صفة الغسل

(6) الكافر لا يغسل: ولا يجب على المسلم أن يغسل الكافر، وجوزه بعضهم.
وعند المالكية والحنابلة: أنه ليس للمسلم أن يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه، ولا يدفنه، إلا أن يخاف عليه الضياع فيجب عليه أن يواريه، لما رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي، أن عليا رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات.
قال: " اذهب فوار أباك، ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني ".
قال: فذهبت، فواريته، وجئته، فأمرني فاغتسلت فدعا لي.
قال ابن المنذر: ليس في غسل الميت سنة تتبع.

صفة الغسل:
الواجب في غسل الميت أن يعمم بدنه بالماء مرة واحدة ولو كان جنبا أو حائضا، والمستحب في ذلك أن يوضع الميت فوق مكان مرتفع ويجرد من ثيابه (1) ويوضع عليه ساتر يستر عورته ما لم يكن صبيا، ولا يحضر عند غسله إلا من تدعوا الحاجة إلى حضوره.
وينبغي أن يكون الغاسل ثقة أمينا صالحا، لينشر ما يراه من الخير، ويستر ما يظهر له من الشر.
فعند ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليغسل موتاكم المأمونون ".
وتجب النية عليه، لانه هو المخاطب بالغسل، ثم يبدأ فيعصر بطن الميت عصرا رفيقا، لاخراج ما عسى أن يكون بها، ويزيل ما على بدنه من نجاسة، على أن يلف على يده خرقة يمسح بها عورته فإن لمس العورة حرام، ثم يوضئه وضوء الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " ولتجديد سمة المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل، ثم يغسله ثلاثا بالماء والصابون، أو الماء القراح، مبتدئا باليمين، فإن رأى الزيادة على الثلاث بعدم حصول الانقاء بها أولشئ آخر غسله خمسا، أو سبعا، ففي الصحيح:

(1) رأى الشافعي أن يغسل في قميصه أفضل إذا كان رقيقا لايمنع وصول الماء إلى البدن لان النبي
صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه.
والاظهر أن هذا خاص به صلوات الله وسلامه عليه فان تجريد الميت فيما عدا العورة كان مشهورا.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اغسلنها وترا: ثلاثا أو خمسا أو سبعا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن (1) ".
قال ابن المنذر: إنما فرض الرأي اليهن بالشرط المذكور وهو الايثار، فإذا كان الميت امرأة ندب نقض شعرها وغسل وأعيد تضفيره وأرسل خلفها، ففي حديث أم عطية: أنهن جعلن رأس ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون.
قلت: نقضنه وجعلنه ثلاثة قرون (2) قالت: نعم.
وعند مسلم: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون: قرنيها وناصيتها.
وفي صحيح ابن حبان الامر بتضفيرها من قوله صلى الله عليه وسلم: " واجعلن لها ثلاثة قرون ".
فإذا فرغ من غسل الميت جفف بدنه بثوب نظيف، لئلا تبتل أكفانه، ووضع عليه الطيب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أجمرتم (3) الميت فأوتروا ".
رواه البيهقي والحاكم وابن حبان وصححاه.
وقال أبو وائل: كان عند علي رضي الله عنه مسك، فأوصى أن يحنط به، وقال: هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجمهور العلماء على كراهة تقليم أظفار الميت وأخذ شئ من شعر شاربه، أو إبطه أو عانته، وجوز لك ابن حزم.
واتفقوا فيما إذا خرج من بطنه حدث بعد الغسل وقبل التكفين، على أنه يجب غسل ما أصابه من نجاسة، واختلفوا في إعادة طهارته فقيل: لا يجب (4) .
وقيل: يجب الوضوء.
وقيل: يجب إعادة الغسل.
والاصل الذي بنى عليه العلماء أكثر اجتهادهم في كيفية الغسل ما رواه الجماعة عن أم عطية، قالت: " دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك - إن رأيتن - بماء وسدر واجعلن في الاخيرة كافورا، أو شيئا من كافور، فإذا

(1) قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع، وكره المجاوزة أحمد وابن المنذر.
(2) قرون: أي ضفائر.
(3) أجمرتم: بخرتم.
(4) هذا مذهب الاحناف والشافعية ومالك.

فرغتن فآذنني (1) " فلما فرغن آذناه، فأعطانا حقوه فقال: " أشعرنها (2) إياه ". يعني إزاره.
وحكمة وضع الكافور ما ذكره العلماء من كونه طيب الرائحة، وذلك وقت تحضر فيه الملائكة.
وفيه أيضا تبريد، وقوة نفود، وخاصة في تصلب بدن الميت، وطرد الهوام عنه ومنع إسراع الفساد إليه، وإذا عدم قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها.

التيمم للميت عند العجز عن الماء:
ان عدم الماء يمم الميت، لقوله تعالى: (فإن لم تجدوا ماء فتيمموا) ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الارض مسجدا وطهورا ".
وكذلك لو كان الجسم بحيث لو غسل لتهرى.
وكذلك المرأة تموت بين الرجال الاجانب عنها، والرجل يموت بين النساء الاجنبيات عنه.
روى أبو داود في مراسيله والبيهقي عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ماتت المرأة مع الرجال، ليس معهم امرأة
غيرها، والرجل مع النساء، ليس معهن رجل غيره، فإنهما ييممان ويدفنان، وهما بمنزلة من لم يجد الماء ".
وييمم المرأة ذو رحم محرم منها بيده، فإن لم يوجد يممها أجنبي بخرقة يلفها على يده.
هذا مذهب أبي حنيفة وأحمد، وعند مالك والشافعي: إن كان بين الرجال ذو رحم محرم منها غسلها، لانها كالرجل بالنسبة إليه في العورة والخلوة.
قال في المروي عن الامام مالك: إنه سمع أهل العلم يقولون: إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم أحد يلي ذلك منها، ولا زوج يلي ذلك، يممت، يمسح بوجهها وكفيها من الصعيد.

(1) آذنني: أي أخبرنني.
(2) أشعرنها: اجعلنه شعارا " والشعار " الثوب الذي يلي الجسد. " والحقو " الازار. وهو في الاصل: معقد الازار.