" رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق ".
ويقول: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه ".
فإذا كان الصبي مراهقا بحيث يؤذي قذفه فإنه يعزر تعزيرا مناسبا.
شروط المقذوف:
وشروط المقذوف هي:
1 - العقل: لان الحد إنما شرع للزجر عن الاذية بالضرر الواقع على المقذوف، ولا مضرة على من فقد العقل فلا يحد قاذفه.
2 - البلوغ: وكذلك يشترط في المقذوف البلوغ، فلا يحد قاذف الصغير والصغيرة، فإذا رمى صبية يمكن وطئها قبل البلوغ بالزنا، فقد قال جمهور العلماء: إن هذا ليس بقذف، لانه ليس بزنا، إذ لا حد عليها.
ويعزر القاذف.
وقال مالك: ان ذلك قذف يحد فاعله.
وقال ابن العربي: " والمسألة محتملة الشك.
لكن مالك غلب عرض المقذوف وغيره راعى حماية ظهر القاذف، وحماية عرض المقذوف أولى، لان القاذف كشف ستره بطرف لسانه، فلزم الحد ".
وقال ابن المنذر: " وقال أحمد في الجارية بنت تسع يجلد قاذفها، وكذلك الصبي إذا بلغ ضرب قاذفه ".
وقال إسحاق: إذا قذف غلام يطأ مثله فعليه الحد.
والجارية إذا جاوزت تسعة مثل ذلك.
وقال ابن المنذر: لا يحد من قذف من لم يبلغ، لان ذلك كذب.
ويعزر على الاذى.
3 - الاسلام: والاسلام شرط في المقذوف، فلو كان المقذوف من غير المسلمين لم يقر الحد على قاذفه عند جمهور العلماء، وإذا كان العكس فقذف النصراني أو اليهودي المسلم الحر فعليه ما على المسلم: ثمانون جلدة.
4 - الحرية: فلا يحد العبد بقذف الحر له، سواء أكان العبد ملكا للقاذف أم لغيره: لان مرتبته تختلف عن مرتبة الحر، وإن كان قذف الحر للعبد محرما لما رواه البخاري ومسلم.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال ".
قال العلماء: وإنما كان ذلك في الاخرة لارتفاع الملك، واستواء الشريف والوضيع، والحر والعبد، ولم يكن لاحد فضل إلا بالتقوى، ولما كان ذلك تكافأ الناس في الحدود والحرمة واقتص من كل واحد لصاحبه، إلا أن يعفو المظلوم عن الظالم.
وإنما لم يتكافأوا في الدنيا لئلا تدخل الداخلة على المالكين في مكافأتهم لهم (1) فلا تصح لهم حرمة ولا فضل في منزلة، وتبطل فائدة التسخير.
ومن قذف من يحسبه عبدا فإذا هو حر فعليه الحد، وهو اختيار ابن المنذر، وقال الحسن البصري لا حد عليه.
وأما ابن حزم فإنه رأى غير ما رآه جمهور الفقهاء، فرأى أن قاذف العبد يقام عليه الحد.
وأنه لا فرق بين الحر والعبد في هذه الناحية.
قال: " وأما قولهم لا حرمة للعبد ولا للامة فكلام سخيف. والمؤمن له حرمة عظيمة ".
ورب عبد جلف خير من خليفة قرشي عند الله تعالى.
ورأي ابن حزم هذا رأي وجيه وحق، لو لم يصطدم بالنص المتقدم.
5 - العفة: وهي العفة عن الفاحشة التي رمي بها سواء أكان عفيفا عن غيرها أم لا، حتى أن من زنا في أول بلوغه ثم تاب وحسنت حالته وامتد عمره فقذفه قاذف، فإنه لا حد عليه.
وإن كان هذا القذف يستوجب التعزير لانه أشاع ما يجب ستره وإخفاؤه.
ما يجب توفره في المقذوف به: أما ما يجب توفره في المقذوف به، فهو التصريح بالزنا أو التعريض
(1) أي لئلا تفسد العلاقة بين السادة والعبيد.
الظاهر، ويستوي في ذلك القول والكتابة.
ومثال التصريح أن يقول موجه الخطاب إلى غيره: " يا زاني " أو يقول عبارة تجري مجرى هذا التصريح، كنفي نسبه عنه.
ومثال التعريض كأن يقول في مقام التنازع: " لست بزان ولا أمي بزانية ".
وقد اختلف العلماء في التعريض..فقال مالك: إن التعريض الظاهر ملحق بالتصريح، لان الكفاية قد تقوم - بعرف العادة والاستعمال - مقام النص الصريح.
وإن كان اللفظ فيها مستعملا في غير موضعه، وقد أخذ عمر رضي الله عنه بهذا الرأي.
روى مالك عن عمرة بنت عبد الرحمن: " أن رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب فقال أحدهما للاخر: " والله ما أبي بزان ولا أمي بزانية ".
فاستشار عمر في ذلك.
فقال قائل: مدح أباه وأمه.
وقال آخرون: قد كان لابيه وأمه مدح غير هذا.
نرى أن تجلده الحد فجلده عمر الحد ثمانين ".
وذهب ابن مسعود، وأبو حنيفة، والشافعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن حزم، والشيعة، ورواية عن أحمد: إلى أنه لا حد في التعريض، لان التعريض يتضمن الاحتمال، والاحتمال شبهة.
والحدود تدرأ بالشبهات.
إلا أن أبا حنيفة والشافعي يريان تعزير من يفعل ذلك.
قال صاحب الروضة الندية: كاشفا وجه الصواب في هذا:
" التحقيق أن المراد من رمي المحصنات المذكور في كتاب الله عز وجل هو أن يأتي القاذف بلفظ يدل - لغة أو شرعا أو عرفا - على الرمي بالزنا، ويظهر من قرائن الاحوال أن المتكلم لم يرد إلا ذلك، ولم يأت بتأويل مقبول يصح حمل الكلام عليه، فهذا يوجب حد القذف بلا شك ولا شبهة.
وكذلك لو جاء بلفظ لا يحتمل الزنا أو يحتمله احتمالا مرجوحا، وأقر أنه أراد الرمي بالزنا فإنه يجب عليه الحد.