الأم أحق بالولد من أبيه

فإن لم تتعين الحضانة بأن كان للطفل جدة ورضيت بإمساكه وامتنعت الام فإن حقها في الحضانة يسقط بإسقاطها إياه، لان الحضانة حق لها.
وقد جاء في بعض الاحكام التي أصدرها القضاء الشرعي ما يؤيد هذا، فقد أصدرت محكمة جرجا في 23 / 7 / 1933 ما يلي: " إن لكل من الحاضنة والمحضون حقا في الحضانة، إلا أن حق المحضون أقوى من حق الحاضنة، وإن إسقاط الحاضنة حقها لا يسقط حق الصغير ".
وجاء في حكم محكمة العياط في 7 أكتوبر سنة 1928: " إن تبرع غير الام بنفقة المحضون الرضيع لا يسقط حقها في حضانة هذا الرضيع، بل يبقى في يدها ولا ينزع منها مادام رضيعا.
وذلك حتى لا يضار الصغير بحرمانه من أمه التي هي أشفق الناس عليه وأكثرهم صبرا على خدمته (1) ".
الأم أحق بالولد من أبيه:
أسمى لون من ألوان التربية هو تربية الطفل في أحضان والديه، إذ ينال من رعايتهما وحسن قيامهما عليه ما يبني جسمه وينمي عقله، ويزكي نفسه ويعده لحياة.
فإذا حدث ان افترق الوالدان وبينهما طفل، فالام أحق به من الاب، ما لم يقم بالام مانع يمنع تقديمها (2) ، أو بالولد وصف يقتضي تخييره (3) .
وسبب تقديم الام أن لها ولاية الحضانة والرضاع، لانها أعرف بالتربية وأقدر عليها، ولها من الصبر في هذه الناحية ما ليس للرجل، وعندها من الوقت ما ليس عنده، لهذا قدمت الام رعاية لمصلحة الطفل.
فعن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يارسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء (4) ، وحجري له حواء (5) وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: " أنت أحق به ما لم تنكحي ".

(1) أحكام الاحوال الشخصية للدكتور مخمد يوسف موسى.
(2) بأن لا تتوفر فيها الشروط التي يجب توفرها في الحاضنة.
(3) وهو الاستغناء عن خدمة النساء.
(4) الوعاء: الاناء.
(5) الحجر: الحضن، وحواء: أي يحويه ويحيط به، والسقاء: وعاء الشرب

اخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
وعن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كانت عند عمربن الخطاب امرأة من الانصار، فولدت له عاصم بن عمر، ثم إن عمر فارقها، فجاء عسر قباء - فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد.
فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام، فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق.
فقال عمر: ابني، وقالت المرأة: ابني.
فقال أبو بكر: خل بينها وبينه.
فما راجعه عمر الكلام (1) .
رواه مالك في الموطأ.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة، تلقاه أهل العلم بالقبول.
وفي بعض الروايات أنه قال له: " الام أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأخير وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج ".
وهذا الذي قاله أبو بكر رضي الله عنه من كون الام أعطف وألطف هو العلة في أحقية الام بولدها الصغير.
ترتيب أصحاب الحقوق في الحضانة: وإذا كانت الحضانة للام ابتداء فقد لاحظ الفقهاء أن قرابة الام تقدم على قرابة الاب، وأن الترتيب بين أصحاب الحق في الحضانة يكون على هذا النحو. الام: فإذا وجد مانع يمنع تقديمها (2) انتقلت الحضانة إلى أم الام، وإن علت. فإن وجد مانع انتقلت إلى أم الاب، ثم إلى الاخت الشقيقة. ثم الاخت لام، ثم الاخت لاب، ثم بنت الاخت الشقيقة فبنت الاخت لام. ثم الخالة الشقيقة، فالخالة لام. فالخالة لاب. ثم بنت الاخت لاب. ثم بنت الاخ الشقيق، فبنت الاخ لام، فبنت الاخ لاب، ثم العمة الشقيقة، فالعمة

(1) وكان مذهب عمر مخالفا لمذهب أبي بكر، ولكنه سلم للقضاء ممن له الحكم والامضاء، ثم كان بعد في خلافته يقضي به ويفتي.
ولم يخالف مذهب أبي بكر مادام الصبي لا يميز، ولا مخالف لهما من الصحابة، أفاده ابن القيم.
(2) كأن فقدت شرطا من شروط الحضانة التي ستأتي بعد