تزين الرجل لزوجته

يتبعه من تعاليم خلقية وأدبية، إنما هو من وحي الله، شرعه لكل عصر ولكل زمان ومكان ... فإذا كان التطور جائزا في أمور الدنيا، وشئون الحياة، فليس ذلك مما يجوز في دين الله.
إن الدين نفسه هو الذي فتح للعقل الانساني آفاق الكون، لينظر فيه، وينتفع بما فيه من قوى وبركات.
ويطور حياته لتصل إلى أقصى ما قدر له من تقدم ورقي ... فثمة فرق كبير بين ما يقبل التطور وبين ما لا يقبله ... والدين ليس لعبة تخضع للاهواء، وتوجهها الشهوات والرغبات (1) .
تزين الرجل لزوجته:
من المستحب أن يتزين الرجل لزوجته، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لاتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف (2) كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقها الذي لها علي، لان الله تعالى قال: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ".
قال القرطبي في قول ابن عباس هذا: قال العلماء: " أما زينة الرجال فعلى تفاوت أحوالهم، فإنهم يعملون ذلك على الليق (3) والوفاق.
فربما كانت زينة تليق في وقت ولا تليق في وقت، وزينة تليق بالشباب، وزينة تليق بالشيوخ ولا تليق بالشباب ".
قال: " وكذلك في شأن الكسوة، ففي هذا كله ابتغاء الحقوق، فإنما يعمل اللائق والوفاق، ليكون عند امرأته في زينة تسرها، ويعفها عن غيره من الرجال ".

(1) أطلنا القول في هذا الموضوع: لاهميته، ولانه إحدى المشكلات الاجتماعية التي تحتاج إلى المزيد من العناية.
(2) أستنظف: آخذ الحق كله.
(3) الليق: اللياقة والحذق.

قال: " وأما الطيب، والسواك، والخلال، والرمي بالدرن (1) ، وفضول الشعر، والتطهر، وقلم الاظافر، فهو بين موافق للجميع.
والخضاب للشيوخ، والخاتم للجميع من الشباب والشيوخ زينة، وهو حلى الرجال.
ثم عليه أن يتوخى أوقات حاجتها إلى الرجال فيعفها، ويغنيها عن التطلع إلى غيره ... وإن رأي الرجل من نفسه عجزا عن إقامة حقها في مضجعها، أخذ من الادوية التي تزيد في باهه، وتقوي شهوته حتى يعفها (2) .

(1) الدرن: الوسخ.
(2) درج بعض الناس على تعاطي المخدرات كالحشيش والافيون وسواها واستناموا لها استنامة لا إفاقة منها وهم في الحقيقة جانون على أنفسهم وعائلاتهم جناية ليست وراءها جناية. ومن المؤسف أنهم يترخصون في هذا إشباعا لشهواتهم وخضوعا لاهوائهم وقد ذهب العلماء إلى أن الحشيش محرم وأن متعاطيه يستحق حد شارب الخمر وأن مستحله كافر مرتد عن الاسلام، وإن زوجته تبين منه، هذا فضلا عن إضعافه البدن فيفقد نشاطه، وقوته.

حديث أم زرع - عن عائشة قالت: " جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن، (1) وتعاقدن أن لا يكتمن من أحبار أزواجهن شيئا: قالت الاولى: زوجي لحم جمل غث (2) على رأس جبل (3) لا سهل (4) فيرتقى (5) ولا سمين فينتقل (6) .
وقالت الثانية: زوجي لا أبث (7) خبره. إني أخاف أن لا أذره (8) .

