الجمع بين الصلاتين

عشر يوما ولا يقصر بعدها.
وقد قال ابن المنذر في إشرافه: أجمع أهل العلم
أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون.
(5) صلاة التطوع في السفر: ذهب الجمهور من العلماء إلى عدم كراهة النفل لمن يقصر الصلاة في السفر لا فرق بين السنن الراتبة وغيرها.
فعند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل في بيت أم هانئ يوم فتح مكة وصلى ثماني ركعات.
وعن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه.
وقال الحسن: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها إلا من جوف الليل، ورأى قوما يسبحون (1) بعد الصلاة فقال: لو كنت مسبحا لاتممت صلاتي، يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين، وذكر عمر وعثمان وقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) رواه البخاري.
وجمع ابن قدامة بين ما ذكره الحسن وبين ما ذكره ابن عمر بأن حديث الحسن يدل على أنه لا بأس بفعلها وحديث ابن عمر يدل على أنه لا بأس بتركها.
(6) السفر يوم الجمعة: لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم تحضر الصلاة.
فقد سمع عمر رجلا يقول: لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت. فقال عمر: اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن السفر.
وسافر أبو عبيدة يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة، وأراد الزهري السفر ضحوة يوم الجمعة فقيل له في ذلك فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سافر يوم الجمعة.

الجمع بين الصلاتين:
يجوز للمصلي أن يجمع بين الظهر والعصر تقديما وتأخيرا (2) وبين المغرب

(1) يسبحون: أي يصلون.
(2) جمع التقديم: أداء الصلاتين في وقت الاول منهما، وجمع التأخير أداؤهما في وقت الثانية.

والعشاء كذلك (1) إذا وجدت حالة من الحالات الاتية:
(1) الجمع بعرفة والمزدلفة: اتفق العلماء على أن الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء بمزدلفة سنة لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) الجمع في السفر: الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما جائز في قول أكثر أهل العلم لا فرق بين كونه نازلا أو سائرا.
فعن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل العشاء ثم نزل فجمع بينهما. رواه أبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن.
وعن كريب عن ابن عباس أنه قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر؟ قلنا: بلى.
قال: كان إذا زاغت له الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما. رواه أحمد والشافعي في مسنده بنحوه،
وقال فيه: إذا سار قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر.
رواه البيهقي بإسناد جيد وقال: الجمع بين الصلاتين بعذر السفر من الامور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين.
وروى مالك في الموطأ عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب

(1) لا خلاف بين العلماء في أنه لا جمع إلا بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء.

والعشاء جميعا، قال الشافعي: قوله (ثم دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل) .
وقال ابن قدامة في المغني بعد ذكر هذا الحديث: قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت الاسناد.
وقال أهل السير إن غزوة تبوك كانت في سنة تسع.
وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الرد على من قال لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جد به السير، لانه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه يخرج فيصلي الصلاتين جمعا ثم ينصرف إلى خبائه.
وروى هذا الحديث مسلم في صحيحه قال: فكان يصلي الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا.
والاخذ بهذا الحديث متعين لثبوته وكونه صريحا في الحكم ولا معارض له، ولان الجمع رخصة من رخص السفر فلم يختص بحالة السير، كالقصر والمسح، ولكن الافضل التأخير. انتهى.
ولا تشترط النية في الجمع والقصر، قال ابن تيمية: وهو قول الجمهور من العلماء، وقال: والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعا وقصرا لم يكن يأمر أحدا منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها ثم صلى بهم العصر ولم يكونوا نووا لاجمع وهذا جمع تقديم وكذلك لما خرج من المدينة صلى بهم بذي الحليفة العصر ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر.
وأما الموالاة بين الصلاتين فقد قال: والصحيح أنه لا يشترط بحال، لا في وقت الاولى ولا في وقت الثانية، فإنه ليس لذلك حد في الشرع، ولان مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة، وقال الشافعي: لو صلى المغرب في بيته بنية الجمع ثم أتى المسجد فصلى العشاء جاز.
وروي مثل ذلك عن أحمد.
(3) الجمع في المطر: روى الاثرم في سننه عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن أنه قال: من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء.
وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة.
وخلاصة المذاهب في ذلك أن الشافعية تجوز للمقيم الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم فقط بشرط وجود المطر عند الاحرام بالاولى والفراغ منها وافتتاح الثانية.

وعند مالك أنه يجوز جمع التقديم في المسجد بين المغرب والعشاء لمطر واقع أو متوقع، وللطين مع الظلمة إذا كان الطين كثيرا يمنع أواسط الناس من لبس النعل، وكره الجمع بين الظهر والعصر للمطر.
وعند الحنابلة يجوز الجمع بين المغرب والعشاء فقط تقديما وتأخيرا بسبب الثلج والجليد والوحل والبرد الشديد والمطر الذي يبل الثياب، وهذه الرخصة تختص بمن يصلي جماعة بمسجد يقصد من بعيد يتأذى بالمطر في طريقه فأما من هو بالمسجد أو يصلي في بيته جماعة أو يمشي إلى المسجد مستترا بشئ أو كان المسجد في باب داره فإنه لا يجوز له الجمع.
(4) الجمع بسبب المرض أو العذر: ذهب الامام أحمد والقاضي حسين والخطابي والمتولي من الشافعية إلى جواز الجمع تقديما وتأخيرا بعذر المرض لان المشقة فيه أشد من المطر.
قال النووي: وهو قوي في الدليل.
وفي المغني: والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف.
وتوسع الحنابلة فأجازوا الجمع تقديما وتأخيرا لاصحاب الاعذار وللخائف.
فأجازوه للمرضع التي يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة، وللمستحاضة ولمن به سلس بول، وللعاجز عن الطهارة ولمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه قال ابن تيمية: وأوسع المذاهب في الجمع مذهب أحمد فإنه جوز الجمع إذا كان شغل كما روى النسائي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: يجوز الجمع أيضا للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله.
(5) الجمع للحاجة: قال النووي في شرح مسلم: ذهب جماعة من الائمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن يتخذه عادة.
وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي وعن أبي إسحاق المروزي وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر،