سنن الطواف

والله أمر بالطواف بالبيت، لا في البيت، فقال: (وليطوفوا بالبيت العتيق) . ويستحب القرب من البيت، إن تيسر.
7 - موالاة السعي: عند مالك وأحمد.
ولا يضر التفريق اليسير، لغير عذر، ولا التفريق الكثير، لعذر.
وذهبت الحنفية، والشافعية: إلى أن الموالاة سنة.
فلو فرق بين أجزاء الطواف تفريقا كثيرا، بغير عذر، لا يبطل. ويبني على ما مضى من طوافه.
روى سعيد بن منصور، عن حميد بن زيد قال: رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، طاف بالبيت ثلاثة أطواف أو أربعة، ثم جلس يستريح، وغلام له يروح عليه، فقام فبنى على ما مضى من طوافه.
وعند الشافعية والحنفية: لو أحدث في الطواف، توضأ وبنى ولا يجب الاستئناف، وإن طال الفصل.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يطوف بالبيت، فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم، ثم قام، فبنى على ما مضى من طوافه.
وعن عطاء: أنه كان يقول - في الرجل يطوف بعض طوافه، ثم تحضر الجنازة - قال: يخرج يصلي عليها، ثم يرجع فيقضي ما بقي من طوافه.

سنن الطواف:
للطواف سنن نذكرها فيما يلي:
1 - استقبال الحجر الاسود، عند بدء الطواف مع التكبير والتهليل، ورفع اليدين: كرفعهما في الصلاة، واستلامه بهما بوضعهما عليه، وتقبيله بدون صوت، ووضع الخد عليه، إن أمكن ذلك، وإلا مسه بيده وقبلها أو مسه بشئ معه وقبله، أو أشار إليه بعصا ونحوها.
وقد جاء في ذلك أحاديث، واليك بعضها: قال ابن عمر رضي الله عنهما: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه، ثم وضع شفيته يبكي طويلا، فإذا عمر يبكي طويلا.

فقال: " يا عمر، هنا تسكب العبرات (1) ".
رواه الحاكم، وقال: صحيح الاسناد.
وعن ابن عباس: ان عمر أكب على الركن (2) فقال: إني لاعمل أنك حجر، ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) .
رواه أحمد، وغيره، بألفاظ مختلفة متقاربة.
وقال نافع: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه البخاري ومسلم.
وقال سويد بن غفلة: رأيت عمر رضي الله عنه قبل الحجر، والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا (3) " رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي البيت، فيستلم الحجر ويقول: " بسم الله والله أكبر ".
رواه أحمد.
وروى مسلم عن أبي الطفيل قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم بمحجن معه ويقبل المحجن.
وروى البخاري، ومسلم، وأبو داود عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر فقبله.
فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر، ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
قال الخطابي: فيه من العلم، أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف لها على علل معلومة، وأسباب معقولة.
وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها.
إلا أنه معلوم في الجملة أن تقبيله الحجر، إنما هو إكرام له، وإعظام لحقه، وتبرك به.
وقد فضل الله بعض الاحجار على بعض، كما فضل بعض البقاع والبلدان، وكما فضل بعض الليالي والايام والشهور.

(1) " العبرات ": أي الدموع.
(2) " الركن ": المراد به هنا الحجر الاسود.
(3) " حفيا ": أي مهتما ومعنيا.

وباب هذا كله التسليم.
وهذا وقد روى أمر سائغ في العقول جار فيها، غير ممتنع ولا مستنكر.
في بعض الاحاديث: " الحجر يمين الله في الارض ".
والمعنى أن من صافحه في الارض كان له عند الله عهد.
فكان كالعهد الذي تعقده الملوك بالمصافحة، لمن يريد موالاته، والاختصاص به.
وكما يصفق على أيدي الملوك للبيعة.
وكذلك تقبيل اليد من الخدم للسادة والكبراء.
فهذا كالتمثيل بذلك والتشبيه به.
وقال المهلب: حديث عمر يرد على من قال: إن الحجر يمين الله في الارض، يصافح بها عباده.
ومعاذ الله، أن تكون لله جارحة، وإنما شرع تقبيله اختبارا، ليعلم - بالمشاهدة - طاعة من يطيع.
وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لادم.
هذا، ولا يعلم - على وجه اليقين - أنه بقي حجر من أحجار الكعبة. من وضع إبراهيم إلا الحجر الاسود.
المزاحمة على الحجر:
ولا بأس في المزاحمة على الحجر على أن لا يؤذي أحدا. فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يزاحم حتى يدمى أنفه.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: " يا أبا حفص إنك رجل قوي، فلا تزاحم على الركن، فإنك تؤذي الضعيف، ولكن إن وجدت خلوة فاستلم، وإلا فكبر وامض ". رواه الشافعي في سننه.
(1) الاضطباع: فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم، وقذفوها على عواتقهم اليسرى.
رواه أحمد وأبو داود.

