من تجب عليه ومن لا تجب عليه

فرض عليهم (1) فاختلفوا فيه فهدانا الله.
فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا والنصارى بعد غد) (2) .
2 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم
أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) رواه أحمد ومسلم.
3 - وعن أبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات (3) أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه مسلم ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن عمر وابن عباس.
4 - وعن أبي الجعد الضمري، وله صحبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاثا جمع تهاونا طبع الله على قلبه) رواه الخمسة ولاحمد وابن ماجه من حديث جابر نحوه، وصححه ابن السكن.

من تجب عليه ومن لا تجب عليه:
تجب صلاة الجمعة على المسلم الحر العاقل البالغ المقيم القادر على السعي إليها الخالي من الاعذار المبيحة للتخلف عنها وأما من لا تجب عليهم فهم:
1 و 2 - المرأة والصبي، وهذا متفق عليه.
3 - المريض الذي يشق عليه الذهاب الى الجمعة أو يخاف زيادة المرض أو بطأه وتأخيره.
ويلحق به من يقوم بتمريضه إذا كان لا يمكن الاستغناء عنه، فعن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة

(1) الذي فرض عليهم: أي فرض عليهم تعظيمه.
(2) اليهود غدا والنصارى بعد غد: أي أن اليهود يعظمون غدا يوم السبت، والنصارى بعد غد يعني يعظمون يوم الاحد.
(3) ودعهم: أي تركهم. يختم على قلوبهم: أي يطبع على قلوبهم ويحول بينهم وبين الهدى والخير.

أو صبي أو مريض) قال النووي: إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وقال الحافظ: صححه غير واحد.
4 - المسافر وإذا كان نازلا وقت إقامتها فإن أكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه: لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة فصلى الظهر والعصر جمع تقديم ولم يصل جمعته، وكذلك فعل الخلفاء وغيرهم.
5، 6 - المدين المعسر الذي يخاف الحبس، والمختفي من الحاكم الظالم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر) قالوا: يا رسول الله وما العذر؟ قال: (خوف أو مرض) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
7 - كل معذور مرخص له في ترك الجماعة، كعذر المطر والوحل والبرد ونحو ذلك.
فعن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل: حي على الصلاة.
قل صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا فقال: فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض (1) .
وعن أبي مليح عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم جمعة وأصابهم مطر لم تبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم.
رواه أبو داود وابن ماجه.
وكل هؤلاء لا جمعة عليهم وإنما يجب عليهم أن يصلوا الظهر، ومن صلى منهم الجمعة صحت منه وسقطت عنه فريضة الظهر (2) وكانت النساء تحضر المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصلى معه الجمعة.
وقتها:
ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين إلى أن وقت الجمعة هو وقت الظهر.
لما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والبيهقي عن أنس رضي الله عنه

(1) إن الجمعة عزمة: أي فريضة. والدحض: الزلق.
(2) لا تجوز اتفاقا لان الجمعة بدل الظهر فهي تقوم مقامه والله لم يفرض علينا ست صلوات، ومن أجاز الظهر بعد الجمعة فإنه ليس له مستند من عقل أو نقل لا عن كتاب ولا عن سنة ولا عن أحد من الائمة.

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة إذا مالت الشمس.
وعند أحمد ومسلم أن سلمة بن الاكوع قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ (1) .
وقال البخاري: وقت الجمعة إذا زالت الشمس.
وكذلك يروى عن عمر وعن علي والنعمان بن بشير وعمر بن حريث رضي الله عنهم.
وقال الشافعي صلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان والائمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال.
وذهبت الحنابلة وإسحاق إلى أن وقت الجمعة من أول وقت صلاة العيد إلى آخر وقت الظهر، مستدلين بما رواه أحمد ومسلم والنسائي عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس.
وفي هذا تصريح بأنهم صلوها قبل زوال الشمس.
واستدلوا أيضا بحديث عبد الله بن سيدان السلمي رضي الله عنه قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زوال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره، رواه الدارقطني والامام أحمد في رواية ابنه عبد الله واحتج به، وقال: وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال فلم ينكر عليهم. فكان الاجماع.
وأجاب الجمهور عن حديث جابر بأنه محمول على المبالغة في تعجيل الصلاة بعد الزوال من غير إبراد، أي انتظار لسكون شدة الحر، وأن الصلاة وإراحة الجمال كانتا تقعان عقب الزوال.
كما أجابوا عن أثر عبد الله بن سيدان بأنه ضعيف، قال الحافظ ابن حجر: تابعي كبير غير معروف العدالة.
وقال ابن عدي: يشبه المجهول.
وقال البخاري: لا يتابع على حديثه وقد عارضه ما هو أقوى منه.
فروى ابن أبي شيبة عن سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس، وإسناده قوي.
لا خلاف بين العلماء في أن الجماعة شرط من شروط صحة الجمعة،

(1) الفئ: الظل.

