عقوبة السرقة

ومطالبته بالمسروق شرط ويثبت الحد بشهادة عدلين أو بالاقرار ويكفي فيه مرة واحدة عند مالك والشافعية والاحناف لان النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق المجن وسارق رداء صفوان، ولم ينقل أنه أمره بتكرار الاقرار.
وما وقع من التكرار في بعض الحالات فهو من باب التثبت.
ويرى أحمد وإسحاق وابن أبي ليلى أنه لا بد من تكراره مرتين.
دعوى السارق الملكية: وإذا ادعى السارق أن ما أخذه من الحرز ملكه بعد قيام البينة عليه بأنه سرق من الحرز نصابا فقال مالك: يجب عليه القطع بكل حال ولا يقبل دعواه وقال أبو حنيفة والشافعي لا يقطع وسماه الشافعي: " السارق الظريف "
تلقين السارق ما يسقط الحد: ويندب للقاضي أن يلقن السارق ما يسقط الحد، لما رواه أبو أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص اعترف، ولم يوجد معه متاع.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت (1) ؟ قال: بلى، مرتين أو ثلاثا.
رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، ورجاله ثقات.
وقال عطاء: كان من قضى (2) يؤتى إليهم بالسارق، فيقول: أسرقت؟ قل: لا.
وسمى (3) أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وعن أبي الدرداء.
أنه أتي بجارية سرقت فقال لها: أسرقت؟ قولي: لا.
فقالت: لا. فخلى سبيلها.
وعن عمر أنه أتي برجل سرق فسأله " أسرقت؟ قل: لا.
فقال: لا " فتركه.
عقوبة السرقة:
إذا ثبتت جريمة السرقة وجب إقامة الحد على السارق فتقطع يده اليمنى

(1) إخالك: أي أظنك.
(2) من قضى: أي من تولى القضاء.
(3) أي ذكر أن أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك حينما توليا القضاء.

من مفصل الكف وهو الكوع (1) لقوله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " ولا يجوز العفو عنها من أحد لا من المجني عليه ولا من الحاكم، كما لا يجوز أن تستبدل بها عقوبة أخرى أخف منها أو تأخير تنفيذها أو تعطيلها، خلافا للشيعة الذين يرون أن القطع يسقط عن السارق بعفو المجني عليه في السرقة وكذلك يرون أن للامام مع وجوب إقامة الحد أن يسقط
العقوبة عن بعض الناس لمصلحة، وله تأخيرها عن بعضهم لمصلحة، وهذا مخالف لجماعة أهل السنة الذين يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " تجافوا العقوبة بينكم، فإذا انتهي بها إلى الامام فلا عفا الله عنه إن عفا ".
فإذا سرق ثانيا تقطع رجله، ثم إن الفقهاء اختلفوا فيما إذا سرق ثالثا بعد قطع يده ورجله.
فقال أبو حنيفة: يعزر ويحبس.
وقال الشافعي وغيره: تقطع يده اليسرى، ثم إذا عاد إلى السرقة تقطع رجله اليمنى ثم إذا سرق يعزر ويحبس.
حسم يد السارق إذا قطعت: وتحسم يد السارق بعد القطع، فتكوى بالنار، أو تتخذ أي طريقة من الطرق حتى ينقطع الدم فلا يتعرض المقطوع للتلف والهلاك.
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسارق قد سرق شملة فقالوا: يارسول الله، إن هذا قد سرق: فقال رسول الله صلى الله عليه

(1) كان القطع معمولا به في الجاهلية فأقره الاسلام مع زيادة شروط أخرى: ويقال إن أول من قطع الايدي في الجاهلية قريش، قطعوا رجلا يقال له دويك مولى لبني مليح بن عمرو بن خزاعة كان قد سرق كنز الكعبة ويقال: سرقه قوم فوضعوه عنده قال القرطبي: وقد قطع السارق في الجاهلية وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد بن المغيرة فأمر الله بقطعه في الاسلام، وكان أول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام من الرجال الخيار ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف ومن النساء مرة بنت سمعان بن عبد الاسد من بني مخزوم وقطع أبو بكر اليمني الذي سرق العقد وهو رجل من أهل اليمن أقطع اليد والرجل وقد كان سرق عقدا لاسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقطع يده اليسرى.
وقطع عمر يد ابن سمرة أخي عبد الرحمن بن سمرة.

وسلم: " ما أخاله سرق (1) "، فقال السارق: بلى يارسول الله.
فقال: " اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه (2) ، ثم ائتوني به "، فقطع فأتي به.
فقال: تب إلى الله.
قال: قد تبت إلى الله.
فقال: " تاب الله عليك ".
رواه الدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وصححه ابن القطان.
تعليق يد السارق في عنقه: ومن التنكيل بالسارق والزجر لغيره، أمر الشارع بتعليق يد السارق المقطوعة في عنقه.
روى أبو داود والنسائي والترمذي: وقال " حسن (3) غريب، عن عبد الله بن محيريز قال: سألت فضالة عن تعليق يد السارق في عنقه: أمن السنة هو؟ فقال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه.
اجتماع الضمان والحد: إذا كان المسروق قائما رد إلى صاحبه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " وهذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق.
فإذا تلف المسروق في يد السارق ضمن بدله، وقطع ولا يمنع أحدهما الاخر، لان الضمان الحق الادمي، والقطع يجب لله تعالى، فلا يمنع أحدهما الاخر كالدية والكفارة.
وقال أبو حنيفة: إذا تلف المسروق فلا يغرم السارق لانه لا يجتمع الغرم مع القطع بحال لان الله ذكر القطع ولم يذكر الغرم.
وقال مالك وأصحابه: إن تلف، فإن كان موسرا غرم، وإن كان معسرا لم يكن عليه شئ.

(1) في هذا إيحاء للسارق بعدم الاقرار وبالرجوع عنه.
(2) في هذا دليل على أن نفقة الحسم ومؤنته ليست على السارق وإنما هي في بيت المال.
(3) في إسناده الحجاج بن أرطأة قال النسائي: هو ضعيف لا يحتج بحديثه.