زكاة الفطر

حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
ورجل دعته امرأة ذات منصب، وجمال، إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله عزوجل.

زكاة الفطر:
أي الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان.
وهي واجبة على كل فرد من المسلمين، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد، والحر، والذكر، والانثى، والصغير، والكبير من المسلمين.
حكمتها:
شرعت زكاة الفطر في شعبان، من السنة الثانية من الهجرة لتكون طهرة للصائم، مما عسى أن يكون وقع فيه، من اللغو، والرفث، ولتكون عونا للفقراء، والمعوزين.
روى أبو داود، وابن ماجه، والدارقطني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة (1) للصائم، من اللغو (2) والرفث (3) وطعمة (4) للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات ".
على من تجب؟
تجب على الحر المسلم، المالك لمقدار صاع، يزيد عن قوته وقوت عياله، يوما (5) وليلة.

(1) " طهرة " تطهيرا.
(2) " اللغو " هوما لا فائدة فيه من القول أو الفعل.
(3) " الرفث " فاحش الكلام.
(4) " طعمة " طعام.
(5) هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد، قال الشوكاني: وهذا هو الحق.
وعند الاحناف لابد من ملك النصاب.

وتجب عليه، عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته، كزوجته، وأبنائه، وخدمه الذين يتولى أمورهم، ويقوم بالانفاق عليهم.
قدرها:
الواجب في صدقة الفطر صاع (1) من القمح، أو الشعير، التمر، أو الزبيب، أو الاقط (2) ، أو الارز، أو الذرة أو نحو ذلك مما يعتبر قوتا. وجوز أبو حنيفة إخراج القيمة.
وقال: إذا أخرج المزكي من القمح، فإنه يجزئ نصف صاع.
قال أبو سعيد الخدري: " كنا، إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نخرج زكاة الفطر عن كل صغير، وكبير، حر، ومملوك، صاعا من من طعام، أو صاعا من أقط، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا، أو معتمرا، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس، أن قال: إني أرى أن مدين (3) من سمراء (4) الشام، تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك.
قال أبو سعيد: فأما أنا، فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت " رواه الجماعة.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون من كل شئ صاعا، وهو قول الشافعي، وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: من كل شئ صاع إلا البر فإنه يجزئ نصف صاع وهو قول سفيان، وابن المبارك، وأهل الكوفة.
متى تجب؟
اتفق الفقهاء على أنها تجب في آخر رمضان، واختلفوا في تحديد الوقت، الذي تجب فيه.

(1) الصاع أربعة أمداد. والمد حفنة بكفي الرجل المعتدل الكفين ويساوي قدحا وثلث قدح أو قدحين.
(2) " الاقط " لبن مجفف لم تنزع زبدته.
(3) المدان: نصف صاع.
(4) " سمراء " أي قمح.

فقال الثوري، وأحمد، وإسحاق، والشافعي في الجديد، وإحدى الروايتين عن مالك: إن وقت وجوبها، غروب الشمس، ليلة الفطر، لانه وقت الفطر من رمضان.
وقال أبو حنيفة، والليث، والشافعي، في القديم، والرواية الثانية عن مالك: إن وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد.
وفائدة هذا الاختلاف، في المولود يولد قبل الفجر، من يوم العيد، وبعد مغيب الشمس، هل تجب عليه أم لا تجب؟ فعلى القول الاول لا تجب، لانه ولد بعد وقت الوجوب، وعلى الثاني: تجب، لانه ولد قبل وقت الوجوب.
تعجيلها عن وقت الوجوب: جمهور الفقهاء على أنه يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل العيد بيوم، أو بيومين.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر، أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.
قال نافع: وكان ابن عمر يؤديها، قبل ذلك، باليوم، أو اليومين.
واختلفوا فيما زاد على ذلك.
فعند أبي حنيفة: يجوز تقديمها على شهر رمضان.
وقال الشافعي: يجوز التقديم من أول الشهر.
وقال مالك ومشهور مذهب أحمد: يجوز تقديمها يوما أو يومين.
واتفقت الائمة على أن زكاة الفطر لا تسقط بالتأخير بعد الوجوب، بل تصير دينا في ذمة من لزمته، حتى تؤدى، ولو في آخر العمر.
واتفقوا: على أنه لا يجوز نأخيرها عن يوم العيد (1) إلا ما نقل عن ابن سيرين، والنخعي، أنهما قالا: يجوز تأخيرها عن يوم العيد،

(1) وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر.

وقال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس.
وقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتفاق، لانها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم، كما في إخراج الصلاة عن وقتها.
وقد تقدم في الحديث: " من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات (1) "
مصرفها:
مصرف الزكاة، أي أنها توزع على الاصناف الثمانية المذكورة في آية: " إنما الصدقات للفقراء ".
والفقراء هم أولى الاصناف بها، لما تقدم في الحديث: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم، من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين.
ولما رواه البيهقي، والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر وقال: " أغنوهم في هذا اليوم " وفي رواية للبيهقي: " أغنوهم عن طواف هذا اليوم ".
وتقدم الكلام على المكان الذي تؤدى فيه، عند الكلام على نقل الزكاة.
إعطاؤها للذمي:
أجاز الزهري، وأبو حنيفة، ومحمد، وابن شبرمة، إعطاء الذمي من زكاة الفطر لقول الله تعال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) .
هل في المال حق سوى الزكاة؟ ينظر الاسلام إلى المال نظرة واقعية، فهو في نظرة عصب الحياة، وقوام نظام الافراد والجماعات.
قال الله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما)

(1) أي التي يتصدق بها في سائر الاوقات.

وهذا يقتضي أن يوزع توزيعا يكفل لكل فرد كفايته من الغذاء، والكساء، والمسكن، وسائر الحاجات الاصلية، التي لاغنى عنها، حتى لا يبقى فرد مضيع، لاقوام له.
وأمثل وسيلة، وأفضلها لتوزيع المال، وللحصول على الكفاية، وسيلة الزكاة، فهي في الوقت الذي لا يضيق بها الغني، ترفع مستوى الفقير إلى حد الكفاية، وتجنبه شظف العيش، وألم الحرمان.
والزكاة ليست منة يهبها الغني للفقير، وإنما هي حق استودعه الله يد الغني، ليؤديه لاهله، وليوزعه على مستحقيه ومن ثم تتقرر هذه الحقيقة الكبرى وهي: أن المال ليس وقفا على الاغنياء دون غيرهم، وإنما المال للجميع: أي للاغنياء، والفقراء، على السواء يوضح هذا قول الله تعالى - في حكمه تقسيم الفئ (كى لا يكون دولة بين الاغنياء منكم) أي هذا التقسيم، لئلا يكون المال متداولابين الاغنياء، بل يجب توزيعه على الاغنياء والفقراء.
والزكاة، هي الحق الواجب في المال، متى قامت بحاجة الفقراء وسدت خلة المعوزين، وكفت البائسين، وأطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف.
فإذا لم تكف الزكاة، ولم تف بحاجة المحتاجين، وجب في المال حق آخر سوى الزكاة وهذا الحق لا يتقيد ولا يتحدد إلا بالكفاية، فيؤخذ من مال الاغنياء القدر الذي يقوم بكفاية الفقراء.
قال القرطبي: قوله تعالى: " وآتى المال على حبه " استدل به من قال: إن في المال حقا، سوى الزكاة، وبها كمال البر، وقيل: المراد الزكاة المفروضة، والاول أصح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في المال حقا سوى الزكاة " تم تلا هذه الآية " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " إلى آخرها.
وأخرجه ابن ماجه، في سننه، والترمذي في جامعه، وقال: هذا حديث

ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة، ميمون الاعور، يضعف.
وروى بيان، وإسماعيل بن سالم هذا الحديث، عن الشعبي من قوله، وهو أصح.
قلت: والحديث، وإن كان فيه مقال، فقد دل على صحته معنى ما في هذه الآية نفسها، من قوله تعالى: (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) مع الصلاة، وذلك دليل.
على أن المراد بقوله: (وآتى المال على حبه) ليس الزكاة المفروضة فإن ذلك يكون تكرارا، والله أعلم.
واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة، بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها.
قال مالك رحمه الله: يجب على الناس فداء اسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا إجمال أيضا، وهو يقوي ما اخترناه، وبالله التوفيق.
وفي تفسير المنار، في قوله تعالى: " وآتى المال على حبه " قال: أي وأعطى المال لاجل حبه تعالى، أو على حبه إياه أي المال.
قال الاستاذ الامام (1) : " وهذا الايتاء، غير إيتاء الزكاة الآتي، وهو ركن من أركان البر، وواجب كالزكاة وذلك حيث تعرض الحاجة إلى البذل، في غير وقت أداء الزكاة، بأن يرى الواجد مضطرا، بعد أداء الزكاة، أو قبل تمام الحول.
وهو لا يشترط فيه نصاب معين، بل هو على حسب الاستطاعة.
فإذا كان لا يملك إلا رغيفا، ورأى مضطرا إليه، في حال استغنائه عنه، بأن لم يكن محتاجا إليه لنفسه، أو لمن تجب عليه نفقته، وجب عليه بذله.
وليس المضطر وحده، هو الذي له الحق في ذلك، بل أمر الله تعالى المؤمن أن يعطي من غير الزكاة " ذوي القربى " وهم أحق الناس بالبر، والصلة، فإن الانسان إذا احتاج - وفي أقاربه غني - فإن نفسه تتوجه إليه بعاطفة الرحم.
ومن المغروز في الفطرة أن الانسان يألم لفاقة ذوي رحمه وعدمهم،

(1) الشيخ محمد عبده.

أشد مما يألم لفاقة غيرهم، فإنه يهون بهوانهم، ويعتز بعزتهم، فمن قطع الرحم ورضي بأن ينعم وذو وقرباه بائسون، فهو برئ من الفطرة والدين، وبعيد من الخير والبر، ومن كان أقرب رحما، كان حقه آكد، وصلته أفضل.
" واليتامى " فإنه لموت كافلهم تتعلق كفايتهم بأهل الوجد واليسار من
المسلمين، كيلا تسوء حالهم، وتفسد تربيتهم، فيكونوا مصابا على أنفسهم وعلى الناس.
" والمساكين " فإنهم لما قعد بهم العجز عن كسب ما يكفيهم، وسكنت نفوسهم للرضا بالقليل عن مد كف الذليل وجبت مساعدتهم، ومواساتهم على المستطيع.
" وابن السبيل " المنقطع في السفر، لا يتصل بأهل ولا قرابة كأن السبيل أبوه، وأمه، ورحمه، وأهله.
وهذا التعبير بمكان من اللطف، لا يرتقي إليه سواه.
وفي الامر بمواساته، وإعانته في سفره، ترغيب من الشرع في السياحة، والضرب في الارض.
" والسائلين " الذين تدفعهم الحاجة العارضة، إلى تكفف الناس.
وأخرهم لانهم يسألون، فيعطيهم هذا، وهذا.
وقد يسأل الانسان لمواساة غيره - والسؤل محرم شرعا، إلا لضرورة، يجب على السائل أن لا يتعداها.
" وفي الرقاب " أي في تحريرها، وعتقها، وهو يشمل ابتياع الارقاء، وعتقهم وإعانة المكاتبين على أداء نجومهم (1) ومساعدة الاسرى على الافتداء.
وفي جعل هذا النوع من البذل، حقا واجبا في أموال المسلمين، دليل على رغبة الشريعة في فك الرقاب، واعتبارها أن الانسان خلق ليكون حرا، إلا في أحوال عارضة، تقضي المصلحة العامة فيها، أن يكون الاسير رقيقا، وأخر هذا عن كل ما سبقه، لان الحاجة في تلك الاصناف، قد تكون لحفظ الحياة، وحاجة الرقيق الى الحرية حاجة إلى الكمال.
ومشروعية البذل لهذه الاصناف، من غير مال الزكاة، لا تتقيد بزمن.

(1) " بحومهم " أي الاقساط.