ذكر النسائي أن سبب هذا الحديث أن قالت عائشة: " فخرت بمال أبي في الجاهلية، وكان ألف ألف أوقية.
فقال النبي على الله عليه وسلم " اسكتي يا عائشة، فإني كنت لك كأبي زرع لام زرع "..وقيل سبب الحديث أن عائشة وفاطمة جرى بينهما كلام فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي. إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع، فقالت: يا رسول الله حدثنا عنهما.
فقال: كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة، وكان الرجال خلوفا، فقلن، تعلين نتذاكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب..وقيل إن هذه القرية كانت باليمن ... وقيل إنهن كن بمكة ... وقيل: إنهن كن في الجاهلية.
(1) أي الزمن أنفسهن عهدا وتعاقدن على الصدق.
(2) هزيل يستكره.
(3) أي كثير الضجر شديد الغلظة يصعب الرقي إليه كالجبل.
(4) أي لا هو سهل ولا سمين، شبهت شيئين بشيئين: شبهت زوجها باللحم الغث، وشبهت سوء خلقه بالجبل العوعر ثم فسرت ما أجملت: لا الجبل سهل فلا يشق ارتقاؤه لاخذ اللحم ولو كان هزيلا، لان الشئ المزهود فيه قد يؤخذ إذا وجد بغير نصب، ولا اللحم سمين فيتحمل المشقة في صعود الجبل لاجل تحصيله.
(5) وصف للجبل أي لا سهل فيرتقي إليه.
(6) وصف للحم: أي أنه لهزاله لا يرغب أحد فهى ينتقل إليه أي أن زوجها شديد البخل سئ الخلق ميئوس منه.
(7) أي لا أظهر حديثه الذي لا خير فيه.
(8) أي أخاف أن لا أترك من خبره شيئا، فلطوله وكثرته أكتفى بالاشارة إلى معايبه خشية أن يطول الخطب من طولها.

إن أذكره أذكر عجره (1) وبجره (2) .
قالت الثالثة: زوجي العشنق (3) : إن أنطق أطلق (4) ، وإن أسكت أعلق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة (5) ، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد (6) ، وإن خرج أسد (7) ولا يسأل عما عهد (8) .
قالت السادسة: زوجي إن أكل لف (9) ، وإن شرب اشتف (10) ، وإن اضطجع التف (11) ولا يولج الكف ليعلم البث (12) .

(1) العجر: تعقد العروق والعصب في الجسد ... (2) والبجر مثلها إلا أنها تكون مختصة بالتي تكون في البطن.
قال الخطابي: أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة، ولعله كان مستور الظاهر ردئ الباطن، وهي عنت أن زوجها كثير المعايب متعقد النفس عن المكارم ... (3) المذموم الطول - أرادت أن لا منظرا بلا مخبر. وقيل هو السئ الخلق.
(4) أي إن ذكرت عيوبه وبلغه ذلك طلقني، وإن أسكت عنها فأنا عنده معلقة لا ذات زوج ولا مطلقة مع أنها متعلقة به وتحبه مع سوء خلقه.
(5) تهامة بلاد حارة في معظم الزمان وليس فيها رياح باردة فيطيب الليل لاهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حرارتها..فوصفت زوجها بجميل العشرة واعتدال الحال، وسلامة الباطن، فكأنها قالت لا أذى عنده ولا مكروه ... وأنا آمنة منه فلا أخاف من شره ... فليس سئ الخلق فأسأم من عشرته. فأنا لذيذة العيش عنه كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل.
(6) شبهته بالفهد لانه يوصف بالحياء وقلة الشر وكثرة النوم والوثوب، فهي وصفته بالغفلة عند دخول البيت على وجه المدح له.
(7) أسد أي يصير بين الناس مثل الاسد فهي تريد أنه في البيت كالفهد في كثرة النوم والوثوب وفي خارجه كالاسد على الاعداء.
(8) بمعنى أنه شديد الكرم كثير التغاضي لا يتفقد ما ذهب ما ماله فهو كثير التسامح.
(9) المراد باللف الاكثار منه. فعنده نهم وشره.
(10) الاشتفاف في الشرب عدم الابقاء على شئ من المشروب.
(11) أي بكسائه وحده، وانقبض عن أهله إعراضا فهي حزينة بذلك.
(12) البث هو الحزن أي لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من حزن فيزيله، ويحتمل أن تكون أرادت أنه ينام نوم العاجز الفشل: أردات أنه لا يسأل عن الامر الذي تهتم به، هو المباشرة الجنسية.

