وما جاء من الترغيب في صوم يوم عرفة، فهو محمول على من لم يكن حاجا بعرفة.
الجمع بين الظهر والعصر:
في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم، جمع بين الظهر والعصر بعرفة.
أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر.
وعن الاسود، وعلقمة، أنهما قالا: من تمام الحج أن يصلي الظهر والعصر مع الامام بعرفة.
وقال ابن المنذر: " أجمع أهل العلم: على أن الامام يجمع بين الظهر العصر بعرفة، وكذلك من صلى مع الامام " فإن لم يجمع مع الامام يجمع ومنفردا.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقيم بمكة، فإذا خرج إلى منى، قصر الصلاة.
وعن عمرو بن دينار قال: قال لي جابر بن زيد: أقصر الصلاة بعرفة. روى ذلك سعيد بن منصور.
الإفاضة من عرفة:
يسن الافاضة (1) من عرفة بعد غروب الشمس، بالسكينة، وقد أفاض صلى الله عليه وسلم بالسكينة، وضم إليه زمام ناقته، حتى إن رأسها ليصيب طرف رحله، وهو يقول: " أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالابضاع " - أي الاسراع - رواه البخاري ومسلم.
وكان - صلوات الله وسلامه عليه - يسير العنق فإذا وجد فجوة نص. رواه الشيخان.
أي أنه كان يسير سيرا رفيقا من أجل الرفق بالناس فإذا وجد فجوة
(1) " الافاضة ": الدفع، يقال: أفاض من المكان، إذا أسرع منه إلى المكان الاخر، وأصله، الدفع، سمي به لانهم إذا انصرفوا ازدحموا.
ودفع بعضهم بعضا.
- أي مكانا متسعا، ليس به زحام - سار سيرا، فيه سرعة.
ويستحب التلبية والذكر.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي، حتى رمى جمرة العقبة.
وعن أشعث بن سليم، عن أبيه قال: أقبلت مع ابن عمر رضي الله عنهما من عرفات إلى مزدلفة، فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا المزدلفة.
رواه أبو داود.
الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة: فإذا أتى المزدلفة، صلى المغرب والعشاء ركعتين بأذان وإقامتين، ومن غير تطوع بينهما.
ففي حديث مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة، فجمع بين المغرب والعشاء، بأذان واحد، وإقامتين، ولم يسبح (1) بينهما شيئا.
وهذا الجمع سنة بإجماع العلماء.
واختلفوا فيما لو صلى كل صلاة في وقتها.
فجوزه أكثر العلماء، وحملوا فعله صلى الله عليه وسلم على الاولوية.
وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن صلى المغرب دون مزدلفة، فعليه الاعادة.
وجوزوا في الظهر والعصر أن يصلي كل واحدة في وقتها مع الكراهية.
المبيت بالمزدلفة والوقوف بها: في حديث جابر رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم لما أتى المزدلفة، صلى المغرب والعشاء، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر، ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام، ولم يزل واقفا، حتى أسفر جدا، ثم دفع قبل طلوع الشمس.
ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أحيا هذه الليلة.
وهذه هي السنة الثابتة في المبيت بالمزدلفة، والوقوف بها.
وقد أوجب أحمد المبيت بالمزدلفة على غير الرعاة والسقاة.
أما هم فلا يجب عليهم المبيت بها.
أما سائر أئمة المذاهب، فقد أوجبوا الوقوف بها دون البيات.
(1) " يسبح " أي يصلي.
والمقصود بالوقوف الوجود على أية صورة.
سواء أكان واقفا أم قاعدا، أم سائرا أم نائما.
وقالت الاحناف: الواجب هو الحضور المزدلفة قبل فجر يوم النحر.
فلو ترك الحضور لزمه دم.
إلا إذا كان له عذر، فإن لا يجب عليه الحضور ولا شئ عليه حينئذ.
وقالت المالكية: الواجب هو النزول بالمزدلفة ليلا، قبل الفجر، بمقدار ما يحط رحله وهو سائر من عرفة إلى منى، ما لم يكن له عذر.
فإن كان له عذر، فلا يجب عليه النزول.
وقالت الشافعية: الواجب هو الوجود بالمزدلفة، في النصف الثاني من ليلة يوم النحر، بعد الوقوف بعرفة.
ولا يشترط المكث بها، ولا العلم بأنها المزدلفة، بل يكفي المرور بها.
سواء أعلم أن هذا المكان هو المزدلفة، أم لم يعلم.
والسنة أن يصلي الفجر في أول الوقت ثم يقف بالمشعر الحرام إلى أن يطلع الفجر، ويسفر جدا قبل طلوع الشمس.
ويكثر من الذكر والدعاء.
قال تعالى: " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام، واذكروه كما هداكم، وإن كنتم من قبله لمن الضالين.
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ".
فإذا كان قبل طلوع الشمس أفاض من مزدلفة إلى منى فإذا أتى محسرا أسرع قدر رمية بحجر.
مكان الوقوف: المزدلفة كلها مكان للوقوف إلا وادي محسر (1) .
فعن جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مزدلفة موقف، وارفعوا عن محسر " رواه أحمد، ورجاله موثقون.
والوقوف عند قزح أفضل.
ففي حديث علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصبح
(1) " وادي محسر " وهو بين المزدلفة ومنى.