صلاة الاستسقاء

بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف نحو صلاتكم، يركع ويسجد ركعتين ركعتين ويسأل الله، حتى تجلت الشمس.
وفي حديث قبصة الهلالي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم ذلك فصلوها كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) رواه أحمد والنسائي.
وقراءة الفاتحة واجبة في الركعتين كلتيهما ويتخير المصلي بعدها ما شاء من القرآن.
ويجوز الجهر بالقراءة والاسرار بها، إلا أن البخاري قال: إن الجهر أصح.
ووقتها من حين الكسوف إلى التجلي.
وصلاة خسوف القمر مثل صلاة كسوف الشمس.
قال الحسن البصري: خسف القمر، وابن عباس أمير على البصرة، فخرج فصلى بنا ركعتين في كل ركعة ركعتين (1) ثم ركب وقال: إنما صليت كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي. رواه الشافعي في المسند.
ويستحب التكبير (والدعاء والتصدق والاستغفار) لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا) .
ورويا عن أبي موسى قال: خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى وقال: (إذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره) .

صلاة الاستسقاء:
الاستسقاء: طلب سقي الماء، ومعناه هنا طلبه من الله تعالى عند حصول الجدب وانقطاع المطر على وجه من الاوجه الاتية:
1 - أن يصلي الامام بالمأمومين (2) ركعتين في أي وقت غير وقت الكراهة: يجهر في الاولى بالفاتحة و (سبح اسم ربك الاعلى) .
والثانية بالغاشية بعد الفاتحة، ثم خطبة بعد الصلاة أو قبلها.
فإذا انتهى من الخطبة حول المصلون جميعا أرديتهم بأن يجعلوا ما على أيمانهم على شمائلهم ويجعلوا على ما شمائلهم على أيمانهم ويستقبلوا القبلة، ويدعوا الله عز وجل رافعي أيديهم مبالغين في

(1) ركعتين: أي ركوعين.
(2) من غير أذان ولا إقامة.

ذلك، فعن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا، متبدلا متخشعا، مترسلا (1) متضرعا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه) رواه الخمسة وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان.
وعن عائشة قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط (2) المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب (3) الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم) ثم قال: (الحمد لله رب العالمين، الرحمن، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد: اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين) ثم رفع يديه فلم يزل (يدعو) حتى رؤي بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سألت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن (4) ضحك حتى بدت نواجذه فقال: (أشهد أن الله على كل شئ قدير وأني عبد الله ورسوله) رواه الحاكم وصححه وأبو داود وقال: هذا حديث غريب وإسناده جيد.
وعن عباد بن تميم عن عمر عبد الله بن زيد المازني: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، الحديث أخرجه الجماعة.
وقال أبو هريرة: (خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي وصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا ودعا الله وحول وجهه نحو القبلة رافعا يديه، ثم قلب رداءه فجعل الايمن على الايسر والايسر على الايمن) رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي.
2 - أن يدعو الامام في خطبة الجمعة ويؤمن المصلون على دعائه لما رواه البخاري ومسلم عن شريك عن أنس أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت

(1) متبدلا: لابسا ثياب العمل. مترسلا: متأليا.
(2) قحوط المطر: أي احتباسا.
(3) حاجب الشمس أي ضوءها.
(4) الكن: البيت.

الاموال، وانقطعت السبل (1) فادع إلينا يغيثنا.
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة (2) . وما بيننا وبين سلع (3) من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس (4) ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتا (5) ثم دخل رجل (6) من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الاكام (7) والظراب (8) ، وبطون الاودية ومنابت الشجر) فأقلعت (9) ، وخرجنا نمشي في الشمس.
3 - أن يدعو دعاء مجردا في غير يوم الجمعة وبدون صلاة في المسجد أو خارجه، لما رواه ابن ماجه وأبو عوانة أن ابن عباس قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم لا يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل (10) فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله. ثم قال: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا (11) مريئا مريعا طبقا غدقا عاجلا غير رائث) ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا) رواه ابن ماجه وأبو عوانة ورجاله ثقات، وسكت عليه الحافظ في التلخيص.
وعن شرحبيل بن السمط أنه قال لكعب بن مرة: يا كعب، حدثنا عن

(1) أي لا يجدون ما يحملونه إلى السوق.
(2) السحاب المتفرق.
(3) سلع: جبل.
(4) أي في استدارتها.
(5) أسبوعا.
(6) السائل الذي طلب الدعاء أو لا، دخل بعد أسبوع يطلب من الرسول أن يدعو الله أن يمسك المطر لكثرته.
(7) الاكام: جمع أكمة، وهي ما ارتفع من الارض.
(8) الظراب: الروابي.
(9) أقلعت: أمسكت عن المطر.
(10) لا يجد الراعي زادا بسبب الجدب. ولا يحرك الفحل ذنبه هزالا.
(11) غيثا مغيثا: مطرا منقذا. مريئا: محمود العاقبة. مريعا: مخصبا. طبقا: مطرا عاما. غدقا: كثيرا. رائث: مبطئ. أحيينا: أمطرنا.

رسول الله قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وجاءه رجل فقال: استسق الله لمضر - فقال: (إنك لجرئ..المضر؟) قال يا رسول الله استنصرت الله عز وجل فنصرك، ودعوت الله عز وجل فأجابك.
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يقول: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريعا مريئا، طبقا غدقا، عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار،) فأجيبوا فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا: قد تهدمت البيوت، فرفع يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا) فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا. رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي وابن شيبة والحاكم.
وقال: حديث حسن صحيح إسناده على شرط الشيخين.
وعن الشعبي قال: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح (1) السماء الذي يستنزل مدارا) . (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه) الاية. رواه سعيد في سننه وعبد الرزاق والبيهقي وابن أبي شيبة.
وهذه بعض الادعية الواردة.
1 - قال الشافعي: وروي عن سالم بن عبد الله عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا استسقى قال: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا غدقا مجللا عاما، طبقا سحا، ائما، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين: اللهم إن بالعباد والبلاد، والبهائم، والخلق من اللاواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم أنبت لنا الزرع. وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الارض: اللهم ارفع عنا الجهد، والجوع والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك: اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا) قال الشافعي: وأحب أن يدعو الامام بهذا.
2 - وعن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء (اللهم

(1) مجاديح السماء: أنواؤها.
والمراد بالانواء: النجوم التي يحصل عندها المطر عادة، فشبه الاستغفار بها.