أداة القتل

" من قتل عامدا فهو قود، ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والنا س أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولاعدلا ".
2 - أن يكون المقتول آدميا، ومعصوم الدم: أي أن دمه غير مباح
3 - أن تكون الاداة التي استعملت في القتل مما يقتل بها غالبا.
فإذا لم تتوفر هذه الاركان. فإن القتل لا يعتبر قتلا عمدا.
أداة القتل: ولا يشترط في الاداة التي يقتل بها سوى أنها مما تقتل غالبا، سواء أكانت محددة أم متلفة لتماثلهما في إزهاق الروح.
وقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رض (1) رأس يهودي بين حجرين، وكان فعل ذلك بجارية من الجواري.
وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة، والشعبي، والنخعي، الذين يقولون بأنه لا قصاص في القتل بالمثقل.
ومن هذا القبيل القتل بالاحراق بالنار، والاغراق بالماء، والالقاء من شاهق، وإلقاء حائط عليه، وخنق الانفاس، رحبس الانسان، ومنع الطعام والشراب عنه حتى يموت جوعا، وتقديمه لحيوان مفترس.
ومنه ما إذا شهد الشهود على إنسان معصوم الدم بما يوجب قتله، ثم بعد قتله يرجعون عن الشهادة، ويقولون: تعمدنا قتله، فهذه كلها من الادوات التي غالبا ما تقتل.
ومن قدم طعاما مسموما لغيره، وهو يعلم أنه مسموم، دون آكله، فمات به، اقتص منه.
روى البخاري ومسلم: " أن يهودية سمت النبي صلى الله عليه وسلم في شاة، فأكل منها لقمة، ثم لفظها، وأكل معه بشر بن البراء، فعفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها ".
أي أنه عفا عنها قبل أن تحدث الوفاة لواحه ممن أكل " فلما مات بشر بن البراء قتلها به ".
لما رواه أبو داود: " أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها "

(1) رض: كسر.

القتل شبه العمد: والقتل شبه العمد: هو أن يقصد المكلف قتل إنسان معصوم الدم بما لا يقتل عادة، كأن يضربه بعصا خفيفة أو حجر صغير، أو لكزه بيده، أو سوط ونحو ذلك.
فإن كان الضرب بعصا خفيفة أو حجر صغير " ضربة أو ضربتين " فمات من ذلك الضرب، فهو قتل شبه عمد (1) .
فإن كان الضرب في مقتل أو كان المضروب صغيرا أو كان مريضا يموت من مثل هذا الضرب غالبا، أو كان قويا، غير أن الضارب والى الضرب حتى مات فإنه يكون عمدا.
وسمي يشبه العمد، لان القتل متردد بين العمد والخطأ، إذ أن الضرب مقصود، والقتل غير مقصود.
ولهذا أطلق عليه شبه العمد، فهو ليس عمدا محضا، ولاخطأ محضا.
ولما لم يكن عمدا محضا سقط القود، لان الاصل صيانة الدماء فلا تستباح، إلا بأمر بين.
ولما لم يكن خطأ محضا، لان الضرب مقصود بالفعل دون القتل وجبت فيه دية مغلظة.
روى الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العمد قود اليد، والخطأ عقل لا قود فيه، ومن قتل في عمية بحجر أو عصا أو سوط، فهو دية مغلظة في أسنان الابل ".
وأخرج أحمد وأبو داود عن عمرو بين شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عقل شبه العمد مغلظ، كعقل العمد، ولا يقتل صاحبه، وذلك أن
ينزو الشيطان بين الناس، فتكون الدماء في غير ضغينة ولاحمل سلاح ".

(1) هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وجماهير الفقهاء، وخالف في ذلك: مالك والليث، والهادوية: فذهبوا إلى أن القتل إذا كان بآلة لا يقصد بمثلها القتل غالبا، كالعصا والسوط واللطمة ونحو ذلك، فإنه يعتبر عمدا وفيه القصئاص، إذ الاصل عندهم عدم اعتبار الآلة في إزهاق الروح.
فكل ما أزهق الروح أوجب القصاص.

وأخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال: " ألا وإن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر ".
القتل الخطأ: والقتل الخطأ هو: أن يفعل المكلف ما يباح له فعله، كأن يرمي صيدا، أو يقصد غرضا، فيصيب إنسانا معصوم الدم فيقتله، وكأن يحفر بئرا، فيتردى فيها إنسان، أو ينصب شبكة - حيث لا يجوز - فيعلق بها رجل فيقتل، ويلحق بالخطأ القتل العمد الصادر من غير مكلف، كالصبي والمجنون.
الآثار المترتبة على القتل قلنا إن القتل: عمد، وشبه عمد، وخطأ.
ولكل نوع من هذ الانواع الثلاثة آثار تترتب عليه.
وفيما يلي نذكر أثر كل نوع.
موجب القتل الخطأ: إن القتل الخطأ يوجب أمرين: (أحدهما) الدية المخففة على العاقلة، مؤجلة في ثلاث سنين.
وسيأتي ذلك حين الكلام على الدية.
(ثانيهما) الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل والكسب، فان لم يجد صام شهرين متتابعين (1) .
وأصل ذلك قول الله تعالى: " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا، إلا خطأ.
ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله، إلا أن يصدقوا.
فإن كان من قوم عدولكم وهو مؤمن، فتحرير

(1) يرى الشافعية أن كفارة القتل يجوز فيها الاطعام إن عجز المكفر عن الصيام لكبر سن أو مرض أو لحقه مشقة شديدة، فيطعم ستين مسكينا، يعطي كل واحد مدا من طعام.
وخالفهم الفقهاء في ذلك لعدم ورود ما يدل عليه.

رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، توبة من الله، وكان الله عليما حكيما ".
(1) وإذا قتل جماعة رجلا خطأ.
فقال جمهور العلماء: على كل واحد منهم الكفارة.
وقال جماعة: عليهم كلهم كفارة واحدة.
الحكمة في الكفارة: قال القرطبي: " واختلفوا في معناها فقيل: أوجبت تمحيصا وطهورا لذنب القاتل.
وذنبه ترك الاحتياط والتحفظ حتى هلك على يديه امرؤ محقون الدم.
وقيل: أوجبت بدلا من تعطيل حق الله تعالى في نفس القتيل، فإنه كان له في نفسه حق، وهو التنعم بالحياة، والتصرف فيما أحل له تصرف الاحياء،
وكان لله سبحانه فيه حق، وهو أنه كان عبدا من عباده يجب له من اسم العبودية - صغيرا كان أو كبيرا، حرا كان أو عبدا، مسلما كان أو ذميا - ما يتميز به عن البهائم والدواب.
ويرتجى - مع ذلك - أن يكون من نسله من يعبد الله ويطيعه، فلم يخل قاتله من أن يكون فوت منه الاسم الذي ذكرنا والمعنى الذي وصفنا، فلذلك ضمن الكفارة.
وأى واحد من هذين المعنيين كان ففيه بيان أن النص وإن وقع على القاتل خطأ، فالقاتل عمدا مثله، بل أولى بوجوب الكفارة عليه منه ". اه ووسيأتي بيان هذا.
موجب القتل شبه العمد: والقتل شبه العمد يوجب أمرين:
1 - الاثم، لانه قتل نفس حرم الله قتلها إلا بالحق.
2 - الدية المغلظة على العاقلة - على ما سيأتي.

(1) سورة النساء: الآية 92.

أما القتل العمد، فإنه يوجب أمورا أربعة:
1 - الاثم.
2 - الحرمان من الميراث والوصية.
3 - الكفارة.
4 - القود أو العفو.
(1) فلا يرث القاتل من ميراث المقتول شيئا، لامن ماله ولا من ديته إذا كان من ورثته سواء أكان القتل عمدا أم كان خطأ.
وقاعدة الفقهاء في ذلك: " من استعجل الشئ قبل أو انه عوقب بحرمانه ".
(2) وروى البيهقي عن خلاس أن رجلا رمى بحجر فأصاب أمه فماتت من ذلك فأراد نصيبه من ميراثها، فقال له إخوته: لاحق لك، فارتفعوا إلى علي كرم الله وجهه فقال له علي رضي الله عنه: " حقك من ميراثها الحجر، فأغرمه الدية.
ولم يعطه من ميراثها شيئا ".
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس للقاتل من الميراث شئ ".
والحديث معلول وقد اختلف في رفعه ووقفه، وله شواهد تقويه.
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس للقاتل شئ، وإن لم يكن له وارث، فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئا " (1) .
وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.
وكذلك الاحناف والشافعية، وذهبت الهادوية والامام مالك إلى أن القتل إن كان خطأ ورث من المال دون الدية،

(1) " أي أن بعض الورثة إذا قتل المورث حرم من ميراثه، وورثه من لم يرتكب هذه الجريمة، فإن لم يكن له وارث إلا القاتل حرم من الميراث وقسمت تركته على أقرب الناس منه بعد القاتل.
مثل: الرجل يقتله ابنه وليس له وارث غير ابنه، وللقاتل ابن، فإن ميراث المقتول يدفع إلى ابن القاتل ويحرمه القاتل ".
(من معالم السنن للخطابي)

وقال الزهري وسعيد بن جبير وغيرهما: لا يحرم القاتل من الميراث.
وكذلك تبطل الوصية إذا قتل له الموصى له الموصي.
قال في البدائع: القتل بغير حق جناية عظيمة تستدعي الزجر بأبلغ الوجوه،
وحرمان الوصية يصلح زاجرا كحرمان الميراث فيثبت.
وسواء أكان القتل عمدا أم خطأ لان القتل الخطأ قتل وأنه جاز المؤاخذة عليه عقلا، وسواء أوصى له بعد الجناية أو قبلها.
(3) الكفارة في حالة ما إذا عفا ولي الدم أو رضي بالدية: أما إذا اقتص من القاتل فلا تجب عليه كفارة.
روى الامام أحمد عن وائلة بن الاصقع.
قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم.
فقالوا: " إن صاحبا لنا قد أوجب.
قال: فليعتق رقبة يفد الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ".
ورواه أيضا بسند آخر عنه قال: " أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب قال: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار ".
وهذا رواه أبو داود والنسائي.
ولفظ أبي داود قد أوجب " يعني النار " بالقتل.
قال الشوكاني في نيل الاوطار: " في حديث وائلة دليل على ثبوت الكفارة في قتل العمد.
وهذا إذا عفا عن القاتل، أو رضي الوارث بالدية.
وأما إذا اقتص منه فلا كفارة عليه، بل القتل كفارته، لحديث عبادة المذكور في الباب ولما أخرجه أبو نعيم في " المعرفة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " القتل كفارة ".
وهو من حديث خزيمة بن ثابت.
وفي إسناده ابن لهيعة.
قال الحافظ: لكنه من حديث ابن وهب عنه، فيكون حسنا.
ورواه الطبراني في الكبير عن الحسن بن علي موقوفا عليه.