موقف الإمام والمأموم:

(24) من أم قوما يكرهونه:
جاءت الاحاديث تحظر أن يؤم رجل جماعة وهم له كارهون، والعبرة بالكراهة الكراهة الدينية التي لها سبب شرعي، فعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط. وأخوان متصارمان) رواه ابن ماجه، قال العراقي: إسناده حسن.
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوما وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارا (1) ورجل اعتبد محرره (2)) رواه أبو داود وابن ماجه.
قال الترمذي: وقد كره قوم أن يؤم الرجل قوما وهم له كارهون، فإذا كان الامام غير ظالم فإنما الاثم على من كرهه.

موقف الإمام والمأموم:
(1) استحباب وقوف الواحد عن يمين الامام والاثنين فصاعدا خلفه: لحديث جابر، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فجئت فقمت على يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جابر بن صخر فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه، رواه مسلم وأبو داود.
وإذا حضرت المرأة الجماعة وقفت وحدها خلف الرجال ولا تصف معهم فإن خالفت صحت صلاتها عند الجمهور.
قال أنس: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا، وفي لفظ: فصففت أنا واليتيم خلفه، والعجوز من ورائنا. رواه البخاري ومسلم.
(2) استحباب وقوف الامام مقابلا لوسط الصف وقرب أولي الاحلام والنهي منه: لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وسطوا الامام

(1) الدبار: أن يأتيها بعد أن تفونه.
(2) اتخذ عبده المعتق عبدا.

وسدوا الخلل (1) رواه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري.
وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليليني (2) منكم أولوا الاحلام والنهي،
ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وإياكم وهيشات الاسواق (3)) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي.
وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والانصار ليأخذوا عنه.
رواه أحمد وأبو داود.
والحكمة في تقديم هؤلاء ليأخذوا عن الامام ويقوموا بتنبيهه إذا أخطأ ويستخلف منهم إذا احتاج إلى استخلاف.
(3) موقف الصبيان والنساء من الرجال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان (4)) رواه أحمد وأبو داود.
وروى الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) .
وإنما كان خير صفوف النساء آخرها لما في ذلك من البعد عن مخالطة الرجال بخلاف الوقوف في الصف الاول فإنه مظنة المخالطة لهم.
(4) صلاة المفرد خلف الصف: من كبر للصلاة خلف الصف ثم دخله وأدرك فيه الركوع مع الامام صحت صلاته، فعن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (زادك الله حرصا ولا تعدد) (5) رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي.
وأما من صلى منفردا عن الصف فإن الجمهور يري صحة صلاته

(1) الخلل: مابين الاثنين من الاتباع.
(2) ليليني: أي ليقرب مني. والنهي جمع نهية وهي العقل. والاحلام والنهي بمعنى واحد.
(3) هيشات الاسواق: اختلاط الاصوات كما يقع في الاسواق.
(4) وإذا كان صبي واحد دخل مع الرجال في الصف.
(5) قيل لا تعد في تأخير المجئ إلى الصلاة، وقيل لا تعد إلى دخولك في الصف وأنت راكع، وقيل لا تعد إلى الاتيان إلى الصلاة مسرعا.

مع الكراهة.
وقال أحمد وإسحاق وأحمد وابن أبي ليلى ووكيع والحسن بن صالح والنخعي وابن المنذر: من صلى ركعة كاملة خلف الصف بطلت صلاته.
فعن وابصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة.
رواه الخمسة إلا النسائي.
ولفظ أحمد قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل صلى خلف الصف وحده؟ فقال (يعيد الصلاة) وحسن هذا الحديث الترمذي، وإسناد أحمد جيد.
وعن علي بن شيبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له: (استقبل صلاتك فلا صلاة لمفرد خلف الصف) .
رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي، قال أحمد: حديث حسن، وقال ابن سيد الناس: رواته ثقات معروفون.
وتمسك الجمهور بحديث أبي بكرة قالوا لانه أتى ببعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاعادة فيحمل الامر بالاعادة على جهة الندب مبالغة في المحافظة على ما هو الاولى.
قال الكمان بن الهمام: وحمل أئمتنا حديث وابصة على الندب وحديث علي بن شيبان على نفي الكمال ليوافقا حديث أبي بكرة، إذ ظاهره عدم لزوم الاعادة لعدم أمره بها.
ومن حضر ولم يجد سعة في الصف ولا فرجة فقيل: يقف منفردا ويكره له جذب أحد، وقيل يجذب واحدا من الصف عالما بالحكم بعد أن يكبر تكبيرة الاحرام. ويستحب للمجذوب موافقته.
(5) تسوية الصفوف وسد الفرج:
يستحب للامام أن يأمر بتسوية الصفوف وسد الخلل قبل الدخول في الصلاة.
فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: (تراصوا واعتدلوا) رواه البخاري ومسلم.
ورويا عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) .
وعن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوينا في الصفوف كما يقوم القدح (1) حتى إذا ظن أن قد أخذنا ذلك عنه وفقهنا أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل منتبذ بصدره (2) فقال: (لستون

(1) الغرض من ذلك المبالغة في تسوية الصفوف.
(2) منتبذ: بارز.

صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) (1) رواه الخمسة وصححه الترمذي، وروى أحمد والطبراني بسند لا بأس به عن أبي أمامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم (2) لينوا في أيدي إخوانكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف) (3)
وروى أبو داود والنسائي والبيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر)
وروى البزار بسند حسن عن ابن عمر قال: (ما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها
وروى النسائي والحاكم وابن خزيمة عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله)
وروى الجماعة إلا البخاري والترمذي عن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا تصفون كما تصفت الملائكة عند ربها؟) فقلنا: يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمون الصف الاول ويتراصون في الصف) .
(6) الترغيب في الصف الاول وميامن الصفوف: تقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليهما لاستهموا) الحديث.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا عن الصف الاول فقال لهم: (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من وراءكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عزوجل) رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه، وروى أبو داود وابن ماجه عن عائشة قالت، قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون على ميامن الصفوف) وعند أحمد والطبراني بسند صحيح عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وملائكته يصلون على الصف الاول) قالوا: يا رسول الله وعلى

(1) والمراد من مخالفة الوجوه: حصول العداوة والتنافر والبغضاء.
(2) أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين محاذيا وموازيا لمنكب الاخر.
(3) الحذف: أولاد الضأن الصغار.