مبطلات الصلاة

(10) الصلاة عند مغالبة النوم: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نعس أحدكم فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنه إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه) رواه الجماعة.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه (1) فلم يدر ما يقول فليضطجع) رواه أحمد ومسلم.
(11) التزام مكان خاص من المسجد للصلاة فيه غير الامام: فعن عبد الرحمن بن شبل قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل الماكن في المسجد كما يوطن البعير) (2) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه.

مبطلات الصلاة:
تبطل الصلاة ويفوت المقصود منها بفعل من الافعال الاتية:
(1 و 2) الاكل والشرب عمدا: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة القرض عامدا (3) أن عليه الاعادة، وكذا في صلاة التطوع عند الجمهور لان ما أبطل الفرض يبطل التطوع (4) .
(3) الكلام عمدا في غير مصلحة الصلاة: فعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت

(1) فاستعجم القرآن على لسانه: أي اشتد عليه النطق لغلبة النوم.
(2) يجعل له مكانا خاصا كالبعير لا يبرك إلا في مكان خاص اعتاده.
(3) قالت الشافعية والحنابلة: لا تبطل الصلاة بالاكل أو الشرب ناسيا أو جاهلا، وكذا لو كان بين الاسنان دون الحمصة فابتلعه.
(4) عن طاووس وإسحاق أنه لا بأس بالشرب لانه عمل يسير. وعن سعيد بن جبير وابن الزبير أنهما شربا في التطوع.

ونهينا عن الكلام، رواه الجماعة.
وعن ابن مسعود قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال: (إن في الصلاة لشغلا) (1) رواه البخاري ومسلم.
فإن تكلم جاهلا بالحكم أو ناسيا فالصلاة صحيحة، فعن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم.
فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت (2) .
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه.
فو الله ما كهرني (3) ولا ضربني ولا شتمني قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
فهذا معاوية بن الحكم قد تكلم جاهلا بالحكم فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم باعادة الصلاة.
وأما عدم البطلان بكلام الناس فلحديث أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فسلم فقال له ذو اليدين (4) : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم تقصر ولم أنس) فقال: بل
قد نسيت يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما يقول ذو اليدين؟) قالوا: نعم.
فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين. رواه البخاري ومسلم.
وجوز المالكية الكلام لاصلاح الصلاة بشرط ألا يكثر عرفا وألا يفهم المقصود بالتسبيح.
وقال الاوزاعي: من تكلم في صلاته عامدا بشئ يريد به إصلاح الصلاة لم تبطل صلاته.
وقال في رجل صلى العصر فجهر بالقرآن

(1) إن في الصلاة لشغلا: مانعا من الكلام.
(2) لكني سكت: أي أرادوا أن أسكت فأردت أن أكلمهم لكني سكت.
(3) فوالله ما كهرني: أي ما انتهرني أو عبس في وجهي.
(4) ذو اليدين: صحابي سمي بذلك لطول كان في يديه.

فقال رجل من ورائه: إنها العصر، لم تبطل صلاته.
(4) العمل الكثير عمدا: وقد اختلف العلماء في ضابط القلة والكثرة، فقيل: الكثير هو ما يكون بحيث لو رآه إنسان من بعد تيقن أنه ليس في الصلاة، وما عدا ذلك فهو قليل.
وقيل: هو ما يخيل للناظر أن فاعله ليس في الصلاة.
وقال النووي: إن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف وإن كان قليلا لم يبطلها بلا خلاف، هذا هو الضابط.
ثم اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه ثم اختار الوجه الرابع فقال: (وهو الصحيح المشهور) وبه قطع المصنف والجمهور أن الرجوع فيه إلى العادة، فلا يضر ما يعده الناس قليلا كالاشارة برد السلام، وخلع النعل، ورفع العمامة، ووضعها ولبس ثوب خفيف ونزعه، وحمل صغير ووضعه، ودفع مار ودلك البصاق في ثوبه وأشباه خذا (1) .
وأما ما عده الناس كثيرا كخطوات كثيرة متوالية وفعلات متتابعة فتبطل الصلاة.
قال: ثم اتفق الاصحاب على أن الكثير إنما يبطل إذا تولى فإن تفرق بأن خطا خطوة، ثم سكت زمنا، ثم خطا أخرى، أو خطوتين، ثم خطوتين بينهما زمن إذا قلنا لا يضر الخطوتان وتكرر ذلك مرات كثيرة حتى بلغ مائة خطوة فأكثر، لم يضر بلا خلاف.
قال: فأما الحركات الخفيفة كتحريك الاصابع في سبحة أو حكة أو حل أو عقد فالصحيح المشهور أن الصلاة لا تبطل به وإن كثرت متوالية، لكن يكره.
وقد نص الشافعي رحمه الله: أن لو كان يعد الايات بيده عقدا لم تبطل صلاته، لكن الاولى تركه.
(5) ترك ركن أو شرط عمدا وبدون عذر: لما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للاعرابي الذي لم يحسن صلاته: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ، وقد تقدم.
قال ابن رشد: اتفقوا على أن من صلى بغير طهارة أنه يجب عليه الاعادة،

(1) وقد سبق في مباحث الصلاة ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاته أو أمر به كقتل الاسودين ونحو ذلك.

