أحكام القضاء

فهو أحق، لان السفر بالولد الطفل - ولا سيما إذا كان رضيعا إضرار به وتضييع له، هكذا أطلقوه ولم يستثنوا سفر الحج من غيره.
وإن كان أحدهما منتقلا عن بلد لاخر للاقامة والبلد وطريقه مخوفان أو أحدهما، فالمقيم أحق.
وإن كان هو وطريقه آمنين، ففيه قولان: وهما روايتان عن أحمد رحمه الله.
(إحداهما) أن الحضانة للاب ليتمكن من تربية الولد وتأديبه وتعليمه، وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله، وقضى به شريح.
(والثانية) أن الام أحق.
وفيها قول ثالث: إن كان المنتقل هو الاب فالام أحق به وإن كان الام فإن انتقلت إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق به.
وان انتقلت إلى غيره فالاب أحق.
وهذا قول أبي حنيفة.
وحكوا عن أبي حنيفة رحمه الله، رواية أخرى: أن نقلها إن كان من بلد إلى قرية فالاب أحق، وإن كان من بلد إلى بلد فهي أحق، وهذه أقوال كلها كما ترى لا يقوم عليها دليل يسكن القلب إليه.
فالصواب النظر والاحتياط للطفل في الاصلح له، والانفع الاقامة أو النقلة.
فأيهما كان أنفع له وأصون وأحفظ روعي.
ولا تأثير لاقامة ولا نقلة.
هذا كله ما لم يرد أحدهما بالنقلة مضارة الاخر، وانتزاع الولد منه، فإن أراد ذلك لم يجب إليه.
والله الموفق.
أحكام القضاء (1) :
وللقضاء الشرعي أحكام يعسر إحصاؤها في القضايا الخاصة ومشاكلها، وللكثير من هذه الاحكام دلالات وقواعد صدرت عنها ومبادئ قررتها، ونكتفي هنا بأن نشير إلى هذه الاحكام.
الحكم الاول: وقد صدر من محكمة كرموز الجزئية بتاريخ 10 إبريل 1932 وتأيد من محكمة الاسكندرية الابتدائية في 29.
مايو سنة 1932 وهو

(1) من كتاب الاحوال الشخصية للدكتور محمد يوسف موسى.

يقضي برفض دعوى أب طلب ضم ابنته الصغيرة إليه، لاقامة أمها وهي زوجته في بلد بعيد عن البلد الذي كان محل إقامتهما، وفيه عقد زواجها، وهذا يسقط حقها شرعا في الحضانة.
وقد استندت المحكمة في حكمها إلى أن الثابت فقها أن الام أحق بالحضانة قبل الفرقة وبعدها.
وأن نشوز الزوجة لا يسقط حقها في الحضانة، وعلى الاب إذا أراد ضم الصغير إليه أن يطلب دخول أمه في طاعته مادامت الزوجية قائمة، فإن لم يفعل
وطلب ضم الصغير وحده كان ظالما ولا يجاب إلى طلبه، لان ذلك يفوت على الام حضانته وحق رويته.
وهكذا قرر هذا الحكم هذه القاعدة: " إذا انتقلت أم الصغير بولدها ولو إلى مكان بعيد فليس للاب حق نزعه منها مادامت الزوجية قائمة.
لان له عليها سلطان الزوجية وإدخالها في طاعته، فيضمه بضمها إليه.
وكذلك المعتدة لوجوب إسكانها بمسكن العدة ".
الحكم الثاني: وقد صدر من محكمة ببا الجزئية في 25 مايو سنة 1931 وتأيد استئنافيا من محكمة بني سويف الكلية في 20 يوليو سنة 1931 وقد قرر هذه القاعدة: " يرفض طلب الاب ضم ابنه الصغير إليه، لعدم تمكنه من الحضور من بلده إلى بلد أمه وحاضنته لرؤيته وال قبل الليل، مادامت الام مقيمة في بلد هو وطنها، ولم يكن بينه وبين بلد الاب التي ابتعد هو عنها تفاوت كبير يمنعه من الذهاب لرؤية ولده وال إلى بلده قبل الليل، سواء أكان ابتعاده عن ذلك البلد بإرداته أم بغير إرادته ".
لانه لا ذنب للحاضنة في هذا على كل حال.
ويؤخذ من وقائع هذه الدعوى.
أن المدعي كان قد تزوج المدعي عليها في بلدها بني مزار، ثم رزقت منه حال قيام الزوجية ببنت وطلقت منه في البلد المذكور وانتهت عدتها بوضع الحمل، ثم أقامت المدعي عليها دعوى بمدينة نبا وأخذت عليه حكما من محكمتها بحضانة الصغيرة بتاريخ 29 أكتوبر سنة 1930 حين كان المدعي مقيما ببني مزار، وانتهى الامر باقامته بأسيوط بحكم

وظيفته حيث رفع هذه الدعوى طالبا ضم ابنته إليه وهي لا تزيد سنها عن سنتين
وثمانية أشهر (1) .
الحكم الثالث: وقد صدر من محكمة دمنهور في 25 اكتوبر سنة 1927 ولم يستأنف وهو يقرر في حيثياته أن المنصوص عليه شرعا أن غير الام من الحاضنات ليس لها نقل الصغير من بلد أبيه إلا بإذنه.
ولكن بعض الفقهاء حمل المنع على المكانين المتفاوتين، بحيث لو خرج الاب لرؤية ولده لا يمكنه الرجوع إلى منزله قبل الليل لا المتقاربين، حيث لم يفرق بين الام وغيرها في ذلك (2) .
وهكذا نرى أنه من الضروري الوقوف على أحكام القضاء التي تعتبر تطبيقا عمليا للنصوص الفقهية، ففيها تعالج مشاكل الحياة العملية وينظر القاضي لهذه النصوص على ضوء الواقع في الحياة نفسها.

(1) المحاماة س 3 ص 165.
(2) مجلة القضاء الشرعي س 3 ص 366 وراجع مثل هذا في حكم محكمة الجمالية بتاريخ 15 أبريل 1931، المحاماة س 3 ص 163.