ولا بامتلاك نصاب محدود، ولايكون المبذول مقدارا معينا بالنسبة الى ما يملك، ككونه عشرا، أو ربع عشر، أو عشر العشر مثلا، وإنما هو أمر مطلق بالاحسان موكول إلى أريحية المعطي وحالة المعطى.
ووقاية الانسان المحترم من الهلاك، والتلف، واجبة على من قدر عليها، وما زاد على ذلك، فلا تقدير له.
وقد أغفل الناس أكثر هذه الحقوق العامة، التي حث عليها الكتاب العزيز لما فيها من الحياة الاشتراكية المعتدلة الشريفة فلا يكادون يبذلون شيئا لهؤلاء المحتاجين إلا القليل النادر لبعض السائلين، وهم في هذا الزمان أقل الناس استحقاقا، لانهم اتخذوا السؤال حرفة، وأكثرهم واجدون.
انتهى.
وقال ابن حزم: وفرض على الاغنياء من أهل كل بلد، أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف، والشمس، وعيون المارة.
برهان ذلك: قول الله تعالى: " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل " وقال تعالى: " وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب (1) ، والصاحب بالجنب (2) ، وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم ".
فأوجب تعالى حق المسكين، وابن السبيل، وما ملكت اليمين من حق ذي القربى، وافترض الاحسان إلى الابوين، وذي القربى والمساكين، والجار وما ملكت اليمين، والاحسان يقتضي كل ما ذكرنا، ومنعه إساءة بلا شك.
وقال تعالى: (ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين) .
فقرن الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة، في غاية الصحة أنه قال: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ".

(1) " الجار الجنب " أي الجار البعيد.
(2) " الصاحب بالجنب " أي الزوجة.

ومن كان على فضلة (1) ورأى المسلم أخاه جائعا عريان ضائعا فلم يغثه. فما رحمه بلاشك.
وعن عثمان النهدي: أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حدثه: " أن أصحاب الصفة، كانوا ناسا فقراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس ".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ".
ومن تركه يجوع، ويعرى - وهو قادر على إطعامه وكسوته - فقد أسلمه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان معه فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من زاد له.
قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لاحق لاحد منا في فضل ".
وهذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم يخبر بذلك أبو سعيد الخدري رضي رضي الله عنه، وبكل ما في هذا الخبر نقول: ومن طريق أبي موسى الاشعري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني (2) ".
والنصوص من القرآن، والاحاديث الصحاح في هذا كثيرة جدا.
وقال عمر رضي الله عنه: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لاخذت فضول أموال الاغنياء، فقسمتها على فقراء المهاجرين " وهذا إسناد في غاية الصحة، والجلالة.
وقال علي رضي الله عنه: " إن الله تعالى فرض على الاغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا، أو عروا، وجهدوا فبمنع الاغيناء، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم

(1) " فضلة " أي زيادة عن الحاجة.
(2) " العاني " أي الاسير.

يوم القيامة، ويعذبهم عليه (1) ".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: " في مالك حق سوى الزكاة ".
وعن عائشة أم المؤمنين، والحسن بن علي، وابن عمر رضي الله عنهم، أنهم قالوا كلهم لمن سألهم: " إن كنت تسأل في دم موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، فقد وجب حقك ".
وصح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلثمائة من الصحابة رضي الله عنهم أن زادهم فني، فأمرهم أبو عبيدة.
فجمعوا أزوادهم في مزودين، وجعل يقوتهم إياها على السواء.
فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم منهم.
وصح عن الشعبي، ومجاهد، وطاوس، وغيرهم، كلهم يقول: في المال حق، سوى الزكاة. ثم قال: ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة، أو لحم خنزير وهو يجد طعاما، فيه فضل عن صاحبه لمسلم، أو لذمي، لانه يجب فرضا على صاحب الطعام إطعام الجائع. فإذا كان ذلك كذلك فليس بمضطر إلى الميتة، ولا إلى لحم الخنزير، وله أن يقاتل على ذلك، فإن قتل، فعلى قاتله القود (2) ، وإن قتل المانع فإلى لعنة الله، لانه منع حقا، وهو من الطائفة الباغية، قال تعالى: " فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ".
ومانع الحق باغ على أخيه، الذي له الحق. وبهذا قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، مانع الزكاة. وبالله تعالى التوفيق. انتهى
وإنما سردنا هذه النصوص، وأكثرنا القول في هذه المسألة لنبين مدى ما في الاسلام من رحمة، وحنان، وأنه سبق المذاهب الحديثة سبقا بعيدا، وأنها في جانبه كالشمعة المضطربة أمام الضوء الباهر، والشمس الهادية.

(1) تقدم الحديث في أول الكتاب مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) " فعلى قاتله القود " أي يقتل به.