الدية

الدية:
تعريفها: الدية هي المال الذي يجب بسبب الجناية، وتؤدى إلى المجني عليه، أو وليه.
يقال: وديت القتيل: أي أعطيت ديته.
وهي تنتظم ما فيه القصاص، وما لا قصاص فيه.
وتسمى الدية، ب " العقل " وأصل ذلك: أن القاتل كان إذا قتل قتيلا، جمع الدية من الابل.
فعقلها بفناء أولياء المقتول: أي شدها بعقالها ليسلمها إليهم.
يقال: عقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته.
وقد كان النظام الدية معمولا به عند العرب، فأبقاه الاسلام.
وأصل ذلك قول الله سبحانه: " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا، إلا خطأ.
ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله، إلا أن يصدقوا.
فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن، فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق، فدية مسلمة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، توبة من الله، وكان الله عليما حكيما " (1) .
وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: " كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانماية دينار، أو ثمانية آلاف درهم.
ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين.

(1) سورة النساء: الآية 92.

قال: فكان ذلك كذلك.
حتى استخلف عمر رحمه الله، فقام خطيبا فقال: ألا إن الابل قد غلت.
قال: ففرضها عمر على أهل الذهب (1) ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألفا.
وعلى أهل البقر مائتي بقرة.
وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة (2) .
قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفعه من الدية.
قال الشافعي بمصر: لا يؤخذ من أهل الذهب ولامن أهل الورق إلا قيمة الابل بالغة ما بلغت.
والمرجح أنه لم يثبت بطريق لا شك فيه تقدير الرسول الدية بغير الابل، فيكون عمر قد زاد في أجناسها، وذلك لعلة جدت واستوجبت ذلك.
حكمتها: والمقصود منها: الزجر، والردع، وحماية الانفس.
ولهذا يجب أن تكون بحيث يقاسي من أدائها المكلفون بها، ويجدون منها حرجا وألما ومشقة، ولا يجدون هذا الالم ويشعرون به، إلا إذا كان مالا كثيرا ينقص من أموالهم، ويضيقون بأدائه ودفعه إلى المجني عليه أو ورثته، فهي جزاء يجمع بين العقوبة والتعويض.
(3) قدرها: الدية فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدرها فجعل دية الرجل الحر المسلم: مائة من الابل على أهل الابل (4) ، ومائتي بقرة على أهل

(1) أهل الذهب هم: أهل الشام، وأهل مصر.
وأهل الورق هم: أهل العراق، كما في الموطأ ج 2.
(2) الحلل: إزار ورداء، أو قميص وسروال.
ولا تكون حلة حتى تكون ثوبين.
(3) تاريخ الفقه، 82.
(4) قال أبو حنيفة، وأحمد رضي الله عنهما في إحدى الرو ايتين عنه: " دية العمد أرباع ": " خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقاق وخمس وعشرون جذاع ".

البقر، وألفي شاة على أهل الشاء، وألف دينار على أهل الذهب، واثني عشر ألف درهم على أهل الفضة، ومائتي حلة على أهل الحلل.
فأيها أحضر من تلزمه الدية لزم الولي قبولها، سواء أكان ولي الجناية من أهل ذلك النوع أو لم يكن، لانه أتى بالاصل في الواجب عليه.
القتل الذي تجب فيه: ومن المتفق عليه بين العلماء أنها تجب في القتل الخطأ وفي شبه العمد، وفي العمد الذي وقع ممن فقد شرطا من شروط التكليف، مثل الصغير (1) والمجنون.
وفي العمد الذي تكون فيه حرمة المقتول ناقصة عن حرمة القاتل، مثل الحر إذا قتل العبد.
كما تجب على النائم الذي انقلب في نومه على آخر فقتله.
وعلى من سقط على غيره فقتله، كما تجب على من حفر حفرة فتردى فيها شخص فمات، وعلى من قتل بسبب الزحام.
وجاء في ذلك عن حنش بن المعتمر، عن علي رضي الله عنه قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بنو زبية للاسد، فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر، ثم تعلق الرجل بآخر، حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الاسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله، وماتوا من جراحهم كلهم، فقام أولياء الاول إلى أولياء الآخر، فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم علي رضي الله عنه على تفئة ذلك، فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي.
إني أقضي بينكم قضاء، إن رضيتم به فهو القضاء، وإلا حجر بعضكم

وهي كذلك عندهما في شبه العمد.
وقال الشافعي، وأحمد في الرواية الاخرى عنه: هي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، في بطونها أولادها.
" وأما دية الخطأ " فقد اتفقوا على أنها أخماس: عشرون جذعة، وعشرون حقة، وعشرون بنات لبون، وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت مخاض.
وجعل مالك، والشافعي، رضي الله عنهما، مكان ابن مخاض ابن لبون.
(1) " الجناية إذا كانت من صغير أو مجنون تجب ديتها على العاقلة عند أبي حنيفة ومالك ".
" وقال الشافعي رضي الله عنه: عمد الصغير في ماله ".

على بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا ذلك فلا حق له.
أجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر: ربع الدية.
وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة.
فللاول: ربع الدية، لانه هلك من فوق ثلاثة.
وللثاني: ثلث الدية.
وللثالث: نصف الدية.
وللرابع: الدية كاملة.
فأبوا إلا أن يمضوا، وأتو النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم، فقصوا عليه القصة، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
رواه أحمد، ورواه بلفظ آخر نحو هذا، وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا.
وعن علي بن رباح اللخمي أن أعمى كان ينشد في الموسم في خلافة عمر ابن الخطاب، وهو يقول: يا أيها الناس لقيت منكرا - هل يعقل الاعمى الصحيح المبصرا جرا معا كلاهما تكسرا وذلك أن أعمى كان يقوده بصير، فوقعا في بئر.
فوقع الاعمى على البصير فمات البصير، فقضى عمر بعقل البصير على الاعمى.
رواه الدارقطني.
وفي الحديث " أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات، فأغرمهم عمر رضي الله عنه الدية ".
حكاه أحمد في رواية ابن منصور، وقال: أقول به.
ومن صاح على آخر فجأة، فمات من صيحته تجب ديته.
ولو غير صورتهوخوف صبيا فجن الصبي فإنه يضمن.
الدية مغلظة ومخففة: والدية تكون مغلظة ومخففة، فالمخففة تجب في قتل الخطأ، والمغلظة تجب في قتل شبه العمد.
وأمادية قتل العمد إذا عفا ولي الدم فإن الشافعي والحنابلة يرون أنه يجب في هذه الحال دية مغلظة.