لحديث طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة) .
واختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة إلى خمسة عشر مذهبا ذكرها الحافظ في الفتح.
والرأي الراجح أنها تصح باثنين فأكثر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاثنان فما فوقهما جماعة) ، قال الشوكاني: وقد انعقدت سائر الصلوات بهما بالاجماع، والجمعة صلاة فلا تختص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل، ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر في غيرها.
وقد قال عبد الحق: إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث، وكذلك قال السيوطي: لم يثبت في شئ من الاحاديث تعيين عدد مخصوص.
اه وممن ذهب إلى هذا الطبري وداود والنخعي وابن حزم.
مكان الجمعة: الجمعة يصح أداؤها في المصر والقرية والمسجد وأبنية البلد والفضاء التابع لها، كما يصح أداؤها في أكثر من موضع.
فقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أهل البحرين: (أن جمعوا حيثما كنتم) .
رواه ابن أبي شيبة، وقال أحمد: إسناده جيد.
وهذا يشمل المدن والقرى.
وقال ابن عباس: (إن أول جمعة جمعت في الاسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة جمعت ب (جوائى) : قرية من قرى البحرين) .
رواه البخاري وأبو داود.
وعن الليث بن سعد أن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيها رجال من الصحابة.
وعن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعتب عليهم.
رواه عبد الرزاق بسند صحيح.
مناقشة الشروط التي اشترطها الفقهاء تقدم الكلام على أن شروط وجوب الجمعة: الذكورة والحرية والصحة والاقامة وعدم العذر الموجب للتخلف عنها، كما تقدم أن الجماعة شرط لصحتها. هـ
ذا هو القدر الذي جاءت به السنة والذي كلفنا الله به.
وأما ما وراء ذلك من الشروط التي اشترطها بعض الفقهاء فليس له أصل يرجع إليه ولا مستند يعول

عليه.
ونكتفي هنا بنقل ما قاله الروضة الندية قال: (هي كسائر الصلوات لا تخالفها لكونه لم يأت ما يدل على أنها تخالفها.
وفي هذا الكلام إشارة إلى رد ما قيل من أنه يشترط في وجوبها الامام الاعظم والمصر الجامع والعدد المخصوص، فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها فضلا عن وجوبها فضلا عن كونها شروطا، بل إذا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة فقد فعلا ما يجب عليهما، فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة وإن تركا الخطبة فهي سنة فقط.
ولولا حديث طارق بن شهاب المقيد للوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم إقامتها في زمنه صلى الله عليه وسلم في غير جماعة لكان فعلها فرادى مجزئا كغيرها من الصلوات.
وأما ما يروى (من أربعة إلى الولاة) فهذا قد صرح أئمة الشأن بأنه ليس من كلام النبوة ولا من كلام من كان في عصرها من الصحابة حتى يحتاج إلى بيان معناه أو تأويله) وإنما هو من كلام الحسن البصري.
ومن تأمل فيما وقع في هذه العبادة الفاضلة - التي افترضها الله عليهم في الاسبوع وجعلها شعارا من شعائر الاسلام، وهي صلاة الجمعة - من الاقوال الساقطة والمذاهب الزائفة والاجتهادات الداحضة (1) قضى من ذلك العجب فقائل يقول الخطبة كركعتين وإن من فاتته لم تصح جمعته وكأنه لم يبلغه ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة يقوي بعضها بعضا، ويشد بعضها عضد بعض: أن من فاتته ركعة من ركعتي الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته، ولا بلغه غير هذا الحديث من الادلة.
وقائل يقول: لا تنعقد الجمعة إلا بثلاثة مع الامام، وقائل يقول بأربعة، وقائل يقول بسبعة، وقائل يقول بتسعة، وقائل يقول باثني عشر، وقائل يقول بعشرين، وقائل يقول بثلاثين، وقائل يقول لا تنعقد إلا بأربعين، وقائل يقول بخمسين، وقائل يقول لا تنعقد إلا بسبعين وقائل يقول فيما بين ذلك، وقائل يقول بجمع كثير من غير تقييد وقائل يقول إن الجمعة لا تصح إلا في مصر جامع.
وحده بعضهم بأن يكون الساكنون فيه كذا وكذا من الالاف.
وآخر قال أن يكون فيه جامع وحمام، وآخر قال أن يكون فيه كذا وكذا وآخر قال إنها لا تجب إلا مع الامام الاعظم فإن لم يوجد

(1) الداحضة: الباطلة.

أو كان مختل العدالة بوجه من الوجوه لم تجب الجمعة ولم تشرع، ونحو هذه الاقوال التي ليس عليها أثارة من علم ولا يوجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف واحد يدل على ما ادعوه من كون هذه الامور المذكورة شروطا لصحة الجمعة أو فرضا من فرائضها أو ركنا من أركانها.
فيا لله للعجب مما فعل الرأي بأهله، وما يخرج من رؤوسهم من الخزعبلات الشبيهة بما يتحدث الناس به في مجامعهم وما يخبرونه في أسمارهم من القصص والاحاديث الملفقة وهي عن الشريعة المطهرة بمعزل، يعرف هذا كل عارف بالكتاب والسنة وكل متصف بصفة الانصاف وكل من ثبت قدمه ولم يتزلزل عن طريق الحق بالقيل والقال، ومن جاء بالغلط فغلطه رد عليه مردود في وجهه.
والحكم بين العباد هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) .
فهذه الايات ونحوها تدل أبلغ دلالة وتفيد أعظم فائدة أن المرجع مع الاختلاف هو حكم الله ورسوله.
وحكم الله هو كتابه، وحكم رسوله بعد أن قبضه الله تعالى هو سنته ليس غير ذلك، ولم يجعل الله تعالى لاحد من العباد وإن بلغ في العلم أعلى مبلغ وجمع منه ما لا يجمع غيره أن يقول في هذه الشريعة بشئ لا دليل عليه من كتاب ولا سنة.
والمجتهد، وإن جاءت الرخصة له بالعمل برأيه عند عدم الدليل، فلا رخصة لغيره أن يأخذ بذلك الرأي كائنا من كان.
وإني، كما علم الله، لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين وتصديره في كتب الهداية وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به وهو على شفا جرف هار، ولم يختص بمذهب من المذاهب ولا بقطر من الاقطار ولا بعصر من العصور: بل تبع فيه الاخر الاول كأنه أخذه من أم الكتاب وهو حديث خرافة.
وقد كثرت التعيينات في هذه العبادة كما سبقت الاشارة إليها بلا برهان ولا قرآن ولا شرع ولا عقل.