قالت السابعة: زوجي غياباء.
أو عياياء، طباقاء (1) ، كل داء له داء (2) شجك (3) أو قلك (4) أو جمع كلا لك (5) .
قالت الثامنة: زوجي المس مس (6) أرنب، والريح ريح زرنب (7) .
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد (8) طويل النجاد (9) ، عظيم الرماد (10) قريب البيت من الناد (11) .
قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك (12) قليلات المسارح (13) وإذا سمعن صوت المزهر (14) أيقن أنهن هوالك (15) .
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟ (16)

(1) شك من راوي الحديث والعياباء الذي لا يضرب، ولا يلقح من الابل، وبالمعجمة ليس بشئ، والطباقاء الاحمق..أو هو الثقيل الصدر: فهي تصفه بأنه عاجز عن النساء ثقيل الصدر (2) أي كل داء تفرق في الناس فهو فيه.
(3) شجك: أي جرحك في رأسك وجراحات الرأس تسمى شجاجة.
(4) فلك: أي جرح جسدك.
(5) أي أنه ضروب للنساء، فإذا ضرب إما أن يكسر عظما، أو يشج رأسا أو يجمعهما.
(6) أي ناعم الجلد مثل الارنب.
(7) الززنب نبت طيب الريح.
(8) وصفته بعلو بيته وطوله، فإن بيوت الاشراف كذلك يعلونها ويضربونها في المواضع المرتلعة (9) النجاد: حمالة السيف، وهي تريد أنه أيضا شجاع.
(10) كناية عن الكرم.
(11) أي وضع بيته وسط الناس ليسهل لقاؤه، وهو لا يحتجب عن الناس.
(12) جمع مبرك وهو موضع نزول الابل.
(13) الموضع الذي تطلق لترعى فهى أي لا تخرج إلى المرعى إلا قليلا استعدادا لنحهن للضيوف.
(14) آلة من آلات الطرب والغناء وهو العود.
(15) فإذا رأت الابل ذلك وسمعت ضرب العود أيقنت أنها هوالك، وأنها ستذبح للضيوف.
وقولها مالك وما مالك استفهامية تقال للتعظيم والتعجب.
(16) أي أن شأنه عظيم.

أناس (1) من حلي أذني (2) ، وملا من شحم عضدي (3) وبجحني فبجحت (4) إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمه بشق (5) فجعلني في أهل صهيل (6) وأطيط (7) ودائس (8) ومنق (9) فعنده أقول فلا أقبح (10) ، وأرقد فأتصبح (11) .
وأشرب فأتقمح (12) .
أم أبي زرع، فما أم أبي زرع؟: عكومها (13) رداح (14) ، وبيتها فساح (15) .
ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟
مضجعة كمسل (16) شطبة،

(1) أناس، أي حرك وأثقل.
(2) المراد أنه ملا أذنيها من أقراط من ذهب ولؤلؤ.
و3) لم ترد العضد وحده، وإنما أرادت الجسم كله، وخصت العضد لانه أقرب ما يلي بصر الانسان من جسده أي كثرت نعمه عليها حتى سمن جمسها.
(4) المراد أنه فرحها ففرحت، وقيل عظمني فعظمت إلى نفسي.
(5) بشق: أي بشظف وجهد ومنه قول الله تعالى: لم تكونوا بالغيه إلى بشق الانفس) أي بعد جهد ومشقة.
(6) صهيل: أي خيل.
(7) أطيط: أي إبل، وأصل الاطيط صوت أعواد المحامل، ويطلق الاطيط على كل شئ نشأ عن ضغط.
(8) المارد أن عندهم طعاما منتقى من الزرع الذي يداس في بيدره ليتميز الحب من السنبل.
(9) المنق: الالة التي تميز الحب وتنقيه مثل المنخل والغربال.
(10) أي لكثرة إكرامه لها وتدللها عليه لا يرد لها قولا، ولا يقبح عليها ما تأتي به.
(11) أي أنام الصبحة وهي نوم أول النهار، فلا أوقظ، إشارة إلى أن لها من يكفيها مؤنة بيتها ومهنة أهلها.
(12) هو الشرب على مهل حتى تمتلئ، وترتوي وهي تريد أنواع الاشربة من لبن وغير ذلك.
(13) هي نمط تجعل المرأة فيها ذخيرتها ومتاعها - حقيبة -.
(14) يقال للكتيبة الكبيرة رداح إذا كانت بطيئة السير، ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الكفل ثقيلة الوردك رداح.
أي أنها ثقيلة من ملئها.
(15) فساح: واسع.
والمعنى أنها وصفت أم زوجها بأنها كثيرة الالات والاثات والقماش واسعة المال كبيرة البيت، والمرأة التي تكون على هذا الحال يكون ابنها صغيرا لم يطعن في السن غالبا فزوجها صغير.
(16) أرادت بمسل الشطبة سيفا سل من غمده، فمضجعه الذي ينام فيه في الصغر كقدر سل شطبة واحدة: وهي العود المحدود كالمسلة.

ويشبعه ذراع الجفرة (1) .
بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها (2) ، وملء كسائها (3) وغيظ جارتها (4) جارية أبي زرع.
فما جارية أبي زرع؟ لا تبث (5) حديثنا تبثيثا (6) ، ولا تنقث (7) ميراثنا تنقيثا (8) ولا تملا بيتنا تقشيشا (9) .
قالت خرج أبو زرع، والاوطاب (10) تمخض (11) فلقي (12) امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلقيان من تحت خصرها برمانتين (13) فطلقني ونكحها فنكحت بعده رجلا سريا (14) ركب شريا (15)

(1) الجفرة: هي الانثى من ولد المعز إذا كان سن أربعة أشهر، وفصل عن أمه وأخذ في الرعي فهي وصفت ابن زوجها بأنه خفيف الوطأة عليها، فإذا دخل بيتها وقت القيلولة مثلا لم يضطجع إلا قدر ما يسل السيف من غمده، وأنه لا يحتاج طعاما من عندها، فلو طعم لا كتفي باليسير الذي يسد الرمق من المأكول والمشروب فهو ظريف لطيف.
(2) أي أنها بارة بهما.
(3) كناية عن كمال شخصها ونعمة جسمها.
(4) أي أنها تغيظ جارتها لما ترى من نعم وخير، والمراد بجارتها ضرتها أو المراد في الحقيقة شأن أغلب الجارت.
(5) لا تبث أي لا تظهر.
(6) أي لا تفش سرا.
(7) أي لا تسرع فيه بالخيانة ولا تذهبه بالسرقة.
أو تحسن صنع الطعام.
(8) الميرة: هي الزاد وأصله ما يحصله البدوي من الخضر ويحمله إلى منزله.
(9) أي مصلحة للبيت مهتمة بتنظيمه وتنظيفه.
(10) جمع وطب وهو وعاء اللبن.
(11) إخراج الزبد من اللبن والمراد أنه خرج من عندها مبكرا.
(12) سبب رؤية أبي زرع للمرأة وهي على هذه الحالة أنها تعبت من مخض اللبن فاستلقت تستريح فرآها على هذه الحالة، وسبب رغبته في إنكاحها أنهم كانوا يحبون نكاح المرأة المنجبة.
(13) المراد بالرمانة ثديها، وهذا دليل على أن المرأة كانت صغيرة السن وأن ولديها كانا يلعبان وهما في حضنها أو جنبها.
(14) أي من سراة الناس أي شريفا.
(15) فرسا عظيما خيرا، والشرى هو الذي يمضي في السير بلا فتور.

وأخذ خطيا (1) وأراح (2) علي نعما ثريا (3) ، وأعطاني من كل رائحة زوجا (4) ، وقال كلي أم زرع وميري (5) أهلك.
قالت فلو جمعت كل شي أعطانيه ما بلغ أصغر آنية (6) أبي زرع.
قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنت لك كأبي زرع لام زرع " (7) .
رواه الشيخان والنسائي.

(1) هو الرمح.
(2) أي أتى بها إلى المراح وهو موضع مبيت الحاشية، وقيل معناه غزا فغنم فأتى بالنعم الكثيرة.
(3) أي كثيرة.
(4) المعنى أعطاني من كل شئ يذبح زوجا أي اثنين من كل شئ من الحيوان الذي يرعى. وأرادت كذلك كثرة ما أعطاها.
(5) ميري أهلك. أي صليهم واسعي إليهم بالميرة وهي الطعام.
(6) أي التي كان يطبخ فيها عند أبي زرع على الدوام والاستمرار من غير نفس ولا قطع.
(7) في رواية بزيادة في آخره: إلا أنه طلقها وإني ألا أطلقك. وزاد النسائي في رواية: عائشة يا رسول الله: بل أنت خير من أبي زرع.