زكاة التجارة

زكاة أجرة الدور المؤجرة: ذهب أبو حنيفة ومالك، إلى أن المؤجر لا يستحق الاجرة بالعقد، وإنما يستحقها بانقضاء مدة الاجارة.
وبناء على هذا، فمن أجر دارا لا تجب عليه زكاة أجرتها حتى يقبضها، ويحول عليها الحول، وتبلغ نصابا.
وذهبت الحنابلة إلى أن المؤجر يملك الاجرة من حين العقد، وبناء عليه، فإن من أجر داره تجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول، فإن المؤجر يملك التصرف في الاجرة بأنواع التصرفات، وكون الاجارة عرضة للفسخ لا يمنع وجوب الزكاة، كالصداق قبل الدخول، ثم إن كان قد قبض الاجرة أخرج الزكاة منها، وإن كانت دينا فهي كالدين، معجلا كان أو مؤجلا (1) .
وفي المجموع للنووي: وأما إذا أجر داره أو غيرها بأجرة حالة، وقبضها، فيجب عليه زكاتها بلا خلاف.

زكاة التجارة:
حكمها:
ذهب جماهير العلماء من الصحابة، والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء إلى وجوب الزكاة في عروض (2) التجارة.
لما رواه أبو داود البيهقي عن سمرة بن جندب قال: أما بعد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع.
وروى الدارقطني والبيهقي عن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الابل صدقتها، وفي الغنم صدقتها وفي البقر صدقتها، وفي البز (3) صدقته) وروى الشافعي، وأحمد وأبو عبيد، والدارقطني والبيهقي وعبد الرزاق

(1) أي أنه يؤدي زكاتها حين يقبضها لما مضى من حين العقد إن اكن مضى عليها حول أو أكثر.
(2) (العروض) جمع عرض: وهو غير الاثمان من المال.
(3) (البز) متاع البيت.

عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال: كنت أبيع الادم والجعاب (1) فمر بي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أد صدقه مالك، فقلت يا أمير المؤمنين، إنما هو الادم.
قال: قومه، ثم أخرج صدقته.
قال في المغني وهذه قصة يشتهر مثلها، ولم تنكر، فيكون إجماعا.
وقالت الظاهرية: لا زكاة في مال التجارة.
قال ابن رشد: والسبب في اختلافهم في وجوب الزكاة بالقياس.
واختلافهم في تصحيح حديث سمرة، وحديث أبي ذر.
أما القياس الذي اعتمده الجمهور، فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية، فأشبه الاجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق - أعني الحرث، والماشية، والذهب، والفضة.
وفي المنار: جمهور علماء الملة يقولون بوجوب زكاة عروض التجارة، وليس فيها نص قطعي من الكتاب أو السنة وإنما ورد فيها روايات، يقوي بعضها بعضا، مع الاعتبار المستند إلى النصوص، وهو أن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود، لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التي هي أثمانها إلا في كون النصاب يتقلب ويتردد بين الثمن وهو النقد، والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة في التجارة لامكن لجميع الاغنياء، أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم، ويتحروا أن لا يحول على نصاب من النقدين أبدا، وبذلك تبطل الزكاة فيهما عندهم.
ورأس الاعتبار في المسألة: أن الله تعالى فرض في أموال الاغنياء صدقة لمواساة الفقراء ومن في معناهم، وإقامة المصالح العامة، وأن الفائدة في ذلك للاغنياء، تطهير أنفسهم من رذيلة البخل، وتزكيتها بفضائل الرحمة بالفقراء وسائر أصناف المستحقين، ومساعدة الدولة والامة في إقامة المصالح العامة، والفائدة للفقراء وغيرهم، إعانتهم على نوائب الدهر، مع ما في ذلك من سد ذريعة المفاسد، في تضخم الاموال، وحصرها في أناس معدودين، وهو المشار إليه بقوله تعالى في حكمة قسمة الفئ (كي لا يكون دولة بين

الاغنياء منكم) فهل يعقل أن يخرج من هذه المقاصد الشرعية كلها، التجار الذين ربما تكون معظم ثروة الامة في أيديهم؟ متى تصير العروض للتجارة؟: قال صاحب المغني (1) : (ولا يصير العرض للتجارة، إلا بشرطين: الاول: أن يملكهب فعله كالبيع، والنكاح، والخلع، وقبول الهبة، والوصية، والغنيمة، واكتساب المباحات، لان ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه، لا يثبت بمجرد النية، كالصوم، ولا فرق بين أن يملكه بعوض أم بغير عوض، لانه ملكه بفعله، فأشبه الموروث.
والثاني: أن ينوي عند تملكه، أنه للتجارة، فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة، وإن نواه بعد ذلك.
وإن ملكه بإرث، وقصد أنه للتجارة، لم يصر للتجارة، لان الاصل القنية، والتجارة عارض، فلا يصير إليها بمجرد النية، كما لو نوى الحاضر السفر، لم يثبت له حكم السفر بدون الفعل، وإن اشترى عرضا للتجارة فنوى به الاقتناء صار للقنية، وسقطت الزكاة منه.

كيفية تزكية مال التجارة:
من ملك من عروض التجارة قدر نصاب، وحال عليه الحول قومه آخر الحول، وأخرج زكاته، وهو ربع عشر قيمته.
وهكذا يفعل التاجر في تجارته كل حول، ولا ينعقد الحول حتى يكون القدر الذي يملكه نصابا (2) ، فلو ملك عرضا، قيمته دون النصاب، فمضى جزء من الحول، وهو كذلك، ثم زادت قيمة النماء به، أو تغيرت الاسعار، فبلغ نصابا، أو باعه بنصاب، أو ملك في أثناء الحول عرضا آخر، أو أثمانا، تم بها النصاب، ابتدأ الحول من حينئذ ولا يحتسب بما مضى.

(1) وما في المهذب لا يخرج عن معناه.
(2) يرى الامام مالك أن الحول ينعقد على ما دون النصاب، فإذا بلغ في آخره نصابا زكاه.