اعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العباد

والعمات.
والخالات، فإنه يجوز دفع الزكاة إليهم، إذا كانوا مستحقين، في قول أكثر أهل العلم.
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " الصدقة على المسكين صدقة (1) ، وعلى ذي القرابة اثنتان: صلة، وصدقة (2) " رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه.

اعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العباد
قال النووي: ولو قدر على كسب يليق بحاله، إلا أنه مشتغل بتحصيل بعض العلوم الشرعية، بحيث لو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل، حلت له الزكاة، لان تحصيل العلم فرض كفاية.
وأما من لا يتأتى منه التحصيل فلا تحل له الزكاة إذا قدر على الكسب، وإن كان مقيما بالمدرسة هذا الذى ذكرناه هو الصحيح المشهور.
قال: " وأما من أقبل على نوافل العبادات - والكسب يمنعه منها، أو من استغراق الوقت بها - فلا تحل له الزكاة بالاتفاق، لان مصلحة عبادته قاصرة عليه، بخلاف المشتغل بالعلم ".
اسقاط الدين عن الزكاة قال النووي في المجموع: " لو كان على رجل معسر دين، فأراد أن يجعله عن زكاته وقال له: جعلته عن زكاتي فوجهان: أصحهما، لا يجزئه، وهو مذهب أحمد، وأبي حنيفة، لان الزكاة في ذمته، فلا يبرأ إلا بإقباضها.
والثاني: يجزئه، وهو مذهب الحسن البصري.
وعطاء، لانه لو دفعه إليه، ثم أخذه منه جاز، فكذا إذا لم يقبضه.
كما لو كانت له دراهم وديعة، ودفعها عن الزكاة، فإنه يجزئه، سواء قبضها، أم لا.

(1) أي فيها أجر الصدقة.
(2) أي فيها أجران، أجر صلة الرحم، وأجر الصدقة.

أما إذا دفع الزكاة، بشرط أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع، ولا تسقط الزكاة بالاتفاق.
ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق، ولو نويا ذلك، ولم يشترطاه، جاز بالاتفاق، وأجزأه عن الزكاة، وإذا رده إليه عن الدين، برئ.
نقل الزكاة أجمع الفقهاء على جواز نقل الزكاة إلى من يستحقها، من بلد إلى أخرى
إذا استغنى أهل بلد المزكي عنها.
أما إذا لم يستغن قوم المزكي عنها، فقد جاءت الاحاديث مصرحة بأن زكاة كل بلد تصرف في فقراء أهله، ولا تنقل إلى بلد آخر، لان المقصود من الزكاة، إغناء الفقراء من كل بلد، فإذا أبيح نقلها من بلد - مع وجود فقراء بها - أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين.
ففي حديث معاذ المتقدم " أخبرهم ": أن عليهم صدقد تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ".
وعن أبي جحيفة قال: قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا، فكنت غلامايتيما، فأعطاني قلوصا. رواه الترمذي وحسنه.
وعن عمران بن حصين: أنه أستعمل على الصدقة، فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناه حيث كنا نضعه. رواه أبو داود، وابن ماجه.
وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ: من خرج من مخلاف إلى مخلاف، فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته. رواه الاثرم في سننه.
وقد استدل الفقهاء بهذه الاحاديث: على أنه يشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله، واختلفوا في نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى، بعد إجماعهم على أنه يجوز نقلها إلى إلى من يستحقها إذا استغنى أهل بلده عنها، كما تقدم.

فقال الاحناف: يكره نقلها، إلا أن ينقلها إلى قرابة محتاجين لما في ذلك من صلة الرحم، أو جماعة هم أمس حاجة من أهل بلده، أو كان نقلها أصلح للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الاسلام، أو إلى طالب علم،
أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول، فإنه في هذه الصور جميعها، لا يكره النقل.
وقالت الشافعية: لا يجوز نقل الزكاة، ويجب صرفها في بلد المال، إلا إذا فقد من يستحق الزكاة، في الموضع الذي وجبت فيه.
فعن عمرو بن شعيب: أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند - إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر، فرده على ما كان عليه، فبعث إليه بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فترد على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت اليك بشئ وأنا أجد أحدا يأخذه مني.
فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا. رواه أبو عبيد.
وقال مالك: لا يجوز نقل الزكاة، إلا أن يقع بأهل بلد حاجة، فينقلها الامام إليهم، على سبيل النظر والاجتهاد.
وقالت الحنابلة: لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر.
ويجب صرفها في موضع الوجوب أو قربه، إلى ما دون مسافة القصر.
قال أبوداود: سمعت أحمد، سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال: لا.
قيل: وإن كان قرابته بها؟ قال: لا.
فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها، واستدلوا بحديث أبي عبيد المتقدم.
قال ابن قدامة: فإن خالف ونقلها أجزأته، في قول أكثر أهل العلم.
فإن كان الرجل في بلد، وماله في بلد آخر، فالمعتبر ببلد المال، لانه سبب الوجوب ويمتد إليه نظر المستحقين.
فإن كان بعضه حيث هو، وبعضه في بلاد أخرى، أدى زكاة كل مال، حيث هو.

هذا في زكاة المال، أما زكاة الفطر، فإنها تفرق في البلد الذي وجبت عليه فيه، سواء كان ماله فيه، أم لم يكن لان الزكاة تتعلق بعينه - وهو سبب الوجوب - لا المال.
الخطا في مصرف الزكاة: تقدم الكلام على من تحل لهم الصدقة، ومن تحرم عليهم.
ثم إنه لو أخطأ المزكي، وأعطى من تحرم عليه، وترك من تحل له دون علمه، ثم تبين له خطؤه، فهل يجزئه ذلك، وتسقط عنه الزكاة، أم أن الزكاة لا تزال دينا في ذمته، حتى يضعها موضعها؟ اختلفت أنظار الفقهاء في هذه المسألة: فقال أبو حنيفة، ومحمد، والحسن، وأبو عبيدة: يجزئه ما دفعه ولا يطالب بدفع زكاة أخرى.
فعن معن بن يزيد قال: كان أبي أخرج دنانير، يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت. فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن ".
رواه أحمد، والبخاري.
والحديث، وإن كان فيه احتمال كون الصدقة نفلا، إلا أن لفظ: " ما " في قوله: " لك ما نويت " يفيد العموم.
ولهم أيضا في الاحتجاج حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: " قال رجل (1) : لاتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق (2) فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق فقال: اللهم لك الحمد (3) لا تصدقن بصدقة.
فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لاتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني. فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال. اللهم لك الحمد على زانية، وعلى سارق، وعلى

(1) من بني إسرائيل.
(2) وهو لا يعلم.
(3) حمد الله على تلك الحال، لانه لا يحمد على مكروه سواه.