زكاة الركاز والمعدن

3 - وأن يمضي عليه حول كامل.
4 - وأن لا يتميز واحد من المال عن الاخر في المراح (1) والمسرح (2) والمشرب والراعي والمحلب (3) .
5 - وأن يتحد الفحل إذا كانت الماشية من نوع واحد.
وبمثل ما قالت الشافعية، ذهب أحمد، إلا أنه قصر تأثير الخلطة على المواشي، دون غيرها، من الاموال.

زكاة الركاز والمعدن
معنى الركاز: الركاز مشتق من ركز يركز: إذا خفي، ومنه قول الله تعالى: (أو تسمع لهم ركزا) أي صوتا خفيا.
والمراد به هنا: ما كان من دفن الجاهلية (4) .
قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولون: ان الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل، ولا مؤونة.
فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل، فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز.
وقال أبو حنيفة: هو اسم لما ركزه الخالق، أو المخلوق.
معنى المعدن وشرط زكاته عند الفقهاء: والمعدن: مشتق من عدن في المكان، يعدن عدونا، إذا أقام به إقامة، ومنه قوله تعالى (جنات عدن) لانها دار إقامة وخلود.

(1) (المراح) أي مأواها ليلا.
(2) (المسرح) أي المرتع الذي ترعى فيه.
(3) (المحلب) أي الموضع الذي تحلب فيه.
(4) (دفن) أي المدفون من كنوز الجاهلية، ويعرف ذلك بكتابة أسمائهم، ونقش صورهم ونحو ذلك، فإن كان عليه علامة الاسلام فهو لقطة، وليس بكنز وكذلك إذا لم يعرف، هل هو من دفن الجاهلية أو الاسلام.

وقد اختلف العلماء في المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة.
فذهب أحمد: إلى أنه كل ما خرج من الارض مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة، مثل الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، والياقوت، والزبرجد، والزمرد، والفيروزج، والبلور، والعقيق، والكحل والزرنيخ، والقار (1) والنفط (2) والكبريت، والزاج، ونحو ذلك.
واشترط فيه، أن يبلغ الخارج نصابا بنفسه، أو بقيمته.
وذهب أبو حنيفة: إلى أن الوجوب يتعلق بكل ما ينطبع ويذوب بالنار، كالذهب، والفضة، والحديد والنحاس.
أما المائع، كالقار، أو الجامد الذي لا يذوب بالنار، كالياقوت، فإن الوجوب لا يتعلق به، ولم يشترط فيه نصابا، فأوجب الخمس، في قليله، وكثيره.
وقصر مالك، والشافعي، الوجوب على ما استخرج من الذهب والفضة، واشترطا - مثل أحمد - أن يبلغ الذهب عشرين مثقالا، والفضة مائتي درهم، واتفقوا على أنه لا يعتبر له الحول، وتجب زكاته حين وجوده، مثل الزرع.
ويجب فيه ربع العشر عند الثلاثة.
ومصرفه مصرف الزكاة عندهم.
وعند أبي حنيفة مصرفه مصرف الفئ.

مشروعية الزكاة فيهما:
الاصل في وجوب الزكاة في الركاز، والمعدن: ما رواه الجماعة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العجماء جرحها جبار (3) والبئر جبار (4) ، والمعدن جبار. وفي الركاز الخمس) .
قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خائف هذا الحديث، إلا الحسن، فإنه فرق بين ما وجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة.

(1) (القار) أي الزفت.
(2) (النفط) أي البترول.
(3) أي إذا انفلتت بهيمة فأتلفت شيئا فهو جبار: أي هدر.
(4) (والبئر جبار) : معناه إذا حفر إنسان بئرا فتردى فيه آخر، فهو هدر.

وقال ابن القيم: وفي قوله: (المعدن جبار) قولان: (أحدهما) أنه إذا استأجر من يحفر له معدنا، فسقط عليه، فقتله، فهو جبار.
ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله: البئر جبار، والعجماء جبار.
(والثاني) أنه لا زكاة فيه.
ويؤيد هذا القول، اقترانه بقوله: (وفي الزكاة الخمس) ففرق بين المعدن، والركاز، فأوجب الخمس في الركاز، لانه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب، وأسقطها عن المعدن، لانه يحتاج إلى كلفة، وتعب، في استخراجه.
صفة الركاز الذي يتعلق به وجوب الزكاة:
الركاز الذي يجب فيه الخمس، هو كل ما كان مالا، كالذهب والفضة، والحديد، والرصاص، والصفر، والانية، وما أشبه ذلك.
وهو مذهب الاحناف، والحنابلة، وإسحق، وابن المنذر، ورواية عن مالك، وأحد قولي الشافعي.
وله قول آخر: أن الخمس لا يجب إلا في الاثمان: الذهب والفضة.
مكانه: لا يخلو موضعه من الاقسام الاتية:
1 - أن يجده في موات، أو في أرض لا يعلم لها مالك، ولو على وجهها، أو في طريق غير مسلوك، أو قرية خراب، ففيه الخمس بلا خلاف، والاربعة الاخماس له.
لما رواه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: (ما كان في طريق مأتي (1) : أو قرية عامرة، فعرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فلك (2) ، وما لم يكن في طريق مأتي، ولا قرية عامرة: ففيه وفي الركاز الخمس) .

