الوقوف بعرفة

والعصر، والمغرب والعشاء، والمبيت بها.
وأن لا يخرج الحاج منها حتى تطلع شمس يوم التاسع، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فإن ترك ذلك أو شيئا منه فقد ترك السنة، ولاشئ عليه، فإن عائشة لم تخرج من مكة يوم التروية، حتى دخل الليل، وذهب ثلثه.
روى ذلك ابن المنذر.

جواز الخروج قبل يوم التروية:
روى سعيد بن منصور عن الحسن: أنه كان يخرج إلى منى من مكة قبل التروية بيوم أو يومين.
وكرهه مالك، وكره الاقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي، إلا إن أدركه وقت الجمعة بمكة، فعليه أن يصليها قبل أن يخرج.
التوجه الى عرفات يسن التوجه إلى عرفات بعد طلوع شمس يوم التاسع، عن طريق ضب، مع التكبير والتهليل والتلبية.
قال محمد بن أبي بكر الثقفي: سألت أنس بن مالك - ونحن غاديان من منى إلى عرفات - عن التلبية، كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: " كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه، وينكر المكبر، فلا ينكر عليه ويهلل المهلل، فلا ينكر عليه.
رواه البخاري وغيره.
ويستحب النزول بنمرة والاغتسال عندها للوقوف بعرفة، ويستحب أن لا يدخل عرفة إلا وقت الوقوف بعد الزوال.

الوقوف بعرفة:
فضل يوم عرفة: عن جابررضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مامن أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ".
فقال رجل: هن أفضل، أم من عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال: " هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل

الله. وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الارض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثا غبرا ضاحين. جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة ".
قال المنذري: رواه أبو يعلى والبزار، وابن خزيمة، وابن حبان، واللفظ له.
وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري، عن الزبير بن علي، عن أنس ابن مالك رضي الله عنه، قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وقد كادت الشمس أن تثوب.
فقال: " يا بلال: أنصت لي الناس "، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس.
فقال: " معشر الناس: أتاني جبريل عليه السلام آنفا، فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لاهل عرفات، وأهل المشعر الحرام، وضمن عنهم المتبعات ".
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: " هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة ".
فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب.
روى مسلم وغيره، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أدحر (1) ولا أغيظ منه في يوم عرفة ".
وما ذك إلالما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أري من يوم بدر.

(1) " أدحر " الدحر: الدفع بعنف على سبيل الاذلال والاهانة.

قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: " أما إنه رأى جبريل يزع (1) الملائكة ".
رواه مالك مرسلا، والحاكم موصولا.
حكم الوقوف:
أجمع العلماء: على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الاعظم، لما رواه أحمد، وأصحاب السنن، عبد الرحمن بن يعمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا ينادي: " الحج عرفة (2) ، من جاء ليلة جمع (3) قبل طلوع الفجر فقد أدرك ".
وقت الوقوف: يرى جمهور العلماءأن وقت الوقوف يبتدئ من زوال اليوم التاسع (4) إلى طلوع فجر يوم العاشر، وأنه يكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا.
إلا أنه إن وقف بالنهار وجب عليه مد الوقوف إلى ما بعد الغروب.
أما إذا وقف بالليل فلا يجب عليه شئ.
ومذهب الشافعي: أن مد الوقوف إلى الليل سنة.
المقصود بالوقوف: المقصود بالوقوف: الحضور والوجود، في أي جزء من عرفة ولو كان نائما، أو يقظان، أو راكبا، أو قاعدا، أو مضطجعا أو ماشيا.
وسواء أكان طاهرا أم غير طاهر كالحائض والنفساء والجنب.
واختلفوا في وقوف المغمى عليه ولم يفق حتى خرج من عرفات.
فقال أبو حنيفة ومالك: يصح.

(1) " يزع " أي يقود.
(2) " الحج عرفة ": أي الحج الصحيح حج من أدرك الوقوف يوم عرفة.
(3)) " ليلة جمع ": ليلة المبيت بمزدلفة، وهي ليلة النحر.
وظاهره أنه يكفي الوقوف في أي جزء من عرفة ولو لحظة.
(4) مذهب الحنابلة: أن الوقوف يبتدئ من فجر يوم التاسع إلى فجر يوم النحر.

وقال الشافعي وأحمد، والحسن، وأبو ثور، وإسحاق، وابن المنذر: لا يصح، لانه ركن من أركان الحج.
فلم يصح من المغمى عليه، كغيره من الاركان.
قال الترمذي عقب تخريجه لحديث ابن يعمر المتقدم، قال سفيان الثوري: والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن من لم يقف بعرفات قبل الفجر، فقد فاته الحج، ولايجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل، وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما.
استحباب الوقوف عند الصخرات: يجزئ الوقوف في أي مكان من عرفة، لان عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة (1) ، فإن الوقوف به لايجزئ بالاجماع.
ويستحب أن يكون الوقوف عند الصخرات، أو قريبا منها حسب الامكان.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في هذا المكان وقال: " وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف " رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، من حديث جابر.
والصعود إلى جبل الرحمة واعتقاد أن الوقوف به أفضل خطأ، وليس بسنة.
استحباب الغسل: يندب الاغتسال للوقوف بعرفة.
وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل لوقوفه عشية عرفة. رواه مالك.
واغتسل عمر رضي الله عنه بعرفات وهو مهل.
آداب الوقوف والدعاء:
ينبغي المحافظة على الطهارة الكاملة، واستقبال القبلة والاكثار من الاستغفار والذكر والدعاء لنفسه، ولغيره، بما شاء من أمر الدين والدنيا مع الخشية، وحضور القلب، ورفع اليدين.

(1) " بطن عرفة " واد يقع في الجهة الغربية من عرفة.

قال أسامة بن زيد: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، فرفع يديه يدعو.
رواه النسائي.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شئ قدير ".
رواه أحمد والترمذي، ولفظه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الدعاء، دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي.
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير ".
ويروى عن الحسين بن الحسن المروزي قال: سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة.
فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
فقلت له: هذا ثناء وليس بدعاء.
فقال: أنا تعرف حديث مالك بن الحارث؟ هو تفسيره.
فقلت: حدثنيه أنت، فقال: حدثنا منصور، عن مالك بن الحارث قال: يقول الله عزوجل: " إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ".
قال: وهذا تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال سفيان: أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى عبد الله ابن جدعان يطلب نائله؟ فقلت: لا.
فقال: قال أمية: أأذكر حاجتي أم قد كفاني - حياؤك إن شيمتك الحياء وعلمك بالحقوق وأنت فرع - لك الحسب المهذب والسناء إذا أثنى عليك المرء يوما - كفاه من تعرضه الثناء ثم قال: يا حسين، هذا مخلوق يكتفى بالثناء عليه دون مسألة، فكيف بالخالق؟