شروط وجوب الحج

وآخره أن يأتي به قبل موته.
وذهب أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، وبعض أصحاب الشافعي، وأبو يوسف إلى أن الحج واجب على الفور.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أراد الحج فليعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتكون الحاجة ".
رواه أحمد، والبيهقي، والطحاوي، وابن ماجه.
وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " تعجلوا الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " رواه أحمد، والبيهقي، وقال ما يعرض له من مرض أو حاجة.
وحمل الاولون هذه الاحاديث على الندب، وأنه يستحب تعجيله والمبادرة به متى استطاع المكلف أداءه.

شروط وجوب الحج:
اتفق الفقهاء على أنه يشتررط لوجوب الحج، الشرط الاتية: 1 - الاسلام.
2 - البلوغ.
3 - العقل.
4 - الحرية.
5 - الاستطاعة.
فمن لم تتحقق فيه هذه الشروط، فلا يجب عليه الحج.
وذلك أن الاسلام، والبلوغ، والعقل، شرط التكليف في أية عبادة من العبادات.
وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل (1) .
والحرية شرط لوجوب الحج، لانه عبادة تقتضي وقتا، ويشترط فيها

(!) تقدم الحديث في الاجزاء السابقة.

الاستطاعة، بينما العبد مشغول بحقوق سيده وغير مستطيع.
وأما الاستطاعة، فلقول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا (1) .
) بم تتحقق الاستطاعة؟ تتحقق الاستطاعة التي هي شرط من شروط الوجوب بما يأتي: 1 - أن يكون المكلف صحيح البدن، فإن عجز عن الحج لشيخوخته، أو زمانة، أو مرض لا يرجى شفاؤه، لزمه إحجاج غيره عنه إن كان له مال، وسيأتي في " م الحج عن الغير " 2 - أن تكون الطريق آمنة، بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله.
فلو خاف على نفسه من قطاع الطريق، أو وباء، أو خاف على ماله من أن يسلب منه، فهو ممن لم يستطع إليه سبيلا.
وقد اختلف العلماء فيما يؤخذ في الطريق، من المكس والكوشان، هل يعد عذرا مسقطا للحج أم لا؟.
ذهب الشافعي وغيره، إلى اعتباره عذرا مسقطا للحج، وإن قل المأخوذ.
وعند المالكية: لا يعد عذر، إلا إذا أجحف بصاحبه أو تكرر أخذه.
3، 4 - أن يكون مالكا للزاد، والراحلة.
والمعتبر في الزاد: أن يملك ما يكفيه مما يصح به بدنه، ويكفي من يعوله كفايز فاضلة عن حوائجه الاصلية، من ملبس ومسك، ومركب، وآلة حرفة (2) حتى يؤدي الفريضة ويعود.
والمعتبر في الراحلة أن تمكنه من الذهاب والاياب، سواء أكان ذلك عن طريق البر، أو البحر، أو الجو.
وهذا بالنسبة لما لا يمكنه المشي لبعده عن مكة.

(1) أي فرض الله على الناس حج البيت من استطاع منهم إليه سبيلا.
(2) لا تباع الثياب التي يلبسها، ولا المتاع الذي يحتاجه، ولا الدار التي يسكنها، وإن كانت كبيرة، تفضل عنه، من أجل الحج.

فأما القريب الذي يمكنه المشي، فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه، لانها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها.
وقد جاء في بعض روايات الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسر السبيل بالزاد والراحلة.
فعن أنس رضي الله عنه، قال: قيل يا رسول الله ما السبيل (1) ؟ قال: " الزاد والراحلة " رواه الدارقطني وصححه.
قال الحافظ: والراجح إرساله: وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أيضا، وفي إسناده ضعف.
وقال عبد الحق: طرقه كلها ضعيفة.
وقال ابن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندا، والحصيح رواية الحسن المرسلة.
وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا، وذلك أن الله تعالى يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) رواه الترمذي، وفي إسناده " هلال " ابن عبد الله، وهو مجهول، و " الحارث " وكذبه الشعبي وغيره.
والاحاديث، وإن كانت كلها ضعيفة، إلا أن أكثر العلماء يشترط لايجاب الحج الزاد والراحلة لمن نأت داره فمن لم يجد زادا ولا راحلة فلا حج عليه.
قال ابن تيمية: فهذه الاحاديث - مسندة من طرق حسان، ومرسلة، وموقوفة - تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة، مع علم النبي صلى الله عليه وسلم أن كثيرا من الناس يقدرون على المشي.
وأيضا فإن الله قال: في الج: " من استطاع إليه سبيلا " إما أن يعني القدرة المعتبرز في جميع العبادات - وهو مطلق المكنة - أو قدرا زائدا على ذلك، فإن كان المعتبر الاول لم تحتج إلى هذا التقييد، كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة فعلم أن المعتبر قدر زائدا على ذلك، وليس هو إلا المال.