(1) (مأتي) : أي مسلوك.
(2) أي إن لم يعرف صاحبها، فهي لمن وجدها إن كان فقيرا، وإلا تصدق بها.

2 - أن يجده في ملكه المنتقل إليه، فهو له، لان الركاز مودع في الارض، فلا يملك مملكها وإنما يملك بالظهور عليه فينزل منزلة المباحات، من الحشيش، والحطب، والصيد الذي يجده في أرض غيره، فيكون أحق به إلا إذا ادعى المالك الذي انتقل الملك عنه: أنه له، فالقول قوله: لان يده كانت عليه، لكونها على محله.
وإن لم يدعه فهو لواجده، وهذا رأي أبي يوسف والاصح عند الحنابلة.
وقال الشافعي: هو للمالك قبله، إن اعترف به وإلا فهو لمن قبله كذلك، إلى أول مالك.
وإن انتقلت الدار بالميراث حكم أنه ميراث، فإن اتفقت الورثة على أنه لم يكن لمورثهم، فهو لاول مالك.
فإن لم يعرف أول مالك، فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك.
وقال أبو حنيفة ومحمد: هو لاول مالك للارض، أو لورثته، إن عرف، وإلا وضع في بيت المال.
3 - أن يجده في ملك مسلم، أو ذمي، فهو لصاحب الملك عند أبي حنيفة ومحمد، ورواية عن أحمد.
ونقل عن أحمد أنه لواجده، وهو قول الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه أبو يوسف، لما تقدم من أن الركاز لا يملك بملك الارض، إلا إن ادعاه المالك، فالقول قوله، لان يده عليه تبعا للملك، وإن لم يدعه فهو لواجده.
وقال الشافعي: هو للمالك ان اعترف به وإلا فهو لاول مالك.

الواجب في الركاز:
تقدم أن الركاز هو ما كان من دفن الجاهلية، وأن الواجب فيه الخمس، وأما الاربعة الاخماس الباقية، فهي لاقدم مالك للارض إن عرف، وإن كان ميتا فلورثته، إن عرفوا، وإلا وضع في بيت المال.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ومحمد.

وقال أحمد وأبو يوسف: هو لمن وجده، هذا ما لم يدعه مالك الارض.
فإن ادعى أنه ملكه، فالقول قوله اتفاقا.
ويجب الخمس في قليله وكثيره، من غير اعتبار نصاب فيه.
عند أبي حنيفة، وأحمد، وأصح الروايتين عن مالك، وعند الشافعي في الجديد: يعتبر النصاب فيه.
وأما الحول، فإنه لا يشترط بلا خلاف.
على من يجب الخمس: جمهور العلماء: على أن الخمس واجب على من وجده، من مسلم، وذمي، وكبير، وصغير، وعاقل، ومجنون، إلا أن ولي الصغير والمجنون هو الذي يتولى الاخراج عنهما.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الذمي في الركاز يجده: الخمس، قاله مالك، وأهل المدينة، والثوري، والاوزاعي وأهل العراق، وأصحاب الرأي، وغيرهم.
وقال الشافعي: لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة لانه زكاة.
مصرف الخمس: مصرف الخمس - عند الشافعي - مصرف الزكاة.
لما رواه أحمد، والبيهقي عن بشر الخثعمي، عن رجل من قومه قال: سقطت علي جرة من دير قديمبالكوفة، عند جباية بشر، فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها إلى علي رضي الله عنه، فقال: اقسمها خمسة أخماس، فقسمتها، فأخذ علي منها خمسا، وأعطاني أربعة أخماس، فلما أدبرت دعاني فقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم، قال: فخذها، فاقسمها بينهم.
ويرى أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، أن مصرفه مصرف الفئ، لما رواه الشعبي: (أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة، خارجا من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ منها الخمس، مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر رضي الله عنه يقسم المائتين، بين من حضره