عمدا كان ذلك أو نسايانا.
وكذلك من صلى لغير القبلة عمدا كان ذلك أو نسيانا.
وبالجملة فكل من أخل بشرط من شروط صحة الصلاة وجبت عليه الاعادة (1) .
ويرى الحنفية والحنابلة أنه يباح له قطع الصلاة لو خاف ضياع مال له ولو كان قليلا أو لغيره أو خافت أو تألم ولدها من البكاء أو فار القدر أو هربت دابته ونحو ذلك.
(6) التبسم والضحك في الصلاة: نقل ابن المنذر الاجماع على بطلان الصلاة بالضحك.
قال النووي: وهو محمول على من بان منه حرفان.
وقال أكثر العلماء: لا بأس بالتبسم، وإن غلبه الضحك ولم يقو على دفعه فلا تبطل الصلاة به إن كان يسيرا، وتبطل به إن كان كثيرا، وضابط القلة والكثرة والعرف.
قضاء الصلاة اتفق العلماء على أن قضاء الصلاة واجب على الناسي والنائم لما تقدم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسى أحد صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) .
والمغمى عليه لا قضاء عليه إلا إذا أفاق في وقت يدرك فيه الطهارة والدخول في الصلاة.
فقد روى عبد الرزاق عن نافع: أن ابن عمر اشتكى مرة غلب فيها على عقله حتى ترك الصلاة ثم أفاق فلم يصل ما ترك من الصلاة.
وعن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه إذا أغمي على المريض ثم عقل لم يعد الصلاة.
قال معمر: سألت الزهري عن المغمى عليه فقال: لا يقضي.
وعن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين أنهما قالا في المغمى عليه: لا يعيد الصلاة التي أفاق عندها.
وأما التارك للصلاة عمدا فمذهب الجمهور أنه يأثم وان القضاء عليه واجب.
وقال ابن تيمية: تارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع وقد وفي ابن حزم هذه المسألة حقها من ال فأوردنا ما ذكره فيها ملخصا، قال وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها هذا لا يقدر على قضائها أبدا،

(1) فائدة: يحرم على المصلي أن يفعل ما يفسد صلاته بدون عذر، فإن وجد سبب كإغاثة ملهوف أو انقاذ غريق ونحو ذلك فإنه يجب عليه أن يخرج من الصلاة.

فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع ليثقل ميزاته يوم القيامة وليتب وليستغفر الله عزوجل.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يقضيها بعد خروج الوقت حتى إن مالكا وأبا حنيفة قالا من تعمد ترك صلاة أو صلوات فإنه يصليها قبل التي حضر وقتها إن كانت التي تعمد تركها خمس صلوات فأقل سواء خرج وقت الحاضرة أو لم يخرج فإن كانت أكثر من خمس صلوات بدأ بالحاضرة، برهان صحة قولنا (1) قول الله تعالى: (فويل للمصلمين الذين هم عن صلاتهم ساهون) وقوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) .
فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل ولا لقي الغي كما لا ويل ولا غي لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركا لها.
وأيضا فإن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتا محدود الطرفين يدخل في حين محدود ويبطل ي وقت محدود فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها لان كليهما صلى في غير الوقت.
وليس هذا قياسا لاحدهما على الاخر بل هما سواء في تعدي حدود الله تعالى، وقد قال الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وأيضا فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها أهي التي أمره الله بها أم هي غيرها؟ فإن قالوا: هي هي قلنا لهم: فالعامد لتركها ليس عاصيا: لانه قد فعل ما أمره الله تعالى ولا إثم على قولكم ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها وهذا لا يقوله مسلم) .
وإن قالوا: ليست هي التي أمر الله تعالى بها قلنا: صدقتم وفي هذا كفاية إذ أقروا بأنهم أمروه بما يأمره به الله تعالى.
ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة بعد الوقت أطاعة هي أم معصية؟ فإن قالوا طاعة خالفوا إجماع أهل الاسلام كلهم المتيقن وخالفوا القرآن والسنن الثابتة، وإن قالوا هي معصية صدقوا ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة.
وأيضا فإن الله تعالى قد حدد أوقات الصلاة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل لكل وقت

(1) أي ابن حزم.

صلاة منها أو لا ليس ما قبله وقتا لتأديتها وآخرا ليس ما بعده وقتا لتأديتها، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الامة فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى، ولكان لغوا من الكلام وحاشا لله من هذا.
وأيضا فان كل عمل علق بوقت محدود فإنه لا يصح في غير وقته ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له وهذا بين وبالله التوفيق.
ثم قال بعد كلام طويل: ولو كان القضاء واجبا على العامد لترك الصلاة حتى يخرج وقتها، لما أغفل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ذلك ولا نسياه ولا تعمدا إعناتنا بترك بيانه: (وما كان ربك نسيا) وكل شريعة لم يأت بها القرآن ولا السنة فهي باطلة.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) فصح أن ما فات فلا سبيل إلى ادراكه ولو أدرك أو أمكن أن يدرك لما فات كما لا تفوت المنسية أبدا، وهذا لا إشكال فيه، والامة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها فصح فوتها بإجماع متيقن ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذبا وباطلا فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا، وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.
قال: وما جعل الله تعالى عذرا لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه ولا في حالة المطاعنة والقتال والخوف وشدة المرض والسفر، وقال الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فتلقم طائفة منكم معك) الاية. وقال تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) .
ولم يفسح الله في تأخيرها عن وقتها للمريض المدنف بل أمر إن عجز عن الصلاة قائما أنه يصلي قاعدا فان عجز عن القعود فعلى جنب وبالتيمم إن عجز عن الماء وبغير تيمم إن عجز عن التراب.
فمن أين أجاز من أجاز تعمد تركها حتى يخرج وقتها ثم أمره أن يصليها بعد الوقت وأخبره بأنها تجزئه كذلك من غير قرآن ولا سنة لا صحيحة ولا سقيمة ولا قول لصاحب ولا قياس.
ثم قال: وأما قولنا أن يتوب من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ويستغفر الله ويكثر من التطوع فلقول الله