زواج التحليل

الفقهاء يقولون: إن عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوى الزواج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد.
ولكن كتمانه إياه يعد خداعا وغشا.
وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزواج والمرأة ووليها، ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات.
وما لا يشترط فيه ذلك يكون على اشتماله على ذلك غشا وخداعا تترتب عليه مفاسد أخرى من العداوة والبغضاء وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته، وهو احصان كل من الزوجين للاخر، واخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الامة.
زواج التحليل:
وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثا بعد انقضاء عدتها، أو يدخل بها ثم يطلقها ليحلها للزوج الاول.
وهذا النوع من الزواج كبيرة من كبائر الاثم والفواحش، حرمه الله، ولعن فاعله.
1 - فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله المحلل والمحلل له) .
رواه أحمد بسند حسن.
2 - وعن عبد الله بن مسعود قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له) ..رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه.
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر وغيرهم.
وهو قول الفقهاء من التابعين.
3 - وعن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بالتيس المستعار) ؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: (هو المحلل،

لعن الله المحلل والمحلل له) .
رواه ابن ماجه، والحاكم، وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالارسال.
واستنكره البخاري، وفيه يحيى بن عثمان، وهو ضعيف.
4 - وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المحلل، فقال: (لا.
إلا نكاح رغبة، لا دلسة، ولا استهزاء بكتاب الله عزوجل، حتى تذوق عسيلته) .
رواه أبو اسحاق الجوزجاني.
5 - وعن عمر رضي الله عنه قال، (لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا جمتهما) .
فسئل ابنه عن ذلك فقال: كلاهما زان.
رواه ابن المنذر، وابن رأبي شيبة، وعبد الرزاق.
6 - وسأل رجل ابن عمر فقال: ما تقول في امرأة تزوجتها لاحلها لزوجها، ولم يأمرني ولم يعلم؟ فقال له ابن عمر: (لا، إلا نكاح رغبة، ان أعجبتك أمسكتها، وان كرهتها فارقتها، وإن كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
وقال: لا يزالان زانيين وان مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها.
حكمه:
هذه النصوص صريحة في بطلان هذا الزواج وعدم صحته (1) ، لان اللعن لا يكون إلا على أمر غير جائز في الشريعة، وهو لا يحل المرأة للزوج الاول.
ولو لم يشترط التحليل عند العقد مادام قصد التحليل قائما، فان العبرة بالمقاصد والنوايا.
قال ابن القيم: ولا فرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين
اشترط ذلك بالقول، أو بالتواطؤ والقصد.
فإن المقصود في العقود عندهم معتبرة، والاعمال بالنيات.
والشرط المتوطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدان كالملفوظ عندهم.
والالفاظ لا تراد لعينها، بل للدلالة على المعاني: فإذا ظهرت المعاني

(1) ثبت فيه جميع أحكام العقود الفاسدة ولا يثبت به الاحصان والا الاباحة للزوج الاول.

والمقاصد، فلا عبرة بالالفاظ لانها وسائل، وقد تحققت غاياتها فترتب عليها أحكامها.
وكيف يقال: إن هذا زواج تحل به الزوجة لزوجها الاول، مع قصد التوقيت، وليس له غرض في دوام العشرة ولا ما يقصد بالزواج من التناسل وتربية الاولاد وغير ذلك من المقاصد الحقيقية لتشريع الزواج.
إن هذا الزواج الصوري كذب وخداع لم يشرعه الله في دين، ولم يبحه لاحد، وفيه من المفاسد والمضار ما لا يخفى على أحد.
قال ابن تيمية: دين الله أزكى وأطهر من أن يحرم فرجا من الفروج حتى يستعار له تيس من التيوس، لا يرغب في نكاحه ولا مصاهرته، ولا يراد بقاؤه مع المرأة أصلا، فينزو عليها، وتحل بذلك فان هذا سفاح وزنا، كما سماه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف يكون الحرام محللا؟ أم كيف يكون الخبيث مطيبا؟ أم كيف يكون النجس مطهرا؟! وغير خاف على من شرح الله صدره للاسلام، ونور قلبه بالايمان، أن هذا من أقبح القبائح التي لا تأتي بها سياسة عاقل، فضلا عن شرائع الانبياء لا سيما أفضل الشرائع وأشرف المناهج. انتهى.
هذا هو الحق، وإليه ذهب مالك وأحمد، والثوري، وأهل الظاهر، وغيرهم من الفقهاء، منهم الحسن، والنخعي، وقتادة، والليث وابن المبارك.
وذهب آخرون إلى أنه جائز إذا لم يشترط في العقد. لان القضاء بالظواهر لا بالمقاصد والضمائر، والنيات في العقود غير معتبرة.
قال الشافعي: المحلل الذي يفسد نكاحه هو من يتزوجها ليخلها ثم يطلقها، فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح.
وقال ابن حنيفية وزفر: ان اشترط ذلك عند انشاء العقد، بأن صرح أنه يحلها للاول تحل للاول ويكره، لان عقد الزواج لا يبطل بالشروط الفاسدة فتحل للزواج الاول بعد طلاقها من الزوج الثاني أو موته عنها وانقضاء عدتها.
وعند أبي يوسف هو عقد فاسد، لانه زواج مؤقت، ويرى محمد بصحة العقد الثاني، ولكنه لا يحلها للزوج الاول.