النفقة

النفقة:
المقصود بالنفقة هنا: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن، وخدمة، ودواء، وإن كانت غنية.
وهي واجبة بالكتاب، والسنة، والاجماع.
أما وجوبها بالكتاب:
1 - فلقول الله تعالى: " وعلى الولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
ولا تكلف نفس إلا وسعها " (1) .
والمراد بالمولود له: الاب.
والرزق في هذا الحكم: الطعام الكافي: والكسوة.
اللباس والمعروف: المتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط.
2 - وقوله سبحانه: " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم، ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن، وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " (2) .
3 - وقوله تعالى: " لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها " (3) .
وأما وجوبها بالسنة:
1 - فقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: " فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بكلمة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه

(1) سورة البقرة آية 233.
(2) سورة الطلاق آية 6.
(3) سورة الطلاق آية 7.

فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن، وكسونهن بالمعروف ".
2 - وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن هندا بنت عتبة قالت، يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني وولدي إلا أن أخذت منه - وهو لا يعلم - قال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
3 - وعن معاوية القشيري رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: " تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ".
وأما الاجماع: فقد قال ابن قدامة: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن.
ذكر ابن المنذر وغيره.
قال: وفيه ضرب من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من النصرف والاكتساب.
فلابد من أن يتفق عليها.
سبب وجوب النفقة:
وإنما أوجب الشارع النفقة على الزوج لزوجته، لان الزوجة بمقتضى عقد
الزواج الصحيح تصبح مقصورة على زوجها، ومحبوسة لحقه، لاستدامة الاستمتاع بها، ويجب عليها طاعته، والقرار في بيته، وتدبير منزله، وحضانة الاطفال وتربية الاولاد، وعليه نظير ذلك أن يقوم بكفايتها والانفاق عليها، مادامت الزوجية بينهما قائمة، ولم يوجد نشوز، أو سبب يمنع من النفقة عملا بالاصل العام: " كل من احتبس لحق غيره ومنفعته، فنفقته على من احتبس لاجله ".
شروط استحقاق النفقة:
ويشترط لاستحقاق النفقة الشروط الاتية:
1 - أن يكون عقد الزواج صحيحا.
2 - أن تسلم نفسها إلى زوجها.
3 - أن تمكنه من الاستمتاع بها.

4 - ألا تمتنع من الانتقال حيث يريد الزوج (1) .
5 - أن يكونا من أهل الاستمتاع.
فإذا لم يتوفر شرط من هذه الشروط، فإن النفقة لا تجب: ذلك أن العقد إذا لم يكن صحيحا، بل كان فاسدا، فإنه يجب على الزوجين المفارقة، دفعا للفساد.
وكذلك إذا لم تسلم نفسها إلى زوجها، أو لم تمكنه من الاستمتاع بها، أو امتنعت من الانتقال إلى الجهة التي يريدها، ففي هذه الحالات لا تجب النفقة حيث لم يتحقق الاحتباس الذي هو سببها، كما لا يجب ثمن المبيع إذا امتنع البائع من تسليم المبيع، أو سلم في موضع دون موضع.
ولان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها ودخلت عليه بعد سنتين ولم ينفق عليها إلا من حين دخلت عليه، ولم يلتزم نفقتها لما مضى.
وإذا أسلمت المرأة نفسها إلى الزوج، وهي صغيرة لا يجامع مثلها، فعند المالكية والصحيح من مذهب الشافعية أن النفقة لا تجب، لانه لم يوجد التمكين التام من الاستمتاع.
فلا تستحق العوض من النفقة.
قالوا: وإن كانت كبيرة والزوج صغير فالصحيح أنها تجب، لان التمكين وجد من جهتها، وإنما تعذر الاستيفاء من جهته، فوجبت النفقة كما لو سلمت إلى الزوج، وهو كبير فهرب منها.
والمفتى به عند الاحناف: أن الزوج إذا استبقى الصغيرة في بيته، وأسكنها للاستئناس بها، وجبت لها النفقة لرضاه هو بهذا الاحتباس الناقص. وإن لم يمسكها في بيته فلا نفقة لها (2) .
وإذا سلمت الزوجة نفسها وهي مريضة مرضا يمنعها من مباشرة الزوج لها وجبت لها النفقة.
وليس من حسن المعاشرة الزوجية، ولا من المعروف الذي أمر الله به أن يكون المرض مفوتا ما وجب لها من النفقة.

(1) إلا إذا كان الزوج يريد الاضرار بها بالسفر، أو لا تأمن على نفسها أو مالها.
(2) هذا مذهب أبي يوسف، أما مذهب أبي حنيفة ومحمد فهو مثل مذهب الشافعية لان احتباسها كعدمه حيث لا يوصل إلى الغرض المقصود من الزواج فلا تجب لها النفقة

ومثل المريضة الرتقاء (1) ، والنحيفة (2) ، والمعيبة بعيب يمنع من مباشرة الزوج لها.
وكذلك إذا كان الزوج عنينا، أو مجبوبا (3) ، أو خصيا، أو مريضا مرضا يمنعه من مباشرة النساء، أو حبس في دين أو جريمة ارتكبها، لانه وجد التمكين من الاستمتاع من جهتها، وما تعذر فهو من جهته، وهو سبب لا
تنسب فيه إلى التفريط، وإنما هو الذي فوت حقه على نفسه.
ولا تجب النفقة إذا انتقلت الزوجة من منزل الزوجية إلى منزل آخر بغير إذن الزوج بغير وجه شرعي، أو سافرت بغير إذنه، أو أحرمت بالحج بغير إذنه.
فإن سافرت بإذنه، أو أحرمت بإذنه، أو خرج معها لم تسقط النفقة، لانها لم تخرج عن طاعته وقبضته.
وكذلك لا تجب لها النفقة إذا منعته من الدخول عليها في بيتها المقيم معها فيه، ولم تكن طلبت منه الانتقال إلى غيره فامتنع.
فإن كانت طلبت منه الانتقال فأيى، فمنعته من الدخول، فلا تسقط النفقة.
وكذلك لا تجب النفقة إذا حبست الزوجة في جريمة، أو في دين، أو كان حبسها ظلما، إلا إذا كان هو الذي حبسها في دين له عليها، لانه هو الذي فوت حقه.
وكذلك لو غصبها غاصب، وحال بينها وبين زوجها، فإنها لا تستحق النفقة مدة غصبها.
وكذلك الزوجة المحترفة التي تخرج لحرفتها.
إذا منعها زوجها فلم تمتنع، لا تستحق النفقة.
وكذلك إن منعت نفسها بصوم تطوعا أو باعتكاف تطوعا.
ففي كل هذه الصور لا تستحق الزوجة النفقة، لانها فوتت حتى الزوج في الاستمتاع بها بغير وجه شرعي.
فلو كان تفويتها حقه لوجه شرعي، لم تسقط النفقة.
كما إذا أخرجت من طاعته، لان المسكن غير شرعي أو لان الزوج غير أمين على نفسها.
أو مالها.

(1) الرتقاء: التي سد فرجها.
(2) النحيفة: الهزيلة.
(3) المجبوب: المقطوع الذكر