(1) أي ما معنى " السبيل " المذكور في الاية.

وأيضا فإن الحج عبادة مفتقرة إلى مسفاة فافتقر وجوبها إلى ملك الزاد والراحلة، كالجهاد.
ودليل الاصل (1) قوله تعالى: (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) إلى قوله: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم، قلت لا أجد ما أحملكم عليه) .
وفي المهذب: وإن وجد ما يشتري به الزاد والراحلة وهو محتاج إليه لدين عليه، لم يلزمه، حالا كان الدين ومؤجلا، لان الدين الحال على الفور، والحج على التراخي، فقدم عليه، والمؤجل يحل عليه، فإذا صرف ما معه في الحج لم يجد ما يقضي به الدين.
قال: وإن احتاج إليه لمسكن لا بد من مثله، أو خادك يحتاج إلى خدمته.
لم يلزمه.
وإن احتاج إلى النكاح - وهو يخاج العنت - قدم النكاح، لان الحاجة إلى ذلك على الفور.
وإن احتاج إليه في بضاعة يتجر فيها، ليحصل منها
ما يحتاج إليه للنفقة، فقد قال أبو العباس، ابن صريح: لا يلزمه الحج، لانه محتاج إليه، فهو كالمسكن والخادم.
وفي المغني: إن كان دين على ملئ باذل له يكفيه للحج لزمه، لانه قادر، وإن كان على معسر، أو تعذر استيفاؤه عليه لم يلزمه.
وعند الشافعية: أنه إذا بذل رجل لاخر راحلة من غير عوض لم يلزمه قبولها، لان عليه في قبول ذلك منة، وفي تحمل المنة مشقة، إلا إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه، لانه أمكنه الحج من غيره منة تلزمه.
وقالت الحنابلة: لا يلزمه الحج ببذل غيره له، ولا يصير مستطيعا بذلك، سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا.
وسواء بذل له الركوب والزاد، أو بذل له مالا.
5 - أن لا يوجد ما يمنع الناس من الذهاب إلى الحج كالحبس والخوف من سلطان جائر يمنع الناس منه.

(1) " الاصل " أي الجهاد المقيس عليه، فإنه أصل يقاس عليه الفرع. وهو الحج.

حج الصبي والعبد لا يجب عليهما الحج، لكنهما إذا حجا صح منهما، ولا يجزئهما عن حجة الاسلام: قال ابن عباس رضي الله عنهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما صبى حج ثم بلغ الحنث (1) فعليه أن يحج حجة أخرى.
أيما عبد حج ثم أعتق، فعليه أن يحج حجة أخرى " رواه الطبراني بسند صحيح.
وقال السائب بن يزيد: حج أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأنا ابن سبع سنين.
رواه أحمد والبخاري، والترمذي،
وقال: قد أجمع أهل العلم: على أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك، وكذلك المملوك إذا حج في رقه ثم أعتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا.
فقالت: ألهذا حج؟ قال: " نعم (2) ولك أجرا (3) ".
وعن جابر رضي الله عنه: قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان، ورمينا عنهم.
رواه أحمد، وابن ماجه.
ثم إن كان الصبي مميزا أحرم بنفسه وأدى مناسك الحج، وإلا أحرم عنه وليه (4) ولبى عنه وطاف به وسعى، ووقف بعرفة، ورمى عنه.
ولو بلغ قبل الوقوف بعرفة، أو فيها: أجزأ عن حجة الاسلام، كذلك العبد إذا أعتق.

(1) الحنث: الاثم، أي بلغ أن يكتب عليه إثمه.
(2) أكثر أهل العلم على أن الصبي يثاب على طاعته وتكتب له حسناته دون سيئاته، وهو مروي عن عمر.
(3) أي فيما تتكلفين من أمره بالحج، وتعليمه إياه.
(4) قال النووي: الولي الذي يحرم عنه إذا كان غير مميز هو ولي ماله وهو أبوه أو جده أو الوصي من جهة الحاكم. اما الام فلا يصح احرامها الا إذا كانت وصيز أو منصوبة من جهة الحاكم. وقيل: يصح إحرامها وإحرام الوصية وإن لم يكن لهما ولاية.