(1) " الاضطباع " هو جعل وسط الرداء تحت الابط الايمن، وطرفيه على الكتف الايسر.

وهذا مذهب الجمهور.
وقالوا في حكمته: إنه يعين على الرمل في الطواف.
وقال مالك: لا يستحب، لانه لم يعرف ولم ير أحدا يفعله ولا يستحب في صلاة الطواف اتفاقا.
2 - الرمل (1) فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الاسود إلى الحجر الاسود ثلاثا، ومشى أربعا.
رواه أحمد، ومسلم.
ولو تركه في الثلاث الاول لم يقضه في الاربعة الاخيرة.
والاضطباع والرمل خاص بالرجال في طواف العمرة، وفي كل طواف يعقبه سعي في الحج.
وعند الشافعية: إذا اضطبع ورمل في طواف القدوم ثم سعى بعده، لم يعد الاضطباع والرمل في طواف الافاضة.
وإن لم يسع بعده، وأخر السعي إلى ما بعد طواف الزيارة اضطبع ورمل في طواف الزيارة.
أما النساء، فلا اضطباع عليهن - لوجوب ستزهن - ولا رمل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ليس على النساء سعي (2) بالبيت، ولا بين الصفا والمروة.
رواه البيهقي.
حكمة الرمل: والحكمة فيه ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد وهنتهم (3) حمى يثرب (4) فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شرا، فأطلع الله سبحانه نبيه

(1) " الرمل ": الاسراع في المشي مع هز الكتفين وتقارب الخطا.
وقد شرع إظهارا للقوة والنشاط.
(2) أي رمل.
(3) " وهنتهم ": أي أضعفتهم.
(4) " يثرب " أي المدينة المنورة.

صلى الله عليه وسلم على ما قالوه، فأمرهم أن يرملوا الاشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، فلما رأوهم رملوا، قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد منا (1) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ولم يأمرهم أن يرملوا الاشواط كلها إلا إبقاء (2) عليهم.
رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، واللفظ له.
ولقد بدا لعمر رضي الله عنه أن يدع الرمل بعد ما انتهت الحكمة منه، ومكن الله للمسلمين في الارض، إلا أنه رأى إبقاءه على ما كان عليه في العهد
النبوي.
لتبقى هذه الصورة ماثلة للاجيال بعده.
قال محب الدين الطبري: وقد يحدث شئ من أمر الدين لسبب ثم يزول السبب ولا يزول حكمه.
فعن زيد بن أسلم.
عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: فيم الرملان اليوم، والكشف عن المناكب؟ وقد أطأ (3) الله الاسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 - استلام (4) الركن اليماني: لقول ابن عمر رضي الله عنهما: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الاركان إلا اليمانيين.
وقال: ما تركت استلام هذين الركنين - اليماني، والحجر الاسود - منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما، في شدة، ولا في رخاء.
رواهما البخاري، ومسلم.
وإنما يستلم الطائف هذين الركنين، لما فيهما من فضيلة، ليست لغيرهما.
ففي الركن الاسود ميزتان، إحداهما: أنه عل قواعد إبراهيم عليه السلام.

(1) " أجلد " أي أقوى وأشد.
(2) " إبقاء عليهم ": هذا تعليل الرمل في جميع الاشواط حتى لا يجهدوا أو يصابوا بضرر.
(3) " أطأ ": أي ثبت.
(4) " الاستلام ": المسح باليد.

وثانيتهما: أن فيه الحجر الاسود الذي جعل مبدءا للطواف ومنتهى له.
وأما الركن اليماني المقابل له، فقد وضع أيضا على قواعد إبراهيم عليه السلام.
روى أبو داود عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه أخبر بقول عائشة رضي الله عنها: " إن الحجر بعضه من البيت ".
فقال ابن عمر: والله إني لاظن عائشة إن كانت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني لاظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما، إلا أنهما ليسا على قواعد البيت، ولا طاف الناس وراء الحجر إلا لذلك.
والامة متفقة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، وعلى أنه لا يستلم الطائف الركنين الاخرين.
وروى ابن حبان في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحجر والركن اليماني يحط الخطايا حطا ".
صلاة ركعتين بعد الطواف (1) يسن للطائف صلاة ركعتين بعد كل طواف (2) ، عند مقام إبراهيم، أو في مكان من المسجد.
فعن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، طاف بالبيت سبعا، وأتى المقام فقرأ: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) .
فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه.
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
والسنة فيهما قراءة سورة " الكافرون " بعد " الفاتحة " في الركعة الاولى، وسورة " الاخلاص " في الركعة الثانية.
فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه مسلم، وغيره.
وتؤديان في جميع الاوقات، حتى أوقات النهي.

(1) وهي واجبة عند أبي حنيفة.
(2) أي سواء كان الطواف فرضا أو نقلا.