المحافظة على النفس كرامة الانسان

المحافظة على النفس كرامة الانسان:
ان الله سبحانه كرم الانسان: خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في السموات وما في الارض جميعا منه، وجعله خليفة عنه، وزوده بالقوى والمواهب ليسود الارض، وليصل إلى أقصى ما قدر له من كمال مادي واترقاء روحي.
ولا يمكن أن يحقق الانسان أهدافه، ويبلغ غاياته إلا إذا توفرت له جميع عناصر النمو، وأخذ حقوقه كاملة.
وفي طليعة هذه الحقوق التي ضمنها الاسلام: حق الحياة، وحق التملك، وحق صيانة العرض، وحق الحرية، وحق المساواة، وحق التعلم.
قال الله تعالى: وهذه الحقوق، واجبة للانسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن لونه، أو دينه، أو جنسه، أو وطنه، أو مركزه الاجتماعي.
" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " (1) .
وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال:
" أيها الناس، ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله، وعرضه ".
حق الحياة: وأول هذه الحقوق وأولاها بالعناية حق الحياة، وهو حق مقدس لا يحل انتهاك حرمته ولا استباحة حماه.
يقول الله سبحانه: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " (2)

(1) سورة الاسراء: آية 70.
(2) سورة الاسراء: الاية 33.

والحق الذي تزهق به النفوس.
هو ما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله عن ابن مسعود رضي الله عنه: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لاإله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب (1) الزاني، والنفس بالنفس (2) ، والتارك لدينه المفارق للجماعة (3) ".
رواه البخاري ومسلم.
ويقول الله سبحانه وتعالى: " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خطأ كبيرا ".
(4) ويقول سبحانه: " وإذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت " (5) .
والله سبحانه جعل عذاب من سن القتل عذابا لم يجعله لاحد من خلقه.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: " ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم كفل من دمها، لانه كان أول من سن القتل " (6) . رواه البخاري ومسلم.
ومن حرص الاسلام على حماية النفوس أنه هدد من يستحلها بأشد عقوبة.
فيقول الله تعالى: " ومن يقتل مؤمنا متعمدا، فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه، ولعنه وأعد له عذابا عظيما " (7) .
فبهذه الآية تقرر أن عقوبة القاتل في الآخرة العذاب الاليم، والخلود المقيم

(1) الثيب الزاني: المتزوج.
(2) النفس بالنفس: أي فقتل النفس التي قتلت نفسا عمدا بغير حق بقتل النفس.
(3) التارك لدينه المفارق للجماعة: أي المرتد عن دين الاسلام.
(4) سورة الاسراء، الآية: 31.
(5) سورة التكوير: الآيتان 8، 9.
(6) هو قابيل الذي قتل هابيل.
والكفل: النصيب.
قال النووي: هذا الحديث من قواعد الاسلام، وهو أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه وزر كل من اقتدى به في ذلك العمل، مثل عمله يوم القيامة.
(7) سورة النساء: الآية 93.

في جهنم، والغضب واللعنة والعذاب العظيم.
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: " لا توبة لقاتل مؤمن عمدا ".
لانها آخر ما نزل، ولم ينسخها شئ، وإن كان الجمهور على خلافه.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ".
رواه ابن ماجه بسند حسن عن البراء.
وروى الترمذي بسند حسن عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أهل السماء وأهل الارض اشتركوا في دم مؤمن، لاكبهم الله في النار ".
وروى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة، كتب بين عينيه يوم القيامة: آيس من رحمة الله ".
ذلك أن القتل هدم لبناء أراده الله، وسلب لحياة المجني عليه، واعتداء على عصبته الذين يعتزون بوجوده، وينتفعون به، ويحرمون بفقده العون، ويستوي في التحريم قتل المسلم والذمي وقاتل نفسه.
ففي قتل الذمي جاءت الاحاديث مصرحة بوجوب النار لمن قتله.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل معاهدا (1) ، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها بوجد من مسيرة أربعين عاما " (2) .
وأما قاتل نفسه فالله سبحانه وتعالى يحذر من ذلك فيقول:

(1) المعاهد: من له عهد مع المسلمين - إما بأمان من مسلم - أو هدنة من حاكم - أو عقد جزية.
(2) وعدم وجدان رائحتها يستلزم عدم دخولها.
قال الحافظ في الفتح: إن المراد بهذا النفي - وإن كان عاما - التخصيص بزمان ما، لتعاضد الادلة الفعلية والنقلية: أي من مات
مسلما، وكان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامه غير مخلد في النار، ومآله الجنة ولو عذب قبل ذلك.
انتهى.

" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (1) .
ويقول: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " (2) .
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " من تردى (3) من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ (4) بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ".
وروى البخاري عن أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النار.
والذي يقتحم (5) يقتحم في النار ".
وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان فيمن قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات (6) قال الله تعالى: " بادرني عبدي بنفسه: حرمت عليه الجنة ". رواه البخاري.
وثبت في الحديث " من قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة ".
ومن أبلغ ما يتصور في التشنيع على القتلة بالاضافة إلى ما سبق أن الاسلام
اعتبر القاتل لفرد من الافراد كالقاتل للافراد جميعا، وهذا أبلغ ما يتصور من التشنيع على ارتكاب هذه الجريمة النكراء.
يقول سبحانه: " أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس

(1) سورة البقرة: الآية 195.
(2) سورة النساء: الآية 29.
(3) التردي: السقوط.
أي أسقط نفسه متعمدا مثلا.
(4) يتوجأ: يضرب بها نفسه.
(5) يقتحم: يرمي نفسه.
(6) أي ما انقطع حتى مات.

جميعا. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " (1) .
ولعظم أمر الدماء وشدة خطورتها، كانت هي أول ما يقضى فيها بين الناس يوم القيامة (2) كما رواه مسلم.
وقد شرع الله سبحانه القصاص واعدام القاتل انتقاما منه، وزجرا لغيره، وتطهيرا للمجتمع من الجرائم التي يضطرب فيها النظام العام، ويختل معها الامن.
فقال: " ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب، لعلكم تتقون " (3) .
وهذه العقوبة مقررة في جميع الشرائع الالهية المتقدمة.
ففي الشريعة الموسوية جاء بالفصل الحادي والعشرين من سفر الخروج: " أن من ضرب إنسانا فمات فليقتل قتلا، وإذا بغى رجل على آخر فقتله اغتيالا فمن قدام مذبحي تأخذه ليقتل، ومن ضرب أباه وأمه يقتل قتلا، وإن حصلت أذية فأعط نفسا بنفس، وعينا بعين، وسنا بسن، ويدا بيد، ورجلا برجل، وجرحا بجرح، ورضا برض " وفي الشريعة المسيحية يرى البعض أن قتل القاتل لم يكن من مبادئها مستدلين على ذلك بما ورد بالاصحاح الخامس من إنجيل متى من قول عيسى عليه السلام: " لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الايمن فحول له خدك الآخر أيضا.
ومن رأى أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا، ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين.
ويرى البعض الآخر أن الشريعة المسيحية عرفت عقوبة الاعدام مستدلا على ذلك بما قاله عيسى عليه السلام: " ما جئت لانقض الناموس، وإنما جئت لاتمم ".
وقد تأيد هذا النظر بما ورد في القرآن الكريم:

(1) سورة المائدة: الآية 32.
(2) وهذا فيما بين العباد، وأما حديث: أول ما يحاسب به العبد الصلاة فهو فيما بين العبد وبين الله.
(3) سورة البقرة: الآية 179.