عدالة هذه العقوبات

الله. فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " (1) .
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ستكون بعدي هنات وهنات.
فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان ".
عدالة هذه العقوبات:
وهذه العقوبات - بجانب كونها محققة للمصالح العامة وحافظة للامن العام فهي عقوبات عادلة غاية العدل.
إذ أن الزنا جريمة من أفحش الجرائم وأبشعها.
وعدوان على الخلق والشرف والكرامة.
ومقوض لنظام الاسر والبيوت.
ومروج للكثير من الشرور والمفاسد التي تقضي على مقومات الافراد والجماعات، وتذهب بكيان الامة، ومع ذلك فقد احتاط الاسلام في اثبات هذه الجريمة، فاشترط شروطا يكاد يكون من المستحيل توفرها.
فعقوبة الزنا عقوبة قصد بها الزجر والردع والارهاب أكثر مما قصد بها التنفيذ والفعل.
وقذف المحصنين والمحصنات من الجرائم التي تحل روابط الاسرة وتفرق بين الرجل وزوجه، وتهدم أركان البيت، والبيت هو الخلية الاولى في بنية المجتمع، فبصلاحها يصلح، وبفسادها يفسد.
فتقرير جلد مقترف هذه الجريمة ثمانين جلدة بعد عجزه عن الاتيان بأربعة شهداء يؤيدونه فيما يقذف به، غاية في الحكمة وفي رعاية المصلحة، كيلا تخدش كرامة إنسان أو يجرح في سمعته.
والسرقة ما هي إلا اعتداء على أموال الناس وعبث بها.
والاموال أحب الاشياء إلى النفوس.
فتقرير عقوبة القطع لمرتكب هذه الجريمة حتى يكف غيره
عن اقتراف جريمة السرقة، فيأمن كل فرد على ماله، ويطمئن على أحب الاشياء لديه وأعزها على نفسه، مما يعد من مفاخر هذه الشريعة.

(1) سورة الحجرات: آية 9.

وقد ظهر أثر الاخذ بهذا التشريع في البلاد التي تطبقه واضحا في استتباب الامن وحماية الاموال وصيانتها من أيدي العابثين، والخارجين على الشريعة والقانون.
وقد اضطر الاتحاد السوفيتي أخيرا إلى تشديد عقوبة السرقة بعد أن تبين له أن عقوبة السجن لم تخفف من كثرة ارتكاب هذه الجريمة، فقرر إعدام السارق رميا بالرصاص وهي أقسى عقوبة ممكنة (1) .
والمحاربون الساعون في الارض بالفساد المضربون لنيران الفتن، المزعجون للامن، المثيرون للاضطرابات، العاملون على قلب النظم القائمة، لا أقل من أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الارض.
والخمر تفقد الشارف عقله ورشده، وإذا فقد الانسان رشده وعقله ارتكب كل حماقة وفحش، فإذا جلد كان جلده مانعا له من المعاودة من جانب، ورادعا لغيره من اقتراف مثل جريرته من جانب آخر.
وجوب إقامة الحدود: إقامة الحدود فيها نفع للناس، لانها تمنع الجرائم، وتردع؟؟ اة، وتكف من تحدثه نفسه بانتهاك الحرمات، وتحقق الامن لكل فرد، على نفسه، وعرضه وماله، وسمعته، وحريته، وكرامته، وقد روى النسائي وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حد يعمل به في الارض خير لاهل الارض من أن يمطروا أربعين
صباحا (2) ".
وكل عمل من شأنه أن يعطل إقامة.
الحدود فهو تعطيل لاحكام الله، ومحاربة له، لان ذلك من شأنه إقرار المنكر وإشاعة الشر.

(1) جاء في حريدة الاهرام - 14 8 1963: " إن الاتحاد السوفيتي أعدم ثلاثة أشخاص رميا بالرصاص لاتهامهم بالسرقة، ولا يكاد يمر يوم دون أن ينشر من مثل هذا الكثير ".
(2) في الحديث جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي وهو ضعيف منكر.

روى أحمد، وأبو داود، والحاكم وصححه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد الله في أمره ".
وقد يحدث أن يغفل المرء عن الجناية التي يرتكبها الجاني وينظر إلى العقوبة الواقعة عليه، فيرق قلبه له ويعطف عليه، فيقرر القرآن أن ذلك مما يتنافى مع الايمان، لان الايمان يقتضي الطهر والتنزه عن الجرائم والسمو بالفرد والجماعة إلى الادب العالي والخلق المتين.
يقول الله سبحانه: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " (1) .
إن الرحمة بالمجتمع أهم بكثير من الرحمة بالفرد.
فقسا ليزدجروا، ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم الشفاعة في الحدود: يحرم أن يشفع أحد أو يعمل على أن يعطل حدا من حدود الله، لان في ذلك تفويتا لمصلحة محققة، وإغراء بارتكاب الجنايات، ورضا بإفلات المجرم من تبعات جرمه.
وهذا بعد أن يصل الامر إلى الحاكم، لان الشفاعة حينئذ تصرف الحاكم عن وظيفته الاولى، وتفتح الباب لتعطيل الحدود (2) .
أما قبل الوصول إلى الحاكم، فلا بأس من التستر على الجاني، والشفاعة عنده.
أخرج أبو داود، والنسائي، والحاكم وصححه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب ".

(1) سورة النساء: آية 2.
(2) ادعى ابن عبد البر الاجماع على أنه يجب على السلطان إقامة الحد إذا بلغه.