا أو خطأ، ولم تمت أمه، وجب فيه غرة (1) سواء انفصل عن أمه وخرج ميتا، أم مات في بطنها. وسواء أكان ذكرا أم أنثى.
فأما إذا خرج حيا، ثم مات، ففيه الدية كاملة، فإن كان ذكرا وجبت مائة بعير.
وإن كان أنثى: خمسون.
وتعرف الحياة بالعطاس، أو التنفس، أو البكاء، أو الصياح، أو الحركة، ونحو ذلك.
واشترط الشافعي في حالة ما إذا مات في بطن أمه، أن يعلم بأنه قد تخلق وجرى فيه الروح.
وفسره ب " ما ظهر فيه صورة الآدمي: من يد، وأصبع ".

(1) الغرة من كل شئ: أنفسه.

وأما مالك، فإنه لم يشترط هذا الشرط، وقال: " كل ما طرحته المرأة من مضغة، أو علقة، مما يعلم أنه ولد ففيه لغرة ".
ويرجح رأي الشافعي، بأن الاصل براءة الذمة وعدم وجوب الغرة، فإذالم يعلم تخلقه، فإنه لا يجب شئ (1) .
قدر الغرة: والغرة: خمسماية درهم، كما قال الشعبي والاحناف، أو ماية شاة، كما في حديث أبي يريدة عند أبي داود، والنسائي.
وقيل: خمس من الابل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قضى أن دية الجنين غرة: عبد أو وليدة ".
وروى مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه: ب " غرة: عبد، أو وليدة ".
فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم ما لاشرب، ولا أكل، ولا
نطق، ولا استهل، ومثل ذلك يطل (2) .
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن هذا من إخوان الكهان ".
هذا بالنسبة لجنين المسلمة، أما جنين الذمية، فقد قال صاحب بداية المجتهد: قال مالك والشافعي وأبو حنيفة: فيه عشر دية أمه، لكن أبو حنيفة على أصله، في أن دية الذمي دية المسلم.
والشافعي على أصله، في أن دية الذمي ثلث دية المسلم.
ومالك على أصله، في أن دية الذمي نصف دية المسلم.
على من تجب: قال مالك وأصحابه، والحسن البصري والبصريون: تجب في مال الجاني.

(1) وقد أجمع العلماء على أن الام إذا ماتت، وهو في جوفها، ولم تلقه ولم يخرج، فلاشئ فيه. واختلفوا فيما إذا ماتت من ضرب بطنها، ثم خرج الجنين ميتا بعد موتها، فقال جمهور الفقهاء: لاشئ فيه، وقال الليث بن سعد وداود: فيه غرة، لان المعتبر حياة أمه في وقت ضربها لاغير.
(2) يهدر.